تونس (وات - تحرير جمال بن جدو) - تحيي تونس يوم السبت 14 جانفي، بكل اعتزاز وفي كنف الإجلال لدماء الشهداء والجرحى، الذكرى الاولى لثورتها التاريخية التي أطاحت بأحد أعتى النظم الديكتاتورية والبوليسية في الوطن العربي ووضعت حدا لصفحات مظلمة من الاستبداد والظلم والغبن والاقصاء والتهميش، بما شكل بكل المقاييس انجازا تاريخيا فتح أمام شعب تونس.. بل وأبعد من ذلك أفقا جديدا على طريق الحرية والعدالة والديمقراطية. والمتأمل في منطلقات ومحطات الثورة التونسية "ثورة الحرية والكرامة" التي صنع الشباب ربيعها وقادها بحنكة ورباطه جأش غير مبال بارهاب الدولة الذي مارسه نظام بن علي ولا بغطرسة جهازه الامني، يقف مليا على "عظمة" الانجاز الذي حققه الشعب التونسي وكسر به حاجز الصمت في فضاء انتماء عششت فيه مظاهر الاستبداد والفساد. فقد نجح شباب تونس الذي كانت نسبة كبيرة من المواطنين تجمع على محدودية وعيه السياسي وعلى عدم إلمامه بالشأن العام، نجح في ابتداع نموذجه الخاص في الاحتجاج والثورة على الطغيان والظلم، مقدما للعالم بأسره نموذج ثورة "هادئة" رسم بها تاريخا جديدا لبلاده. وبالفعل فقد مثلت هبة الشباب التونسي، لدحر الديكتاتورية بلا خوف او تراخ متسلحا بعبارته الشهيرة "ارحل" نموذجا متميزا في التغيير وفي المضي بعزم نحو تحقيق اهداف ثورته التي أعلنها على الحكم الفردي والديكتاتورية و"تغول" ميليشيات النهب والفساد. واليوم والتونسيون يحيون الذكرى الأول لثورتهم يحق التساؤل عن حصاد سنة حبلى بالأحداث والمحطات السياسية والاجتماعية.. حصاد تختلف التقييمات بشأنه حد التناقض، وتراوح بين "الإيجابي" و"المحدود"، بالنظر إلى التحديات الكبرى التي وقفت وتقف أمام تجسيد استحقاقات الثورة وأهدافها ومنها عبء "التركة" التي خلفها نظام الاستبداد وتبعات الانفجار الاجتماعي الحاصل بعد عقود من القهر والغبن إلى جانب تحركات ومؤامرات "قوى الردة" الظاهرة والخفية. غير أن المكسب الأعظم الذي أثمرته ثورة تونس يظل استعادة التونسيين لثقتهم بانفسهم وتخلصهم من مشاعر الغربة داخل وطنهم واستردادهم لمواطنتهم ولاحساسهم بالانتماء الى هذه الارض وبأن لهم الحق في ثروات بلدهم التي نهبها المخلوع وعائلته وزبانيته. وبالرغم من الانزلاقات التي سجلتها مرحلة ما بعد بن علي نتاج التجاذبات السياسية والتوترات الاجتماعية والمهنية، فإن تونس 2012 بدأت تونس تشق طريقها نحو القطع مع رواسب الماضي والانعتاق من أغلاله... فاختار شعبها الخيار التأسيسي منهجا للمرحلة القادمة. وقد تعاظمت امال التونسيين في التقدم باتجاه تحقيق اهداف الثورة بعد النجاح في اجتياز اول اختبار على درب ارساء الديمقراطية والمتمثل في تنظيم انتخابات المجلس الوطني التاسيسي يوم 23 اكتوبر 2011 في كنف الشفافية والنزاهة وذلك بشهادة المراقبين والملاحظين المحليين والدوليين. وعلى الرغم مما تحقق في تونس بعد عام من الاطاحة بالنظام البائد من منجز حقيقي سيما في المجال السياسي مع تركيز المجلس التأسيسي المجسم لإرادة الشعب، فإن الحكومة الائتلافية التي انبثقت عن هذا المجلس تواجه تحديات بالجملة ورهانات متنوعة وملفات شائكة في مقدمتها ايجاد حلول جذرية وسريعة لمشكل البطالة وتنشيط الدورة الاقتصادية ووضع حد لتفشي الفقر في صفوف التونسيين وارتفاع معدلات التضخم المالي وتفاقم نسبة المديونية وغلاء المعيشة وتدهور المقدرة الشرائية للمواطن. وإنه لمن بديهيات الأمور القول اليوم بأن بناء تونس "الجديدة" التي قدم الشهداء دماءهم فداء لها وعرض شبابها صدورهم للرصاص من أجلها، يمثل هدفا استراتيجيا، يجب أن يوحد التونسيين أيا كانت ألوانهم السياسية ومرجعياتهم الإيديولوجية، لأن إنجاح الثورة والاستجابة لانتظارات الشعب، يرتقي إلى مرتبة الواجب الوطني الذي لا يقبل المساومة أو التأجيل... لأن التاريخ لا يرحم.