من غرائب الدّهر ان تسعى الحكومة المؤقتة في العراق بحرقة غير مسبوقة إلى استعادة صدام ومعاونيه من الأمريكيين. لقد أصبح هذا هو المطلب الأساسي. لم يطالبوا باستعادة السيادة.. لم يطالبوا باستعادة الشارع العراقي.. لم يطالبوا باستعادة السيطرة على الأجهزة الأمنية.. لم يطالبوا باستعادة القصور الرئاسية على رمزيتها.. لم يطالبوا باستعادة المباني الحكومية التي حولها المارينز إلى مراحيض.. لم يطالبوا باستعادة كنوز متاحفهم التي هربها المحتلون والاسرائيليون.. لم يطالبوا باستعادة الآلاف من الأسرى العراقيين بغير تهمة أو محاكمة.. كل همهم هو استعادة صدام وبقية الأسرى الذين وضعت أمريكا صورهم على أوراق «الكارطة».. لم يطالبوا حتى باستعادة الكهرباء الذي دمّرته القوات الغازية.. همهم الأساسي استلام الأسرى المرموقين ومحاكمتهم في محكمة صنعها بول بريمر وعين على رأسها شلبي آخر يدعى سالم.. وإلى الآن لم يجدوا عشرين حاكم تحقيق لتولي المهمة.. وإلى الآن مازالوا يبحثون عن المكان الملائم أمنيا لحبس هؤلاء. حتى قوات التحالف رّدت على الحكومة المؤقتة بأنها لن تسلم صدام إلا بعد أن توفر «المحكمة الخاصة» التي أسسها بريمر بطاقات ايداع مبنية على أدلة واضحة ومؤكدة.. جميل هذا.. ولكن لماذا أعلنت أمريكا الحرب على العراق وخلعت رئيسه إذا لم تكن بيدها اثباتات أسلحة الدمار الشامل واثباتات عن تورط النظام في الارهاب الدولي والجرائم التي يتحدثون عنها.. هل عدنا إلى سلوك الكاوبوي في السينما عندما يطلق النار أولا.. ثم يفاوض ويسأل عن هوية المقتول وسيرته. لقد وقعت الحكومة المؤقتة في نفس الفخ.. في الحركات السينمائية التي قامت بها قوات التحالف من زرع العلم الأمريكي في أرض العراق إلى اسقاط نصب صدام باخراج مسرحي تولته شركة دعائية خاصة.. وكان ظنهم آنذاك ان العملية ستذل الجميع قادة وشعوبا لينبطحوا بعد ذلك.. وقد حصل العكس.. وكانت المقاومة.. وتظن الحكومة المؤقتة ان استلام رموز القيادة السابقة سيسقط البنادق من المقاومة ليعوضها بالزهور فرحا بالحكومة المؤقتة جدا.. ولكن هذا لن يحصل لأن من يقاوم يدافع عن العراق مهما كانت نوعية مشاعرهم تجاه النظام السابق.. وهم يريدون استلام العراق وليس «أوراق كارطة».. هم يريدون رحيل المحتل ومعه عار المتعاونين والأدلاء والذين خوصصوا التعذيب وكل الذين ساووا بين سيادة العراق ونعل بريمر.