تونس الشروق : صعّدت الإدارة الأمريكية من تحرّشاتها بسوريا بعد الاعلان عن تسرّب «كومندوس» من الاراضي السورية الى العراق ومحاولته ضرب مروحية أمريكية.. هذا التصعيد جاء متزامنا مع تصويت مجلس النواب الأمريكي لصالح قرار يفرض عقوبات أمريكية على سوريا، كما تزامن أيضا مع تهديدات صريحة لسوريا. ويتهم مجلس النواب الأمريكي سوريا «ببنائها لصلات مع جماعات ارهابية» وبمحاولة «تطوير أسلحة دمار شامل» ويرى البعض ان هذه العقوبات التي جاءت بعد أسبوع فقط من رفع معارضة البيت الأبيض لهذا القانون يمكن ان تكون في شكل عقوبات اقتصادية او سحبا لبعض الدبلوماسيين... أما ريتشارد بيرل مستشار وزير الدفاع الأمريكي فإنه لم يخف في لقاء له بإسرائيل مع غلاة من المتطرفين الليكوديين ابتهاجه ازاء العدوان على سوريا فاتحا المجال في ما يمكن اعتباره ضوءا أخضر أمريكيا الى أن تكرر اسرائيل مغامرتها ازاء سوريا.. متوعدا صراحة بإمكانية احتلال واشنطن للأراضي السورية. جزء من مخطط بالعودة الى منطق المجموعة الأمريكية الحاكمة الآن، فإن استهداف سوريا هو جزء من المخطط المعلن حول الترتيبات الأمريكية للمنطقة وبالتالي فإن التصعيد الأمريكي الاسرائيلي ضد سوريا لا ينبغي ان يشكّل مبدئيا اي مفاجأة لأي طرف خاصة ان واشنطن قد وضعت بعد ومنذ فترة طويلة سوريا على لائحة «الدول الداعمة للارهاب» غير ان التصعيد الأمريكي الاسرائيلي اتخذ منعرجا جديدا مباشرة بعد احتلال العراق عندما اتهمت سوريا بإيوائها قيادات عراقية وبفتح حدودها أمام المتطوعين العرب. وهي تهديدات تريد واشنطن الآن استغلالها في ما قد يأتي من أحداث. وعندما تعلن أن «كومندوسا» تسلل الى العراق عبر الحدود السورية واستهدف مروحية أمريكية وتنجح في الدعاية لهذا الامر فإنها ترغب من خلال ذلك في ان تكون كل الاجراءات التي قد تتخذها ضد سوريا «مبررة» و»مفهومة» دوليا، بما يؤشر الى جدية التحرشات الأمريكية والاسرائيلية بسوريا وبما ينذر بمرحلة صعبة قد تمر بها المنطقة العربية مجددا لأن استهداف سوريا مرّ بمراحل عديدة لا يمكن معها القول بأن ما يحدث ليس سوى ترهيب لسوريا ومنع لها من الانفتاح على المقاومة العراقية فقط. فالهيئات الأمريكية عملت قبل ذلك على تحريك مسألة الوجود السوري في لبنان وعلى اعطاء الجنرال عون وهو أحد أقطاب المعارضة اللبنانية منابر متعددة للدعاية ضد سوريا وهو الذي جعل من الوجود السوري في لبنان أهم محاور معارضته على الرغم من ان هذا الوجود جاء في اطار توفير الدعم والحماية لبعض مسيحي لبنان... وعلى الرغم من ان الدولة اللبنانية تعتبر ذلك الوجود شرعيا... واذا ما أضفنا الى كل ذلك العدوان الاسرائيلي السافر على ضواحي دمشق فإنه يتأكد بما لا يدع مجالا للشك أن ما يحدث ليس عفويا بل هو حلقات متفرقة من مخطط واحد يتم نسج خيوطه بين واشنطن وتل أبيب. دقّت ساعة الحساب؟ واذا كانت سوريا مستهدفة أمريكيا واسرائيليا منذ فترة طويلة بسبب رفض سوريا استئناف مفاوضات «السلام» حسب الشروط الاسرائيلية وهي عدم العودة أبدا الى حدود ما قبل عدوان جوان فإن التصعيد في هذه الفترة ينم خاصة عن مأزق حقيقي تعيشه الإدارتان الأمريكية والاسرائيلية وهو مأزق يمكن اختصاره في فشل هاتين الادارتين اللتين تضمان بين صفوفهما صقورا وكواسر جارحة في ترتيب المنطقة العربية وخاصة في فلسطين والعراق حسب ارادتهما على الرغم من أعتى الوسائل التي استعملت لذلك. وهما تقفان أمام سؤال مصيري ثم ماذا بعد استعمال أعتى الأسلحة؟! واذا كان شارون العجوز محبطا الآن بسبب يقينه من فشله ومن انتهاء حياته السياسية دون تحقيق ما يطمح الى تحقيقه من مطامع في فلسطين فإن ساعة الحساب قد دقت بالنسبة لرئيس البيت الابيض الامريكي الذي بدأ حملته الانتخابية بعد وهو غير واثق من العودة الى الحكم كما ان شخصيات وهيئات ومؤسسات أمريكية بدأت تتساءل عن مدى مصداقية مبررات الحرب التي سيقت اليها بلادهم وإن هذا لغليان مرشح للتطور مع تفاعلات الحملة الانتخابية. إن الطرفين يعيشان مأزقا حقيقيا سيجعلهما يرتكبان الاخطاء، واذا كانت المقاومة العراقية تكشف يوما بعد يوم زيف المبررات التي بنيت عليها تلك الحرب كما تكبّد الأمريكيين خسائر مؤلمة تدفعهم للتساؤل حول سبب تواجد قواتهم في ذلك البلد فإن شارون يدور الآن في حلقة مفرغة بعد أن استنفد كل خططه لانهاء الانتفاضة والمقاومة وفرض الاستكانة على الشعب الفلسطيني.. ثم ماذا بعد؟! إن مأزقه يعبّر عنه من خلال المفاوضات غير الرسمية التي تتم مع الفلسطينيين والتي توصلت الى ما أطلق عليه اسم «اعلان سويسرا»... إن شارون يبحث في مخرج له من هذا المأزق بعد أن أغلق أبواب التسوية السياسية وفشل في فرض الحل العسكري والطرفان الأمريكي والاسرائيلي قد يغامران بارتكاب حماقات جديدة اذا كانا يشعران أن هذه الحماقة قد تفجّر الدائرة المفرغة التي دخلاها واذا كانا متأكدين أن أي عربدة في المنطقة العربية ستكون دون اي رد فعل عربي جماعي رسمي.