من المعلوم وأن عميد المحامين الأستاذ البشير الصيد عقد مؤخرا اجتماعا إخباريا بدار المحامي، حول مستجدات تصدّع علاقة العمادة بعدد من أعضاء مجلس الهيئة الوطنية للمحامين. ومن أبرز استنتاجات تداعيات الاجتماع الاخباري، انه تحوّل إلى جلسة عامة، لكنها عكس بعض التوقعات، فإنها لم تخرج عن الاطار الديمقراطي الصرف رغم سخونة الأجواء، وركّز جلّ المتدخلين على عدم الاساءة إلى هيبة العمادة، مع «لوم» على «شطط» في المصاريف بعيدا عن الاتهام المالي المباشر للعميد، كما حضرت المواقف الداعية إلى التعقّل وتحميل مسؤولية المستجدات إلى طرفي الخلاف مع ضرورة تجاوزها لصالح مهنة المحاماة. وللإشارة فإن العميد البشير الصيد افتتح الاجتماع الاخباري، بكلمة استعرض خلالها حيثيات الخلاف، حيث لم يخف أمام الحاضرين بكثافة وجود مؤامرة تستهدف ضرب شرعية مؤسسة العمادة واستقلاليتها، مذكرا بأن الفترة النيابية الحالية، حققت مكاسب هامة للمحامين، وتاريخية في بعضها معربا عن الأسف الكامل لما وصلت إليه العلاقة بين الهياكل، مؤكدا على ان استقلالية الهيئة موجودة وبقوة، مقدما أمثلة على مساهمة الهيئة في عدة قضايا. وأكد أن النضال النقابي للهيئة كان مستمرا، وأتى بمكاسب للمحامين لا ينكرها إلا الجحود، وأن المفاوضات مع السلطة كانت مثمرة للغاية. وما دام الأمر كذلك، فإنه لم تكن هناك أي حاجة للاحتجاج النقابي. وعن الملف المالي، أكد العميد أن الأمر لا يتجاوز ترويج أخبار زائفة ولا أساس لها من الصحة، وأن التسيير المالي للهيئة والصندوق سليم، وهو ما أكده خبيران محاسبان، من أفضل الكفاءات الموجودة على الساحة. هل طوي الملف المالي؟ وبعيدا عن التعمّق في تفاصيل كلمات المتدخلين أثناء فعاليات الاجتماع الاخباري، فإن متابعها غادر قاعة الاجتماع، وفي ذهنه محصلة هامة من الاستنتاجات، تأتي في مقدمتها، أن جلّ المتدخلين، وخاصة منهم المنتمين إلى التيّار الإسلامي تحاشوا علنا أي إساءة إلى عميد المحامين وأصروا على براءة ذمته المالية، مع لوم حول وجود مبالغة وإفراط في الانفاق فقط، دون أن يؤدي ذلك إلى اتهام العميد بالفساد المالي. وفي ذات الجانب، فإن ملاحظة أخرى يمكن استنتاجها وهي «غياب» عدد من المحامين الذين دأبوا علنا وفي بيانات، على اتهام الصيد بالملف المالي، وحضر بعضهم جزءا من الاجتماع، دون أن يطلب الكلمة للتدخل. وبناء عليه فإن ما حدث خلال اجتماع 18 نوفمبر الجاري، رأى عديد المتابعين له، أنه قد يكون مؤشرا على أن ملف القضية قد يكون طوي أخلاقيا وسياسيا. نعم للمحاسبة وفي ارتباط وثيق بمسألة هيبة عمادة المحامين وعدم المسّ منها، فإن عددا من المتدخلين انبروا في كلماتهم على أن لا أحد يعلو على المحاسبة إلا ربّ العباد سبحانه وتعالى. وعليه فإنه لا يجب استهجان الإقدام والرغبة في محاسبة عميد المحامين، على أخطاء قد يكون ارتكبها خلال فترته النيابية، تتعلق بالأساس بالطرفين الإداري والمالي في دواليب الهيئة والصندوق. واستنكر أصحاب هذا الرأي اتهام من يطلب محاسبة العميد، بكون الأمر فيه تحدّ ومسّ من هيبة وقداسة عمادة المحامين. نقاش رصين ومن جهة اخرى برز اجتماع 18 نوفمبر بنقطة وصفها الجميع بالايجابية تمثلت بالأساس في أن جل التدخلات ان لم تكن كلها، تميزت بعدم المس من الاعراض تطبيقا لمبدإ اخلاقي هام، وهو ان الاختلاف لا يفسد للود قضية فمن تدخلوا كانت كلماتهم في احترام الديمقراطية الحقيقية بعيدا عن التشنج المبالغ فيه احيانا، والتصادم وأحيانا «العراك» مع الاَخر. وفي حقيقة الأمر، فان أجواء اجتماع دار المحامي، خالفت بعض التوقعات بتشنج الأجواء، والتي ربطت حدوث التشنج، بسخونة الأجواء والمستجدات التي احاطت بالاجتماع وعليه فقد برز النقد السليم، والمشير الى مواطن الخلل والداء على ذلك على الهتك من الاعراض والمشاجرات وغيرها من الحركات التي لا علاقة لها بحقيقة الديمقراطية التي طالما افتخرت بها ساحة المحاماة ...عن باقي الفضاءات. نقاش قانوني أما عن الاسنتاجات حول حيثيات اجتماع 6 نوفمبر الجاري وقراراته التي احدثت ضجة في القطاع فان النقاش القانوني، انصب اساسا حول «قانونية» الاجتماع المذكور فرأى عدد من المتدخلين انه يمثل اجتماعا لمجلس هيئة المحامين وترأسه الكاتب العام، بتفويض من العميد، حسبما ورد بحيثيات محضر جلسة اجتماع 6 نوفمبر 2009 ومن ينكر ذلك حسب هذا «الرأي» ما عليه الا الطعن في محضر الجلسة بالتزوير. وبخصوص الجهة المقابلة فانها رأت ان اجتماع الجمعة 6 نوفمبر لايمكن بأي حال ان يرتقي الى درجة اجتماع. لانه لم تقع دعوة اعضاء مجلس الهيئة الوطنية للمحامين، وانما الى اجتماع تأديب لا غير وهو هيئة قضائية، مهنية داخلية تختلف تماما عن مجلس الهيئة هذا المجلس الذي لا ينعقد الا بحضور رئيسه، العميد بترؤسه لاجتماعه والدعوة اليه وتحديد جدول اعماله ومجرد خروج العميد ورفعه لجلسة التأديب ينتفي بعده الحديث عن مجلس حتى لو أصر كل باقي اعضائه على الاجتماع، عندها يمكنهم الاجتماع للتشاور لا غير. واعتبر اصحاب هذا الرأي فكرة ان العميد هو مجرد عضو في المجلس له صوت، هي فكرة خاطئة والعميد هو احد مكونات المجلس بوصفه مؤسسة مستقلة بذاتها وله صلاحيات يمكنه ان يتخذها بمفرده فيما عدا التأديب والترسيم ولذلك فان انتخابات العمادة تكون مستقلة عن انتخابات عضوية مجلس الهيئة الوطنية للمحامين. ضرورة التجاوز ومن أهم الاستنتاجات التي خرج بها كل من تابع حيثيات ووقائع اجتماع دار المحامي هو ان الغالبية الساحقة، كانت تحت احرف كلماتها، داعية الى ضرورة تجاوز الموقف الذي تعيشه ساحة المحاماة محذرة في ذات الحين من العواقب الوخيمة على القطاع في صورة استمرار المأزق، والأخطر من ذلك انه قد يصيب اداء الهياكل بالشلل والعجز عن القيام بدورها الذي انتخبت من أجله، وهو خدمة المحامين ومصلحة المحاماة فقط. وبناء على ما سبق من استنتاجات، فان بعض التحاليل خرجت بانطباع هام للغاية وهو ان ما حدث مؤخرا وبعيدا عن تحميل المسؤولية لأي طرف دون الآخر فان اجتماع 18 نوفمبر بدار المحامي، قد يكون بمثابة حجر الأساس، لبناء تصحيح المسار وتعديل الأوضاع لمحاماة جاوزت، المائة عام من عمرها، فاخرت بانجاب كبار المفكرين والسياسيين وقد تكون مستجدات اشهر خلت بمثابة الرجة التي جعلت الجميع بدون استثناء شاعرين بخطورة الوضع والتوثب للحفاظ على ألمعية وتقوية القطاع.