ملامح متعبة.. صوت مشتت امتزجت عبراته بالألم والفرحة والدهشة معا. ألم لدفعه أملاكه ثمنا لثقته المفرطة التي لم تكن في محلها ودهشة من اعتراف المتهم المفاجئ لدى قلم التحقيق أول أمس بتفاصيل عملية التحيّل وكيفية بيعه لممتلكات المتضرر لأفراد عائلته لحرمانه منها، هكذا بدا السيد علي الجامعي وهو يتحدث ل«الشروق» عن تجربته المريرة طيلة الأشهر القليلة الماضية والتي حولته خلال 8 أشهر فقط من مالك لعدة عقارات بجربة ميدون إلى مفلس وإلى مُدان للبنك بمبلغ 550 ألف دينار مقابل رهن قطعتي أرض تابعتين له. كيف أكون ضامنا لرهن هو رهن على أملاكي ثم قيل لي إنها لم تعد ملكي.. إنها أشبه بأحجية ودوامة وجدت نفسي فيها بسبب الثقة التي تعاملت بها مع غيري.. قضيتي عرفها القاصي والداني بجزيرة جربة خاصة بعد دخول الخلاف مع شريكي مرحلة التقاضي.. اشتكيته من أجل التحيل والتدليس.. وأحمد اللّه أنه وبمفرده وحسب اعترافه لدى قلم التحقيق كل الأملاك هي تابعة لي وأننا مناصفة شركاء في الشركة التي أسسناها معا، وأنه فرّط في ممتلكاتي لزوجته وابنه بغية التفصي من المسؤولية ليس إلا لحرماني منها.. يسكت محدثنا وهو يسترجع تفاصيل كل تلك المراحل التي مرّ بها ليقول: «لا أدري إن كان جهلي بالناس وحقيقتهم وثقتي المفرطة وراء ما حدث لي.. لم أتوقع يوما أن أتعرض لمثل هذه العملية التي جعلت مني مفلسا بالدرجة الأولى وأحمل شيئا من الغباء بدرجة ثانية.. تصوروا أن يقام مشروع تجاري على أنقاض 5 محلات تجارية هي ملكي ويكون رأس مال أشغاله متأتى من رهن قطعتي أرض ملكي.. ثم بعد كل هذا أجد نفسي غير مدرج في هذه الشركة وأن المحلات لا تنتمي لي بأي وجه للقرابة، بل وجدت نفسي مبعدا عنها تماما وأن شريكي الذي أبرمت معه عقد شراكة محاصصة لدى محام قد قام ببعث شركة ثانية بينه وبين زوجته وابنه دون علمي. ألم الخداع كم هو مؤلم أن تكتشف أن كل من حولك خدعوك، هكذا علّق السيد علي وهو يتحدث: «لا أدري صراحة من أين تكون البداية.. فأنا أمتلك 5 محلات تجارية متلاصقة بالمنطقة السياحية أتاجر فيها بالبضائع التقليدية وكنت أتعامل مع شخص طيلة السنوات التي مرت.. هذا الشخص يبيعني البضائع بالجملة فيما أتولى بيعها بالتفصيل. كانت بعض الديون المتخلدة بذمتي مقابل صكوك في الغرض وأقترح عليّ ذات مرة أن نبعث شركة بيننا أكون فيها أنا مساهما بنسبة 50٪ وذلك بمحلاتي الخمسة فيما يتولى هو المساهمة بالباقي من خلال إعادة بناء هذه المحلات وجلب السلع.. ويكون متأتي الربح مناصفة أيضا بيننا.. لم يكن الاتفاق بالطريق العام بل كان لدى مكتب محام وبحضوره.. أبرمنا عقدا لشركة محاصصة أي أنها شراكة داخلية بيننا لا يتم الاعلان عنها للعموم.. وتم التنصيص في العقد على كوني شريك بمحلاتي الخمسة وأنه في صورة لم تتم الشراكة تبقى تلك المحلات على ملكي وتعود لي. شراكة ولكن! يواصل محدثنا كلامه بالقول: «تقدمنا إثر ذلك خطوات في تلك الشراكة وهدمت كل المحلات بغية إعادة بنائها من جديد حينها واجه شريكي صعوبة في الحصول على قرض فطلب مني أن أقدم ضامنا لقرض بقيمة 550 ألف دينار وذلك برهن العقار وقطعتي أرض هما على ملكي بالمنطقة السياحية.. وفعلا تحصل شريكي على المبلغ من البنك وانطلقت الأشغال وتم تشييد البناية التي هي محل تجاري كبير وفتح أبوابه للعموم في أول ماي المنقضي بعد حوالي 7 أشهر من الأعمال.. كنت طيلة تلك الفترة أتواجد يوميا لمتابعة العمل. لكن تصوروا حين فتح المحل للعموم واجهني شريكي بالقول انه ليست لي علاقة بذاك المحل وأنه لا يحق لي التواجد أو الحصول على مدخوله.. لم أصدق.. أقف يوميا أمام البناية التي بنيت بمال متأت من رهن أرضي وفوق عقاري وقد تحولت في يوم وليلة إلى غيري.. التجأت إلى المحامي حيث أبرمت عقد الشراكة الداخلية المحاصصة بيننا فوجدته لا علم له بالموضوع وتبين أن شريكي لم يعمل بشركة المحاصصة بل تولى بعث شركة ذات مسؤولية محدودة بينه وبين زوجته وابنه وذلك بمبلغ القرض الذي حصلت عليه ووجدت نفسي في نهاية الأمر كفيلا وضامنا بكل ممتلكاتي لغيري ليس إلاّ. وتدخل المحامي يسكت محدثنا لحظات وقد أمدنا بكل الوثائق التي تؤكد ما حدث في مجريات القضية: «المحامي الذي أبرم لنا عقد شركة المحاصصة اتصل بشريكي وأعلمه بأن ما أقدم عليه يعتبر تحيلا ودعاه لتطبيق فحوى الاتفاق لكنه لم يمتثل حينها.. فتقدمت بقضية عدلية ضد شريكي. أبحاث وعقد مدلّس بفتح محضر بحث لدى فرقة الشرطة العدلية بجربة تنكر لي شريكي بل بالعكس استظهر بعقد بيع لمحلاتي الخمسة لفائدة ابنه ممضى من طرفهما ليس إلا مقابل 150 ألف دينار». يسكت محدثنا من جديد ليقول: «نعم وجدت نفسي بعت ممتلكاتي لهذا الشاب بمبلغ لا يساوي عشر الثمن الحقيقي وفي عقد لا أعلم عنه شيئا والمصيبة أن محاميا بالجهة شهد ضدي لدى قلم التحقيق مؤكدا أنه شاهدني أتسلم هذا المبلغ لكن الحمد للّه حين أقر شريكي بالحقيقة تأكدت شهادة المحامي الزائفة.. لقد أذنت النيابة العمومية بفتح تحقيق عدلي كيف أكون بائعا لمحلاتي وفي نفس التاريخ أكون شريكا بها في شركة بحصة 50٪. مليارات مقابل ألف دينار شهريا التحقيقات في القضية بخصوص التحيل والتدليس شملت الشريك وزوجته وابنه حيث تم سماع شهادة المحامي الذي أبرم عقد شركة المحاصصة والذي أكد على أن الشريك لم يلتزم بما جاء في العقد بل وبعث شركة ثانية هو لا علم له بها. وكذلك تم سماع المحامي الثاني الذي كان على علم بفحوى عملية البيع الوهمية في ما شهد بعض أصحاب الحرف الذين تابعوا عملية إعادة تشييد المحلات أنهم شاهدوا الشاكي بصفته شريكا في هذا المتجر. وبسماع المشتكى به لدى قلم التحقيق بمحكمة مدنين الابتدائية أنكر التهم المنسوبة إليه مصرا على كون الشاكي باع ممتلكاته بذاك المبلغ الزهيد رغم كونها تساوي أضعافا وأنه لم يتمكن من الحصول على القرض باسم شركة المحاصصة لذلك التجأ إلى بعث شركة ذات مسؤولية محدودة وأنه لم يدرج اسم الشاكي باعتباره محروما من مسك الشيكات. وأن هذا الأخير منحهم كل شيء بما في ذلك القرض مقابل مبلغ شهري قيمته ألف دينار فقط. المفاجأة ما لم يكن متوقعا هو الاعتراف المفاجئ للمشتكى به الأصلي أول أمس عند سماعه من جديد لدى قلم التحقيق والذي صرّح أنه باع أملاك الشاكي وكل منابه لزوجته 80٪ ولابنه 20٪ وذلك بغية حرمان الشاكي من نصيبه في الشركة وأنه دخل في اشكال مع عائلته بخصوص هذا الأمر، إلا أنه صحى ضميره وأقرّ حسب ما سجل عليه بكون الشاكي صاحب المحلات الخمسة ومبلغ الرهن هو شريك فعلي في الشركة والمغازة راجيا أن تقع مقاضاته بحالة سراح. ما ضاع حق وراءه طالب ما ضاع حقّ وراءه طالب هكذا ختم الشاكي كلامه وهو مندهش وسعيد في آن واحد بالقول: «الحمد للّه اعتراف من استولى على حقي يؤكد أنني لم أكن مجرد غبي، بل تاجر مازال يؤمن بالثقة.. لا أستطيع العيش دون الثقة في من حولي حين وجدت نفسي وحيدا تائها التجأت للقضاء والحمد للّه أنصفني حين أذن بفتح تحقيق عدلي لسماع كل الأطراف.. هذه الأبحاث كشفت كامل تفاصيل اللعبة التي خطط لها شريكي وطمع في الاستحواذ على كل شيء.. أتمنى أن يتّعظ غيري من العبرة.. وأن أستعيد حقّي..