يحفل تراث الأدب العربي بلطائف القصص وغرائب الحكايات وبدائع النكت والطرائف الأدبية الدالة على الذّوق الرفيع والذكاء الوقّاد والبديهة الحاضرة التي عُرف بها الانسان العربي قديما وحديثا كما عُرفت بها اللغة العربية القادرة على التعبير والإفصاح عن كل معاني الحقيقة والمجازر وما يتصل بهما من فنون البلاغة والتشبيه والكناية والجناس والتصحيف وغيرها الأمر الذي يؤكد حيويتها وتطوّرها ومسايرتها لنهج الحداثة والمعاصرة بفضل ما تتوفر عليه من اشتقاقات ومرادفات تفتقر اليها لغات أخرى. ومن طرائف الأدب العربي، ما رُوي عن أبي محمد الوزير المهلبي أنه كان محبّا لأهله كثير العطف عليهم وقد مرّ في حياته بضائقة مالية قبل أن يصل الى الوزارة وأجبر على السفر بحثا عن الرزق تاركا أهله وعائلته بلا معونة ولا زاد، ولقي في سفره شدّة وضنكا واشتهى يوما اللحم فلم يقدر على شرائه، فكبر عليه ذلك وصغرت عليه نفسه وتمنى الموت للخروج من مأساته تلك فأنشد: ألا موت يُباع فأشتريه فهذا العيش ما لا خير فيه ألا موت لذيذ الطعم يأتي يُخلّصني من العيش الكريه إذا أبصرت قبرا من بعيد وددت لو أنّني فيما يليه ألا رحم المهيمن نفس حُرّ تصدّق بالوفاة على أخيه فسمع هذه الأبيات رفيق له يُدعى أبو عبد ا& الصّوفي فاشترى له لحما بدرهم وطبخه وأطعمه وتفارقا على ذلك. وابتسمت الأيام لشاعرنا فكان اتصاله بمعزّ الدولة بن بويه الذي عيّنه وزيرا له ببغداد فحسنت حاله وطاب عيشه وسمع بذلك رفيق سفره أيام الشدّة أبو عبد ا& الصّوفي الذي ضاقت به الحال واشتدّ به الفقر ففكر في الذهاب اليه وهو من أطعمه اللحم حيث عجز الوزير المهلبي انذاك عن شرائه، فقصد بغداد وأرسل الى الوزير هذين البيتين مذكرا بسابق فضله عليه: ألا قل للوزير فدته نفسي مقال مذكّر ما قد نسيه أتذكر اذ تقول لضيق عيش ألا موت يباع فأشتريه فلما وقف المهلبي على البيتين تذكّر حاله القديمة وهزّته أريحية الجود والكرم فاستحضره وأحسن استقباله وأعطاه سبعمائة درهم وخلع عليه أجمل الملابس وقلّده عملا يرتزق منه وكتب له على رقعته المكتوب عليها بيتا الشعر قول ا& تعالى: {مثل الذين يُنفقون أموالهم في سبيل ا& كمثل حبّة أنبتت سبع سنابل في كلّ سنبلة مائة حبّة}