كتبه: أمين بن مسعود لن تخطئه عيناك مهما قلبت نظرك في وجوه الشخصيات السياسية الفرنسية , فدومينيك دو فليبان يختزل سعي فرنسا إلى التفرد عن باقي الدول ويجسد الاراء الديغولية المنتصرة للمظلومين ويمثل توق بلاده إلى التعايش المشترك بين مختلف الأجناس والأعراق ويجسم بتوفيقه بين العامل الثقافي والعنصر السياسي حالة استثنائية قل نظيرها داخل أوساط سياسية غربية لا تزال تؤمن بأن الغاية فقط هي من تبرر الوسيلة.. هو كتلة من التباينات المتجانسة... التي اختلفت لتتلاقى.. بدءا من ولادته في المغرب في14 نوفمبر من عام 1953 ثم تحوله إلى الأرجنتين قبل استقراره في فرنسا..بدراسته الجامعية التي اشتملت على إجازة في الآداب وثانية في القانون وثالثة في الدراسات الإفريقية ورابعة في علوم الإدارة.. ونهاية بنجاحه في الجمع بين فنون الآداب والشعر والرواية وفن الممكن.. حياته المهنية أيضا كانت حبلى بالمفارقات فالرجل انتقل من منصب نائب وزير الخارجية الفرنسية إلى سفارة بلاده في الولاياتالمتحدة ومنها إلى ديبلوماسية فرنسا في الهند قبل أن يحط به الرحال رئيسا للوزراء في عام 2005 . كثيرة..جدا هي المحطات السياسية التي مر بها دوفيلبان وعديدة هي المراحل التي تطور فيها أداؤه السياسي..مما دعا بالرئيس الفرنسي السابق إلى الاستنجاد به في لحظتين حاسميتن من تاريخ فرنسا الحديث.. الأولى عندما اضطلع بدور تفسير موقف فرنسا من الحرب على العراق داخل الأممالمتحدة.. والثانية عندما أنيطت بعهدته مهمة رئاسة الحكومة عقب رفض الفرنسيين التصويت على الدستور الأوروبي.. وفي المهمتين نجح دوفيلبان في المحافظة على النهج الديغولي التي تعتز به فرنسا.. وفي المهمتين تقدم ولم يتقهقر.. ولذلك أحبه الفرنسيون..واحترمه الاخرون..فهو الرجل الذي تأثر بكتابات بودلار وفولتير وصيرها أساليب في كتابة الخطابات.. وهو الذي استلهم من مونتسكيو «روح القانون» فاعتمده نهجا في الانتصار للمظلومين وللقضايا العادلة..وهو الذي استبطن المقاربة الديغولية الداعية إلى فرنسا حرة من كل وصاية والمتحررة من كل تبعية فحولها إلى منظور سياسي سرعان ما وجد له مناصرين داخل الحركة الشعبية من أجل الجمهورية (UMP) وداخل يمين الوسط.. ولكن.. كثرة المؤيدين.. جلبت له المناوئيه.. ودخل «التجمع من أجل الحركة الشعبية «بذلك في حرب أجنحة بين «الديغوليين الجدد» بزعامة دوفيلبان و«المحافظين الفرنسيين الجدد» بقيادة نيكولا ساركوزي وأصبح ميدان منافسة بين الطرفين كل يسعى إلى تلوين الحزب بلونه الفكري.. مرة داخل مقرات الحزب في «الانتخابات الداخلية لاختيار ممثل التجمع في الانتخابات الرئاسية 2007» ومرة خارجه داخل فضاء المحاكم الفرنسية 2010.. وبين التاريخين, بقي دوفليبان قريبا من الثقافة وأقرب منها إلى السياسة يعيد على مسامع مريديه «تنبؤاته» بخسارة الولاياتالمتحدة لحربها في العراق وتقويض العدوان الوحشي لكل شعارات الحرية والديمقراطية والتعددية وبانهيار شريعة الغاب الأمريكية أمام شريعة «حمورابي».. ويؤكد لمناصريه أن بلده تحتاج إلى الدخول للبوابة العالمية من بوابتها المحلية وليس من البوابات الأخرى..وان الحوار عن «الهوية الوطنية» يكون بلا مغزى إن لم يلحق بإصلاحات داخلية تمس المهاجرين والفئات المهمشة.. بيد أنه كان يدرك في قرارة نفسه أن التقدم في صورة «الزعيم المصلح» لن يكون واقعا إلا إذا منحته المحكمة «صك براءة» من كافة التهم المنسوبة إليه في قضية «كلير ستريم».. وبالفعل رد القضاء لدوفيلبان اعتباره ليزيد في المقابل من مشاكل كل من راهنوا على إبعاده من الحلبة السياسية وبنوا مشاريعهم المستقبلية على مشهد سياسي خال من «الديغولية» ومن دوفيلبان.. يحق لك يا دوفيلبان أن تستريح اليوم من عناء محاكم من شانها أن تحولك لمادة دسمة للصحافة الصفراء..وأن تبدي رضاك عن أكثر من ثلاثين نائبا أقروا بتأييدهم لخطّك السياسي..وأن تهنأ ببداية انفضاض قواعد «الديغوليين» عن ساركوزي واحدا تلو الآخر.. وأن تبدأ في التحضير للانتخابات الرئاسية المقبلة بكل ثقة في النفس واعتزاز بالتوجه.. وأن تتحدث بصوت عال عن ضرورة استرجاع «الهوية السياسية الفرنسية» المسلوبة.. البارحة فقط ووقت احتفاله بانتصاره «القضائي» رفض دوفيلبان إطلاق الوعيد لكل من سعوا إلى إغراقه في دوامة القضايا أو حتى التطرق إليهم بالتلميح أو التصريح..هكذا تكون ردة فعل شخصيات استبطنت تاريخ بلدها واستشرفت مستقبلها وهكذا فقط يكون سلوك رؤساء حكومات الدول العظمى المتعالين عن الأراجيف والأكاذيب و«الحثالات»...