عاد «العزف» على وتر ما يسمّى «الحرب على الإرهاب» بقوة في الخطاب السياسي الأمريكي بعد ان كان قد خفت بعض الشيء منذ تسلم الرئيس باراك أوباما الحكم في الولاياتالمتحدة حيث أعادت محاولة تفجير طائرة أمريكية ب «ديترويت» مؤخرا أجواء الرعب و «هيستيريا» الهلع في واشنطن ودفعتها الى تحريك آلتها الضخمة في كل الاتجاهات وتصوير هذه العملية التي اطلقت عليها «غزوة عمر الفاروق» (منفذ المحاولة» وكأنها «اعتداء ارهابي» على شاكلة احداث 11 سبتمبر يستوجب في نظرها مواجهة هذا «الخطر» في الخارج .. فكانت اليمن بذلك الساحة المفضلة لدى أمريكا لخوض مواجهة جديدة ضد تنظيم «القاعدة». ورغم الوعود التي اطقها اوباما في خطابه لدى تسلم الحكم بأنه لن يكرر أخطاء سلفه في التعاطي مع هذه المسألة وهي وعود وصلت حد التخلي عن مصطلح الحرب على الارهاب فان ما يجري اليوم لا يوحي بأن هناك انعطافة ما عن بوش ونهجه الأخرق بل ان بعض المراقبين يذهبون الى حد القول بأن المقاربة التي يتبناها أوباما بهذا الخصوص زادت في استفحال الظاهرة بدل احتوائها خاصة بالنظر الى الاجراءات الأمنية الجديدة التي اتخذتها السلطات الأمريكية بحق المسافرين القادمين الى الولاياتالمتحدة من دول صنفتها واشنطن دولا راعية لما تسميه «الارهاب» .. ولعل ما يبعث على الاستغراب ايضا ان أوباما الذي يقدم نفسه على انه مقاتل «الحرب على الارهاب» يتجاهل في الوقت نفسه الارهاب الذي يمارسه الكيان الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني بشكل يومي ويؤكد ان أمن اسرائيل هو من أمن أمريكا .. بل ان الأمر وصل به حد اعلان الحرب على الفضائيات العربية والإسلامية التي تؤكد على حق الشعوب في المقاومة ..فهل يستقيم مثل هذا الطرح ؟ ثم الى أين يمضي أوباما بحربه على الارهاب؟ في هذا العدد الجديد من الملف السياسي يجيب ثلة من الأساتذة عن أسئلة الشروق ..وهم السادة : - الدكتور عبد الله الأشعل (خبير في القانون الدولي وفي العلاقات الدولية) - طلعت مسلّم (لواء مصري متقاعد ..) - أحمد ونيّس (سفير تونسي سابق وخبير في العلاقات الدولية) د. عبد الله الأشعل: لا فرق بين أوباما وبوش في معالجة «الارهاب» تونس (الشروق) : رأى الدكتور عبد الله الأشعل، رجل القانون الدولي والخبير في العلاقات الدولية في لقاء مع «الشروق» عبر الهاتف أن ادارة أوباما بصدد التوسع في حربها على «الارهاب» وأنها لم تختلف عن نهج ادارة بوش بهذا الخصوص الا في استبدالها لمصطلح «الارهاب» ب«القاعدة». الدكتور عبد الله الاشعل انتقد بشدة الاجراءات الامنية الامريكية المتخذة ضد مسافري عدد من الدول العربية والاسلامية في المطارات محذرا من ان مثل هذه الاساليب والممارسات لن تجلب الامن لأمريكا والعالم. وفي ما يلي هذا الحوار : كيف تفسّرون العودة القوية ل«الحرب على الارهاب»... وما موقفكم من مقاربة الرئيس الامريكي باراك أوباما في التعاطي مع هذه المسألة؟ عندما وصل أوباما الى البيت الابيض كانت هناك رسالة واضحة للعالم بأن الارهاب الذي يقصده هو «القاعدة» كتنظيم وليس الاسلام ولذلك جاء الى القاهرة وحاول ان يظهر ان الحملة الامريكية على الارهاب قد انتهت وأن المشكلة التي لا تزال قائمة هي مشكلة «القاعدة» ولذلك استبشر العالم كلّه وبما فيه العالم الاسلامي خيرا بعد هذا الخطاب... ولكن الممارسة الامريكية على الارض أظهرت أنه ليس هناك تغيير كبير والدليل على ذلك ان ادارة أوباما وسعت حربها على القاعدة الى اليمن وزادت عدد قواتها في أفغانستان والصومال ورغم ان ادارة أوباما حاولت التغطية على حربها هذه باستبدال مصطلح الحرب على الارهاب بمصطلح الحرب على «القاعدة» فإن هذا الشعار هو شعار سياسي فقط لأن ما تمارسه هذه الادارة كما أسلفت أن هناك توسعا أمريكيا في الحرب على القاعدة ولذلك فإن الولاياتالمتحدة تتصرف سياسيا في تعاطيها مع هذا الموضوع وتغطّي «الارهاب» ب«القاعدة». كمختص في القانون الدولي... ما هي قراءتك القانونية للتراتيب الامنية الأمريكيةالجديدة المتبعة ضد العرب والمسلمين في المطارات؟ أنا أقول انه لابد من المحافظة على كيان الانسان... أوباما يضخّم اليوم من موضوع الامن ويوهم المواطن الامريكي بأنه حريص على أمنه وسلامته ولكن هذه الاستراتيجية تتماهى مع استراتيجية بوش... وعليه أن يدرك ان لجوءه الى استراتيجية بوش الفاشلة لن تجلب الامن لبلاده وشعبه. كذلك هذه الممارسات تعد اعتداءً سافرا على الحريات الشخصية والدخول الى مساحة محرّمة وأن تغليب الامن هو الذي أدى الى هذه الصّرعة. اذا كان تغليب الامن هو الذي أدى الى هذه «الصرعة»... كما تفضّلتم... فإلى أي مدى يمكن لواشنطن ان تنجح في ابعاد «الهاجس الأمني» عن علاقاتها بالعرب والمسلمين ثم ما المطلوب أمريكيا برأيكم، لمعالجة هذه المسألة معالجة صحيحة تكون في صالح الطرفين؟ ما أراه أن هذه الحرب سوف تستمر بل إنها قد تتصاعد في حال لم تراجع الولاياتالمتحدة سياساتها بخصوص هذا الملف. واذا لم تتخل عن مثل هذه المقاربة التي تؤدي الى الاخلال بالكثير من القواعد القانونية... صحيح ان العالم يشهد اليوم عودة للهجمات الارهابية وصحيح ان هناك في بعض الاحيان فهما خاطئا للدين لدى بعض الشباب المسلم ولكن يجب ان تدرك ادارة أوباما أن المعالجة الخاطئة تقود عادة الى نتائج خاطئة قد تضر بالولاياتالمتحدة نفسها... طلعت مسلّم: أوباما يفتقر الى «رؤية واضحة» في محاربة «الارهاب»... تونس (الشروق): أكد اللواء طلعت مسلّم في حديث خصّ به «الشروق» عبر الهاتف من القاهرة أن مقاربة الرئيس الامريكي باراك أوباما في ما يتعلق بما يسمّى «الحرب على الارهاب» لن تنجح في تحقيق أهدافها وإنما قد تفضي الى نتائج عكسية وتؤدي الى مزيد استفحال ظاهرة الارهاب... ولاحظ اللواء مسلم في هذا الصدد أن أوباما يفتقر الى رؤية واضحة في التعامل مع ظاهرة الارهاب معتبرا أن إقدامه على زيادة عدد القوات الامريكية في أفغانستان وتدخله في اليمن على خلفية حادثة ديترويت يعدّ امتدادا لسياسة سلفه جورج بوش الابن... وتابع أن أوباما ليست له صورة وسياسة واضحتين... ورغم أنه حاول أن يفصل بين الاسلام والقاعدة فإن موقفه بهذا الشأن مازال يلفّه الغموض مشيرا الى أن سبب هذا الغموض يعود بالاساس الى العناصر المختلفة الضاغطة في السياسة الامريكية التي قال إنها غيّرت كثيرا من قناعات أوباما... وأضاف: «إن كلمة الارهاب ليست محددة وتستخدمها الولاياتالمتحدة للقيام بأمور كثيرة غير مشروعة لتحقيق الهيمنة الامريكية». وتابع: «هناك مشكلة في تعريف هذه الظاهرة وستظل الولاياتالمتحدة تدفع ثمن ذلك داعيا واشنطن في هذا الصدد الى التفرقة بين حركات المقاومة وحركات الارهاب... ورأى اللواء المصري المتقاعد أن الولاياتالمتحدة ستضطر في النهاية الى مراجعة سياستها لأن تدخلها في أفغانستان وفي باكستان وفي أماكن أخرى محكوم عليه بالفشل وحذّرها من أنها في حال لم تراجع هذا المفهوم فإنها ستدفع ثمنا باهظا... واستبعد السيد مسلم في هذا الاطار أن تنجح الولاياتالمتحدة في الحد من ظاهرة الارهاب أو حتى التقليل منها بل إنه رجّح احتمال تصاعد ليس الهجمات فحسب بل الحركات الارهابية أيضا. وفي رده عن سؤال «الشروق» حول رؤيته للاجراءات الامريكية الصارمة في المطارات من زاوية أخلاقية أوضح اللواء المصري أن الحديث عن الأخلاق في النظام الامريكي غير جائز لأن الولاياتالمتحدة كما يقول يحكمها قانون والقانون ليست له علاقة مباشرة بالاخلاق... والاخلاق ليس لها وزن في السياسة الامريكية. أحمد ونيّس: تعريف «الارهاب» يقوّض التحالف «الأمريكي الاسرائيلي»... تونس الشروق (حوار أمين بن مسعود): أكّد السفير التونسي الأسبق أحمد ونيّس أن مسألة الارهاب ستظل قائمة طالما أنها مرتبطة بقضايا اقليمية كبرى. وأضاف في حديث ل «الشروق» أن الولاياتالمتحدة باتت عاجزة عن حل القضايا الدولية مشيرا الى أن اخفاق أوباما في هذا الامر سيكون أخطر بكثير من فشل جورج بوش. وذكر ونيّس أن قضية الارهاب تتجاوز مسؤوليات الدول فهي مسألة عالمية ترتبط بقوّة استراتيجية قادرة على مواجهة أكبر الدول مشيرا الى أن منطقة الساحل الصحراوي «جنوب المغرب العربي» ما هي الا واحدة من الواجهات العالمية لخطر الارهاب. واعتبر ذات المتحدّث أنه سواء مع ادارة أوباما أو سابقتها إدارة جورج بوش فإن القضيّة ستبقى قائمة طالما أنها مرتبطة بالقضايا الاقليمية الكبرى... (القضية الفلسطينية... الانسحاب من العراق... الخطر النووي الايراني... الاحتلال الاسرائيلي...). مقارنة وفي مقارنته بين سياسة باراك أوباما وجورج بوش في مجال مكافحة الارهاب رأى ونيّس عزيمة أوباما كانت أصدق وأكثر صراحة من الثاني حيث أنه كان يشدّد على أن خطر الارهاب لن يتلاشى الا بالحلول السياسية... بيد أن أوباما فشل بعد 6 أشهر من بداية ولايته في تحقيق هذا الغرض فطوى الصفحة وانجرّ الى سياسات أخرى تختلف جملة وتفصيلا عن السياسات التي أعلنها عقب انتخابه. وأكّد في هذا السياق أن اخفاق الرئيس الامريكي أخطر بكثير من اخفاق بوش باعتبار أن الاخير لم يؤمن يوما بأن إيجاد تسوية عادلة للقضية الفلسطينية يمثل مفتاح حلّ لقضايا الارهاب. وأشار الى أن أوباما رضخ في الأخير للحلول العسكرية لا بخياره هو ولكن بضعف سياسات الولاياتالمتحدة. رفض تعريف «الارهاب» وفي إجابته عن سؤال «الشروق» عن الأسباب التي تجعل واشنطن ترفض الى حد اللحظة تعريف مصطلح «الارهاب»، أوضح الخبير الاستراتيجي أن اسرائيل تحول دون هذا الامر، مبينا أن «العقدة الاسرائيلية» مؤثّرة جدا في السياسة الامريكية، مضيفا أن أي تحديد امريكي لمفهوم «الارهاب» سيضرّ بشكل كبير بالتحالف «الامريكي الاسرائيلي». ولدى تطرقه الى اصدار «الكونغرس» الامريكي قرارا ينعت بعض القنوات العربية ب «الارهاب» ويدعو الى شطبها من الأقمار الصناعية العربية، أكد الونيّس ان هذا الاجراء يمثل دليلا على الضعف السياسي الامريكي وعلى حجم التناقضات الامريكية التي تستعيض بملاحقة فاضحي الانتهاكات التي تطال البشر والحجر عن معاقبة المجرم. وخلص في هذا الاطار الى أن واشنطن لم تعد قادرة على حل القضايا الكبرى باعتبار أن الخيار العسكري المعزول عن الدعم السياسي لا يجدي نفعا مشيرا الى أن واشنطن أضحت ترى الطريق الصواب وتدرك نجاعته وأحقيته بالتبني غير أنها تنتهج في الأخير الخيارات المسدودة والفاشلة. وفي حديثه عن المغرب العربي ذكر ونيّس أنه يفتقد لتصوّر موحّد لمواجهة الارهاب الامر الذي يجعل الدول الكبرى التي تسعى الى مساعدة دول المغرب على التصدي لهذه الآفة لا تجد طرفا مغاربيا موحّدا تتعامل معه في هذا الأمر. بين أمريكا و«القاعدة»: «التبرير»... لتمرير «أجندة التدمير» تونس (الشروق)»: يتزايد عدد المتكهّنين بأن الرئيس الامريكي باراك أوباما سيستعير «خوذة» «الرئيس المحارب» من سلفه جورج بوش لخوض «الحرب على الارهاب»... هذا المصطلح الذي كانت إدارة أوباما قد سحبته من التداول على ألسنة مسؤوليها... فبعد فتح ملف «غونتانامو» وإلقاء خطاب مصالحة مع العالم الاسلامي في القاهرة عاد «ضجيج» «الحرب على الارهاب» بقوة هذه الايام بعد اكتشاف محاولة تفجير طائرة ركاب أمريكية متجهة الى ديترويت... كذلك يلاحظ المراقبون أن مفردات أو مرتكزات خطاب إدارة أوباما في ما يتعلق بالمواجهة مع تنظيم «القاعدة» في اليمن تكاد تتطابق بالكامل مع ما دأبت إدارة بوش على ترديده حول أفغانستان والعراق... «القاعدة»... والمحافظون الجدد على أن عودة الحرب على الارهاب الى الواجهة عبر بوابتي حادثة ديترويت والوضع في اليمن ما كان لها بحسب هؤلاء المراقبين أن تثير كل هذا الصخب خلال الاسابيع الماضية لولا براعة التوظيف السياسي والاعلامي الذي تمارسه القوتان الرئيسيتان المستفيدتان من هذه العودة وهما اليمين الامريكي المحافظ وتنظيم القاعدة... فمن جهة وبعد أن استفاد (اليمين الامريكي المحافظ) من تعثر السياسات الداخلية لإدارة أوباما ومحدودية المردود الفعلي لأجندتها «التغييرية» في السياسة الخارجية لاستعادة بعض ما فقده من قبول شعبي قبل وبعد انتخابه يجدّد اليمين المحافظ باقتدار صناعة صورته الذاتية كالمدافع الأول عن أمن المجتمع الامريكي وسلامة مواطنيه من خلال مطالبة أوباما تارة بتشديد الاجراءات الاحترازية والأمنية في الداخل وتصعيد المواجهة العالمية مع القاعدة وتارة أخرى بالتشكيك في قدرته على الاضطلاع بمسؤوليات الحرب على الارهاب واتهامه بالانشغال بالالتزامات المعنوية المترتبة على جائزة نوبل للسلام أكثر من مقتضيات الأمن القومي... أما في ما يتعلق ب «القاعدة» فيرى محللون أنها تحينت منذ دخول أوباما البيت الابيض اللحظة المناسبة للهجوم على رئيس أمريكي تحدث في اسطمبول والقاهرة عن احترام الاسلام والمسلمين وأسقط بداية مفردات الحرب على الارهاب من قاموس الخطاب الرسمي ووعد بالعمل على حلّ قضايا الصراع العربي الاسرائيلي والانسحاب من العراق وإغلاق غوانتانامو... ويقول المحللون إن تنظيم القاعدة لم يكن يتمنى أفضل من التزامن الحاصل اليوم بين غياب الانجاز عن جلّ وعود السياسة الخارجية التي أطلقها أوباما باتجاه العالم العربي والاسلامي وبين تجديد إدارته لتورط الولاياتالمتحدة في الحرب على الارهاب كسياق للهجوم عليه يتم توظيفه في خطوة تالية لاعادة إنتاج الخطاب الذي يشرّع القتل والعنف... إجراءات تعسفية على صعيد متصل يرى المراقبون أن الاجراءات الاحترازية والامنية المشددة التي شرعت السلطات الامريكية والغربية في تطبيقها بالمطارات والموانئ بعد ما سميت ب «غزوة عمر الفاروق» لا تختلف كثيرا عن مجمل ما أعقب هجمات 11 سبتمبر 2001 إن لجهة المقولات الرسمية الموظفة لتبرير الاجراءات المتخذة وما تتضمنه من تعسف واضح ضد المسافرين من بعض الدول العربية والاسلامية أو في ما يخص الاسترجاع الغربي ل «هيستيريا» الخوف المغلبة في سياق ما يسمّى مكافحة الارهاب للمكوّن الامني على حساب المكوّن الحقوقي والاخلاقي... ويرى المراقبون أن أغلب ما ورد في اللائحة المستهدفة للرعايا العرب والمسلمين يتجاوز كونه تراتيب أمنية احتياطية الى انتهاكات مبيّتة لا يقبلها المنطق والعرف والدّين ولا تضع وزنا لأية خصوصية أو حرمة...