ستانلي كوهين.. هو أبرز محامي يهودي أمريكي على الإطلاق لكنه بالنسبة إلى اللوبي الصهيوني هو أخطر «رجل.. يهودي».. أو هكذا نعتته احدى أكبر الصحف الأمريكية الموالية لاسرائيل.. فرغم أنه يقيم في نيويورك حيث «معقل» الحركة الصهيونية في أمريكا فإن الرجل لا يتوانى في فضح إسرائيل والتشهير بجرائمها بحق الشعب الفلسطيني.. بل إنه ينادي بالحق في مقاومتها بالسلاح ويؤكد على مشروعية المقاومة الفلسطينية واللبنانية في مواجهة هذا الكيان الذي يصفه بالعنصري وغير الشرعي.. مواقف الرجل وجرأته سببت له متاعب أمنية بالجملة حيث اعتقل عديد المرات وتعرّض إلى مئات التهديدات بالقتل ولكنه ظلّ على مواقفه هذه التي جلبت له الاحترام الكبير لدى أحرار الأمة والعالم.. في هذا العدد الجديد من حديث الأحد يتحدث السيد ستانلي كوهين ل«الشروق» عن موقفه من حصار غزّة ومن السياسات الاسرائيلية والأمريكية في المنطقة ومن بعض الملفات والمسائل الأخرى.. وفي ما يلي هذا الحديث: ٭ حوار: النوري الصّل ٭ بداية، كيف توصّف دكتور كوهين الحصار الاسرائيلي المفروض على قطاع غزة.. وما هو موقفك مما يحدث هناك من انتهاكات وجرائم.. أين القانون الدولي من هذه المأساة؟ أنت تسألني هنا عن واحدة من أكبر وأفظع الجرائم في العصر الحديث.. حقيقة ما يجري هناك في غزة.. هذا السجن الكبير، ليس مجرّد حصار فقط بل هو مأساة انسانية وكارثة وجريمة غير انسانية وغير أخلاقية.. ما يحدث في غزة أمر لا يمكن أن يقبله عقل ولا منطق ونحن اليوم في القرن الحادي والعشرين.. نعم الوضع هناك يفوق الوصف.. إنه «هولوكوست» جديد.. فأي قانون يجيز قهر شعب أعزل وحرمانه من أبسط مقومات الحياة.. وأي دين يبيح لاسرائيل فرض سياسة العقاب الجماعي ضد مليون ونصف مليون مواطن هناك ومنعهم من الحياة.. .. أنا من واجبي كمواطن يهودي أوّلا أن أرفع صوتي ضدّ هذه الدولة المارقة والمجرمة لأنها تقتل وتحاصر لفلسطينيين باسمي وباسم أبنائي وبحجة أنها تدافع عن اليهود.. وبالتالي أنا كيهودي لا أتردّد ولن أتردّد مطلقا في مواجهة هذه الدولة العدوانية والضغط عليها ومقاومتها بكل الوسائل.. لأن هذه الدولة وعلى مدى أكثر من 60 عاما ارتكبت مجازر مروّعة بحق الشعب الفلسطيني باسم آبائي وباسم أبنائي.. إنها مسؤولية خاصة.. فأنا ملزم بأن أقول إن هذه الدولة لا تمثلنا بل انها تنفذ سياسات معادية لنا كيهود في المقام الأول. ٭ أكدتم على سعيكم إلى تحريك كل الوسائل من أجل الضغط على إسرائيل.. هل لنا أن نعرف ما هي الوسائل التي تعتمدونها في هذا الاتجاه.. وما هي طبيعة التحركات التي تقومون بها من أجل محاصرة إسرائيل قانونيا؟ أنا أشارك من حين إلى آخر في مؤتمرات عربية ودولية مناصرة للمقاومة الفلسطينية واللبنانية وذلك من أجل أن آعبّر عن موقفي المناهض للسياسات الاسرائيلية.. كما لديّ عدّة نشاطات هنا في نيويورك من أجل فضح هذه الدولة وفضح جرائمها بحق الشعب الفلسطيني وأعمل مع عدد كبير من الأصدقاء والزملاء على هذا المسار.. كما أننا بدأنا منذ عام التحرّك على الصعيد القانوني لمقاضاة قادة إسرائيل وننوي أن نقدّم دعاوى قضائية في الولاياتالمتحدة وأستراليا وبريطانيا وبلجيكا وسنظل نقاتل من أجل جلب مجرمي اسرائيل إلى العدالة.. ٭ وهل ترون أن جهودكم هذه يمكن أن تثمر فعلا في ضوء الدعم الهائل الذي تحظى به إسرائيل من الحركة الصهيونية في الغرب؟ نعم، أعترف بأن مهمتنا هذه صعبة ولكن المسألة هي مسألة قانون دولي والقانون الدولي يحمّل المجرمين المسؤولية.. المجتمع الدولي أيضا يتحمل المسؤولية وسمح لإسرائيل بأن ترتكب الجرائم ضد الشعب الفلسطيني دون أن تدفع الثمن.. ولكن أقول إن إسرائيل ستدفع هذا الثمن عاجلا أم آجلا.. ونحن لن نهدأ ولن نسكت عن الجرائم التي يقترفها المجرمون ضدّ الشعب الفلسطيني ويجب أن ندفع العالم بكل السبل إلى التحرّك من أجل محاسبة إسرائيل على جرائمها وعلى رفضها للسلام.. والذين يفكرون مثلي يزداد عددهم يوما بعد يوم.. وأعتقد أيضا أن العالم بدأ يتحرك وبدأ يدرك أن الرواية التي تروجها اسرائيل بأنها دولة ضحية ومحاطة بالأعداء فقد بدأت تنهار وبدأ الحق يظهر.. ولعلّ حملة السفن المتطوعة لكسر حصار غزة تشكل أبلغ دليل على ما أقوله وتؤكد أن إسرائيل أصبحت أكثر يأسا وأكثر ضعفا وتراجعا.. نعم لقد سقط القناع.. ٭ في هذه الحالة.. كيف تنظرون إلى انتفاضة السفن الأخيرة لفك الحصار عن غزة.. وهل هناك ما يبرّر هذه الوحشية الاسرائيلية في التعاطي مع هذه الحملة؟ أنا أؤيد هذه الحملة بما أن هدفها إنساني بحت.. وبما أن الغرض منها إرسال مساعدات إنسانية إلى غزة ومحاولة كسر الحصار المفروض على هذا القطاع منذ أكثر من ثلاث سنوات.. أريد أن أشير هنا إلى مجزرة أسطول الحرية لأقول إن ما أتته إسرائيل ضد «مرمرة» هو فضيحة وجريمة وقرصنة غير مسبوقة.. إسرائيل ظنت أنها باستعراض عضلاتها على السفينة التركية التي كانت محمّلة بنشطاء مدنيين في طريقهم إلى غزّة ستقضي على هذه «الظاهرة» لكنها أكدت بذلك مرة أخرى غباءها وأيضا وحشيتها وعنصريتها. ٭ بعد مرور عام على الخطاب الشهير الذي ألقاه أوباما في القاهرة.. إلى أيّ مدى ترون أنه نجح في الايفاء بالوعود التي أطلقها للمسلمين؟ بالتأكيد أوباما فشل على طول الخط في ترجمة وعوده للمسلمين،، والمثال الجيد على ما أقول هو كارثة غزّة.. فهل تغيّر الوضع في غزّة بعد مجيء أوباما.. بالتأكيد لا.. وهل تغيّر الوضع في القدس.. هل انتهى التهويد والاستيطان.. هل أزيلت الحواجز العسكرية في الضفة الغربية.. هل انتهت معاناة الناس هناك.. بالتأكيد لا.. هل تغير الوضع في العراق.. هل انسحبت القوات الأمريكية من هذا البلد.. هل تحقّق الاستقرار في أفغانستان.. وهل انتهت أزمة ملف البرنامج النووي الايراني.. بالتأكيد لا.. أين هي إذن وعود أوباما؟ إنها كانت كذبة كبيرة.. بل إنني أستطيع أن أقول إن أوباما متورط في قتل السلام في الشرق الأوسط مع يقيني بأنه لا يعرف أصلا أين يقع الشرق الأوسط.. إنه ببساطة رجل حرب ساذج وغبي.. ومحكوم بمجموعة من الخرافات والأكاذيب.. وهو يستخدم خطابا جيدا ومعسولا ولكنه على الأرض لم يغير شيئا.. وبالتالي إلى حدّ الآن لم أر فرقا بين بوش وأوباما.. بوش قاد حربي العراق وأفغانستان وأوباما يواصل السياسة نفسها ولم يغيّر سوى الخطاب.. السياسة الأمريكية لم تتغير.. لأن أوباما أحاط نفسه بأناس متصهينين وهم من يوجهون السياسة الأمريكية. ٭ لكن واشنطن تقول بأن سياستها هذه ستفضي إلى تحقيق تسوية في المنطقة بعد أن انخرطت في حلقة جديدة من مسلسل المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي.. كيف تحللون الموقف؟ أنا في الحقيقة لا أرى حلاّ وشيكا للصراع فالشرق الأوسط معقّد وهناك اليوم مشاكل وصعوبات كبيرة.. وأوباما لا يملك عصا سحرية لحلها ولا أعتقد أنه قادر على فعل أي شيء في سبيل تحريك عملية السلام.. هو لا يقدر على القيام بما هو أكثر من دعم محمود عباس بالمال والكلام والوعود الفارغة والجوفاء.. أما بالنسبة إلى حكومة نتنياهو ليبرمان فإن أوباما قادر على القيام بكل شيء إلا الضغط على هذه الحكومة وإجبارها على الانصياع لقرارات الشرعية الدولية.. فهو يزوّدها بالضمانات وبالمال وبالسلاح.. إننا نتحدث هنا عن انحياز أمريكي واضح للجانب الاسرائيلي.. وبالتالي أي سلام هذا الذي نتحدّث عنه.. وأي سلام هذا الذي يمكن أن يتحقّق تحت إدارة أوباما.. والوضع بهذه الصورة. ٭ تتواتر المؤشرات منذ فترة، على احتمال توجيه ضربة لإيران.. فهل تعتقدون أن واشنطن يمكن أن تدفع فعلا بالأمر في اتجاه مثل هذا السيناريو وهي التي تواجه مأزقا قاتلا في العراق وأفغانستان؟ لقد قلت منذ قليل إن أوباما غبيّ وساذج.. وبالتالي يمكن أن نتوقع منه أي شيء.. لكن إذا ما حدث مثل هذا الأمر فعلا.. فساعتها سنكون إز اء كارثة قد تطال الشرق الأوسط والعالم بأسره لأنني لا أتصور أن إيران ستبقى مكتوفة الأيدي إذا ما تعرّضت لضربة أمريكية وإسرائيلية بل إنني أتوقّع أن يكون ردّها عنيفا ومدمّرا كما يهدّد بذلك قادتها.