عبد السلام تريمش أصيل المنستير أشعل جسده شمعة سارع باعة الوطن إلى إطفائها قبل أن تنير السبيل ورموه بأبشع النعوت لإخماد ثورة الروح... محمد البوزيدي... ألهب الروح قبل الجسد فانطلقت شرارة الثورة من ربوع سيدي بوزيد في غفلة من «رجال إطفاء» رغبة الشعوب في الحرية والكرامة... أسماء حفظها التاريخ... ولكن كم من شهدائنا الأبرار وئدوا قبل أن يفوح خبر استشهادهم.. وقبل أن تصل صرختهم الأخيرة إلى قلوب أبناء شعبهم المقهور. التعتيم جعلنا نعتقد غلطا أن ثورة الشعب التونسي الأبي عمرها شهر وبضعة أيام والحقيقة أن ثورتنا انطلقت منذ أن أحس شعبنا بخيانة القادة، وتملق المسؤولين وارتماء فيالق المتمعشين في أحضان سلطة غاشمة... اليوم نفتح ملف النضال في كل شبر من ربوع الخضراء، اليوم نعيد الروح إلى شهدائنا لنقول كلمة حق أجبرنا على كتمانها لسنوات عديدة، اليوم نطلق القلم ليعيد لنا البعض من كرامة أهدرت، والبعض من شرف مستحق. نعود اليوم إلى مدينة الساحلين المناضلة وتحديدا إلى نهج الحبيب ثامر يوم 11 ماي 2005 حيث انطلقت صرخة مواطن قتله القهر والظلم والاستبداد والتعسف، يومها أسلم الشهيد نجيب بن محمد بن عبد السلام شهر «الأزرق» الروح إلى باريها... يومها لم يجد رب العائلة والعائل الوحيد لها من مفر من القهر سوى إطلاق رصاصة من بندقية صيد في قلبه ليريحه من أثقال القهر والجبروت. كان المرحوم صاحب سيارة أجرة، وكان معروفا بدماثة الأخلاق وحسن المعشر ولا غرابة في ذلك فهو ينتمي إلى عائلة عريقة أصيلة وكان رحمه ا& متطوعا لإقامة الأذان وإمامة الصلاة في المسجد القريب من بيته. ومن هنا بدأت معاناته حيث شدد عليه معتمد المنطقة عبد الوهاب المسعودي وعمدتها الشيخ يوسف بأن لا يتأخر في الوشاية بالشباب الذي يؤم المسجد في صلاة الصبح ويواظب عليها وطلبا منه تقديم تقارير حول ما يدور بينهم من حديث فرفض أن يكون عينا للسلطة وتمسك بموقفه رغم كل الضغوطات وقدم استقالته من مهمته تاركا مكانه لمن له باع في الخيانات والوشاية... كان المرحوم يعتقد أن الأمر توقف عند ذلك الحد ولكنه نسي أن شياطين الإنس لا ترمي المنديل وأن نارهم الحارقة تخمد حينا لتشتعل من جديد... في يوم 7 ماي دعاه معتمد المنطقة عبد الوهاب المسعودي وأفتح قوسا لأشير إلى أن هذا المسؤول ألقي عليه القبض أخيرا من طرف لجان حماية مدينة المنستير متلبسا بسرقة مقر معتمدية المنستير لحواسيب وهواتف وأثاث... كان فارا بها على متن سيارة «بارتنار»... إذن دعاه، هذا المعتمد المختص في خطب «الشفافية ونظافة اليد»، إلى أن يضع سيارة التاكسي على ذمة المعتمدية يوم انتخاب المجلس البلدي 8 ماي 2005 وذلك جريا على عادات السلط الحزبية والإدارية في المناسبات الحزبية و«الوطنية» في تسخير أصحاب السيارات والمحلات والفضاءات الخاصة وغيرها بالترغيب والترهيب. لم يستجب المواطن النظيف لأوامر المسؤول وأعلمه بأنه ملتزم بعمله وعائلته ولا علاقة له بالسياسة ولا بغيرها من الأنشطة، وحصل ما لم يكن ينتظره الرجل إذ حضر أمام بيته يوم 11 ماي 2005 عونا أمن ليسحبا منه رخصة التاكسي... كان هذا الإجراء بمثابة الكارثة... أدخل سيارته المستودع ودخل بيته... وقف وسط أهله... ودع الجميع بنظرة صامتة... ودخل غرفة نومه مستنجدا ببندقية صيد على ملك أبيه المرحوم محمد بن عبد السلام أشهر صيادي الساحل وأمهرهم... أخذ البندقية ووجهها إلى قلبه... ذلك القلب المثقل بالقهر والظلم... قلب أخرج آخر آهات الظلم مع دخول الرصاصة... لم يكتف القتلة بقتله، بل مثلوا بذكراه، نعتوه بالجنون والخبل، شوهوا سمعته وبرّؤوا الجاني الحقيقي... رمز سلطة القهر والاستبداد... لقبوا الضحية بالمنتحر المجنون والجاني ب«المعتمد الفاضل»... ولكن عجلة التاريخ لا تتوقف والتاريخ لا يرحم... اليوم نعلم أن المرحوم نجيب بن محمد بن عبد السلام كان شهيدا و«المعتمد الفاضل» يقبض عليه كمجرم وسارق خسيس... سرق المواطن في كرامته وعزته وسرق الوطن في أحلك فترات تاريخه... أهل الضحية لا يطلبون تعويضا... ولا استعطافا... إنهم يطلبون رد اعتبار إلى شهيد لم يبكه أحد...