تتلاشى أتعاب الحياة وتعود إليك روح الشباب وتتفجر ينابيع الحب في نفسك وذكريات الحب في قلبك ...عندما تسمع صوت ناظم الغزالي يغني "عيرتني بالشيب وهو وقار...ليتها عيرت بما هو عار" ! وناظم الغزالي كان "صوت العراق العاطفي" الذي توافق حوله كل العراقين ! ولقد عاش هذا الفنان الكبير وفيا لوطنه ...ولزوجته حبيبة عمره ...ولعلك "عزيزي القارئ" تريد أن تعرف قصة ناظم الغزالي مع الحب؟...هل قلت نعم؟ أحب الفنان ناظم الغزالي الفنانة العراقية الراحلة من أصل يهودي سليمة مراد، التي تحمل لقب «سليمة باشا»، وتحظي بحضور قوي في ذاكرة الفن العراقي. ولقد شهدت الفترة الممتدة بين عام 1948 حتى عام ،1952 أحداثاً سياسية واجتماعية كانت المطربة سليمة تقود محوراً مهماً في تلك الأحداث، وهو إصرارها على البقاء في العراق ورفض مشروع الهجرة منه إلى فلسطين إثر احتلالها من قبل الكيان الإسرائيلي، الذي كان يدفع باليهود الى الاستيطان في فلسطينالمحتلة، كما كان يهود عراقيون متطرفون يروجون إلى ذلك، ولقد هاجر على إثر تلك الحملة المنظمة مجموعة كبيرة من المثقفين والفنانين والتجار العراقيين اليهود، وقد انعكس تأثير هذه الهجرة في الأحداث الاجتماعية في بغداد آنذاك، وتداخل مع الحضور الاجتماعي والفني للفنانة سليمة، إذ تكاتفت مجموعة من المجتمع من تجار ومثقفين وفنانين مع الفنانة، ما أسهم في بقائها في العراق، على الرغم من كل ما تعرضت له من خسائر مالية، إذ أنها كانت تشعر بأن الفن هو انتماء للوطن ثم العالم، ووطنها هو العراق بغض النظر عن ديانتها. حب غامر وكانت سليمة تصطحب الغزالي لإحياء حفلات غنائية مشتركة، وقد مهّدت هذه اللقاءات الفنية إلى زواجهما عام 1953 وعزز زواجهما سبل الحفاظ على «المقام العراقي» والمشاركة في إحياء حفلات في بغداد ودول عربية عدة. ورغم المعوقات الاجتماعية، إذ كان الغزالي شاباً فقيراً ومسلماً، وهي فنانة ثرية ويهودية، علاوة على فارق العمر بينهما، إلا أن قصة حبهما شكلت علامة في سيرتها، إلى أن غيب الموت ناظم الغزالي عام 1963 إثر إصابته بنوبة قلبية. وآثرت سليمة، بعد وفاة زوجها، أن تعيش منزوية في دارها، بعدما كان الغزالي بالنسبة لها عاشقاً وصديقاً وزوجاً، علمته النغم والمقام العراقي، وعلمها الصبر والحب والثقة بالنفس. وبقيت سليمة تعيش ذكريات تلك السنين، إلى أن وافتها المنية عام 1970 في أحد مستشفيات بغداد، ودفنت إلى جوار ناظم الغزالي. ليلة وفاة ناظم الغزالي كتب كمال لطيف سالم وهو اديب وكاتب عراقي عن ليلة وفاة ناظم الغزالي يقول : كان المرحوم ناظم الغزالي يحلق ذقنه، فطلب شيئاً من الماء، وحين جيء به إليه سقط على الأرض فأستدعي له أول الأمر الدكتور (البير حكيم) الذي فحصه وأوصى بالاتصال بالدكتور شوكت الدهان ليقوم بسحب مخطط لقلبه، والى هنا كان الفنان ناظم الغزالي حياً، ويقول الأستاذ محمد القبانجي عن موت الغزالي: - لقد أخبرني صديق في مساء يوم الاثنين 23 أكتوبر 1963 وصل ناظم الغزالي الى بغداد فاتصلت تلفونياً بداره فأجابني من في الدار وطلبت ناظم فأخبروني بأنه ليس على ما يرام فألححت بطلبه على التليفون، وذهبوا واخبروه برغبتي في مكالمته، وجاءني الجواب بأنه في وضع لا يستطيع معه التحرك والحضور الى التلفون، كما اخبروني بان الدكتور البير حكيم قد استدعي لفحصه،وانتهت المكالمة التلفونية. وبعد أكثر من نصف ساعة تلقيت نداء تلفونيا من أحد الأصدقاء يقول فيه: ان الموت طوى حياة ناظم الغزالي.. لم أصدق!! تناولت سماعة التلفون بسرعة وأجريت مكالمة مع بيت المرحوم الغزالي فقيل لي انه فارق الحياة، لم أصدق النبأ فذهبت الى الدكتور توفيق عبد الجبار واصطحبته معي الى دار المحروم الغزالي فأجرى الفحص عليه فأكد لي انه ميت، ثم جاء الدكتور خالد ناجي وأجرى الفحص عليه فأكد بدوره الوفاة. ويضيف الأستاذ القبانجي الذي علم الغزالي المقامات العراقية: - ان الغزالي كان يرتدي دشداشة وكان يبدو لي مبتسماً، بعد ذلك تم نقل جثة المرحوم ناظم الغزالي الى معهد الطب العدلي بناء على مشورة بعض الأصدقاء، وبقيت الجثة حتى اليوم الثاني. وقد أجرى الدكتور عبد الصاحب علش أحد أطباء معهد الطب العدلي عملية تشريح الجثة وقال: ان عملية التشريح لجثة الفنان ناظم الغزالي استغرقت نحو الساعة ولا استطيع التحدث بشيء الآن حتى تتم معرفة نتائج الفحوص التي يجريها المعهد لمعرفة أسباب الوفاة. وقال الدكتور علش أيضاً: إنه سيتم تسليم الجثة لأهله صباح هذا اليوم الثلاثاء. وفي الساعة السابعة من صباح يوم الثلاثاء24 أكتوبر 1963 ذهب لفيف من أصدقاء الفقيد الى مقر مديرية الطب العدلي حيث نقلوا جثمانه الى داره عن طريق قناة الجيش فشارع فلسطين، فشارع مستشفى دار السلام ثم داره حيث وضع هناك وسط الدموع والتوجع وبدأت وفود المعزين تتوالى على دار الفقيد. وبدأت ارتال السيارات في الشارع الكبير الذي يقع فيه دار الفقيد، والشوارع الكثيرة المحيطة حيث ازدحمت بها على سعتها، وعند الساعة العاشرة تماماً وضع الجثمان على سيارة مكشوفة يحيط بها عدد من الفنانين في مقدمتهم المرحوم علاء كامل وخزعل مهدي ومحمود القطان ومحمد كريم، ومضى الموكب الطويل من دار الفقيد الى مثواه الأخير عن طريق ساحة الأندلس فالسعدون فساحة الطيران فجسر الجمهورية فجانب الكرخ فدار الإذاعة فساحة مطار بغداد ثم مقبرة الشيخ معروف وسط موكب كبير من المواطنين الذين أفجعتهم المصيبة بفقده على هذه الصورة، وبعد ان صلّ على جثمانه وري التراب وسط الدموع والبكاء من ألوف المشيعين. زوجته تروي اللحظات الأخيرة اشتهرت سليمة بعدد كبير من الأغنيات الناجحة من اهمها: (ظل بعنادك اوهام، وخلاني الهوى، لطيف واسمر، ولوجانا الهوى) وغيرها من الغاني التي سجلتها آنذاك.. كما عرفت بلقت (سليمة باشا) وظلت تحمل هذا اللقب الى أن اصدرت المحكة العراقية قانوناً بإلغاء الرتب العثمانية، فصارت في ما بعد تدعى سليمة مراد، وهي من اب عراقي وام عراقية يهودية، وكانت المغنية الأولى لملك العراق الذي منحها لقب (باشا) كما يشاع عنها أن غيرتها الشديدة كانت السبب في وفاة ناظم الغزالي بعد عودته مباشرة من بيروت.. وقد ذكر أحد المعاصرين لسليمة وناظم انها قالت : (عدت من بيروت في الساعة الثانية عشر ظهراً وتوجهت الى البيت فشاهدت مجموعة من الناس أمام الباب، وعندما حاولت ان استفهم عن سبب وجودهم لم يخبروني لم يخبروني بشيء، في ما كانت عيونهم تنبئ بوقوع كارثة، فدخلت البيت اركض وفاجأتني احدى الصديقات بالحقيقة التي هي وفاة ناظم، بعدها تهالكت ودخلت البيت وانا في غيبوبة لم افق منها الا والمكان مكتظ بالمعزين). ومنذ وفاة ناظم اصيبت سليمة بانتكاسة واعتزلت الغناء وعاشت حتى تجاوزت ال(70) من عمرها. ! ويلاحظ من سنها بان سليمة مراد كانت تكبر ناظم ب(20) سنة لكنه احبها وعشقها وظل يشاركها حفلاتها الغنائية سنوات طويلة، ولشدة حبها له توقفت عن الغناء بعد وفاته حتى لحقت به بعد سبع سنوات !