إلاّ أنّ أهمّ حدث في موضوع تمازج عناصر الشعب التونسي يتمثّل في الهجرة الأندلسيّة الأخيرة لسنة 1609 م، وهي الأعظم بالمقارنة مع الهجرات السابقة، فضلا عن العلاقات الدّائمة بين إفريقيّة والأندلس، خاصة في العهد الحفصي، والمتسبّبة في انتقال العائلات الميسورة إلى بلادنا. ولئن كانت الهجرات الأولى للعلماء والشعراء ممّن استقطبهم البلاط الحفصي فإنّ الهجرة الأخيرة كانت هجرة ضعفاء ماديّا وثقافيا لأنّها كانت هجرة حرفيين ومزارعين. كانت لهم خبرة، خاصة في صناعتي الشاشية والحرير وفي الفلاحة السقويّة. كما كانت لهم مشاركة في القرصنة وفي الصناعة الحربيّة بالنسبة إلى البعض. وبالجملة فقد كان إسهامهم واضحا في مختلف مظاهر العمران المعماريّة والاجتماعية والاقتصادية على ما نوّه به ابن أبي دينار ومن اهتمّ بموضوعهم. ونتيجة للاحتلال التركي دخلت مع الجيش المعروف بالإنكشارية أجناس أوروبيّة وآسيوية من مختلف الولايات التابعة للخلافة العثمانية خاصة من أوروبا الشرقيّة وآسيا الصغرى. وقد استقرّ هؤلاء في البلاد وتزّوجواهم بتونسيّات، وأصبح يطلق على أبنائهم اسم «كورغلي». وكان منهم علي التركي الذي كلّف بإمرة حامية الكاف. فقد أنجب هناك حسينا الذي أصبح مؤسس الدولة الحسينية سنة 1705م. استقر هؤلاء خاصة في المدن الساحلية كالمهدية والمنستير وبنزرت وغار الملح، وحافظوا على المذهب الحنفي معتقد الدّايات والبايات، ومهروا خاصة في بناء السفن وصنع الأسلحة والقرصنة، فكانوا عاملا لحضور الأسرى من إسبانيا وإيطاليا وفرنسا ولتكوين عائلات حافظت ألقابها على بلدانها الأصلية بعد اعتناق الإسلام والانتعاش بالحرّية خلال النصف الأوّل من ق19م. ولابدّ من التفريق بين تلك الألقاب وبين ألقاب الموريسكيين المهجّرين من إسبانيا المسترجعة في بداية ق 17 م حسب ما أشرنا إليه. يضاف إلى أولئك المماليك الذين تمّ اشتراؤهم في سوق الرقيق بإسطنبول وجلبهم إلى قصور الدايات والبايات والوزراء في تونس لإعدادهم لأعلى المناصب. فقد كان منهم الوزيران الأكبران مصطفى خزندار وخير الدين باشا. وبتوقّف القرصنة وتحرير العبيد وانقطاع جلب المماليك تحدّدت ملامح الشعب التونسي في عناصره المكوّنة له من قبل. وإن قدم إلى تونس عدد من يهود القرنة أغلبهم من مدينة ليفورن (Livourne) ومن المعمّرين الفرنسيين بتشجيع السلطة الاستعمارية لهم على استغلال الأراضي الفلاحيّة فإنّ عددهم تقلّص بعد الاستقلال خاصة بعد تاريخ الجلاء الزراعي في 1251961 بالنسبة إلى الفرنسيين وبعد اندلاع الحرب العربية الإسرائيلية في أوائل جوان 1967 بالنسبة إلى اليهود. وازداد تقلّص عدد أولئك وهؤلاء بتوقّف التعاون الفنّي في قطاعي التعليم والصحة نتيجة الاكتفاء الذاتي وبالهجرة إلى فرنسا وإلى إسرائيل لأعمار الأراضي المحتلّة بتشجيع رسمي. وقد أشار ح.ح. عبد الوهاب إلى أنّ الاندماج التدريجي بين العناصر البشريّة الوافدة وبين سكّان البلاد الأصليين لم يحجب بعض العادات المذكّرة بالأصل كوشم الصليب على الجبين أو الذقن أو الخدّ لتمييز المتنصّرين من البربر عن المحافظين على وثنيّتهم سابقا. وكذلك أيضا نقش الصليب بالمسامير على الأبواب على عادة الإسبان في تمييز منازلهم عن المسلمين. وكذلك أيضا صنع صليب بقصبة وقائمة منسج أو نول يطوف به الصبيان استسقاء. هذا إلى جانب أمثلة عديدة كالمالوف أو الموسيقى الأندلسية والسطنبالي أو موسيقى عبيد السودان غير أنّه بتأثير التطور تلاشت العادات القديمة فلم يبق إلاّ بعض الأدلّة على اختلاف الأصول العرقيّة كالمعالم والشعائر الدينيّة وخاصة ألقاب العائلات. من ذلك بالنسبة إلى البربر: الولهازي واللّواتي والنفزي والوشتاتي والهنتاتي ويغلان والمصمودي والونيفي والورفلّي والتوكابري والشوّاشي والمزوغي والمزغني أي الأمازيغي. وبالنسبة إلى العرب : التميمي والبكري والقضاعي والفهري والخميري والهذيلي والدبّابي والأنصاري. وبالنسبة إلى الصقليين : الصقلي والمازري. وبالنسبة إلى أعراب بني هلال: الهلالي والرياحي والسليمي. وبالنسبة إلى الأندلسيين : الإشبيلي والقرطبي والمالقي والألكانتي والخرّاز والوادي آشي والغرناطي والحجري والمريشكو وماركو ومركيكو ورمتانة وصاي ودرمول وزبيس وبنطور وبوتريكو واليعكوري وماضور وكطلان. وبالنسبة إلى الأتراك والمماليك : التركي والإسطنبولي وابن عثمان أو ابن عصمان والدولاتلي وباش شاوش وبوشناق وكاهية وخوجة والحنّافي وقارة وبرناز. وبالنسبة إلى الجزائريين : الدزيري والعنّابي والبجاوي والتبّاسي والقسنطيني. وبالنسبة إلى المغاربية : المغربي وابن عاشور. وبالنسبة إلى اليهود : براهمي وحجّاج وحيّون وسماجة وشوّاط وفيتوسي وميموني ومسيكة والعلاّلي. ..إلخ. (*) (*) نشر مترجما إلى البرتغالية بعناية يعقوب تياقو بن ستيل في مجلة « شراجيب «، ع 4 / 2004، ص 167 – 185 مع مراجع مضافة ؛ وفي : الموسوعة التونسية، ط 2003، 2 / 147 – 152 ؛ ط 2013، ج 2 /213 – 218 بسقوط المراجع ! ابن الخوجة : صفحات من تاريخ تونس، ص 221 – 227 ( عناصر الشعب التونسي وامتزاجها ) ؛ الحمروني (أ.) : الموريسكيون الاندلسيون في تونس. .. ؛ حمريت ( علي) : عناصر الشعب التونسي منذ نشأة القيروان إلى زحفة بني هلال ( 50 – 440 ه / 670 – 1048 م ). – في : المجلة الصادقية، ع 60، جوان 2013، ص 16 – 30 ؛عبد الوهاب (ح.ح.): ورقات...، ج 3، 1972، ص 241 – 278 ( عناصر الشعب التونسي وامتزاجها) ؛ العرباوي (محمد المختار) : البربر عرب قدامى. – الرباط 1993 ؛ المرزوقي (محمد) : على هامش السيرة الهلالية. – سراس للنشر، تونس 2002، ص 63 – 76 ( منازل الهلاليين في الشمال الإفريقي). (يتبع)