شهدت العاصمة ظهر أمس مسيرة سيّرها الاتحاد العام التونسي للشغل بمشاركة عديد الفعاليات السياسية ومنظمات المجتمع المدني. المسيرة جرت تحت عنوان بارز اختزل في «تحقيق أهداف الثورة وضمان استقلال القضاء». هذه المسيرة كانت مؤطرة ومنظمة وجرت بشكل حضاري راق ساهم في ايصال الرسائل اللازمة الى أهل الذكر وقطع بشكل رشيق مع ما كانت تشهده المسيرات الشعبية من تجاوزات من بعض الأطراف والأفراد كانت غالبا ما تنحرف بهذا الشكل التعبيري عن أهدافه وتفقده جدواه... هذا من حيث الشكل. أما من حيث المضامين فإن أهم الشعارات المرفوعة اختزلت فعلا مخاوف وهواجس تسكن الطبقة السياسية وأعداد هامة من التونسيين الذين يريدون أن يفهموا: إلى أين تتجه الأمور فعليا؟ وماهي السبيل الموصلة الى برّ الأمان؟ وكيف السبيل إلى تحقيق أهداف الثورة مع الحفاظ على استقرار وأمن البلاد وقطع الطريق على كل المخاطر والمنزلقات التي تطل برأسها بين فترة وأخرى... والواقع أن تحقيق أهداف الثورة واستقلالية القضاء مسألتان مرتبطان عضويا... ذلك أن أهداف الثورة تقتضي وفاقا وطنيا حولها.. والوفاق الوطني يقتضي مصالحة وطنية والمصالحة تقتضي محاسبة من أجرم في حق الشعب والمحاسبة تستوجب قضاء مستقلا ليكون عادلا وناجزا ودقيقا حتى لا تتحول المسألة الى حملة تشف وإقصاء. ويبدو أننا لم نفلح بعد في التوفيق بين كل أطراف هذه المعادلة وهو ما يبقي بذور الشك والريبة قائمة بيننا... بل ويزيد في تغذيتها مع ما يتبع ذلك من توتير للأوضاع ومن تسمم للأجواء... ذلك أن النخب السياسية والناشطين وأهل الاختصاص وخلافا لكل التجارب التي شهدت ثورات لم يهتدوا الى وضع خارطة طريق تحدّد الأهداف وتضع السبل الموصلة إليها بشكل يفضي الى محاسبة من أجرم وأفسد وهم أقلية وإلى إعادة ادماج البقية وهم الأكثرية في بناء تونسالجديدة بعيدا عن الأحقاد والضغائن وما يتبعهما من اقصاء. والأكيد أن خارطة الطريق هذه تحتاج سقفا للمساءلة وتحتاج سقفا زمنيا حتى تنطلق تونس مجدّدا بالاعتماد على طاقات كل أبنائها لانجاح المحطات السياسية الكبرى وإنجاز التحول الديمقراطي بعيدا عن أية هزّات وبعيدا أيضا عن أجواء التشنج والتوتر والاتهامات المتبادلة في ظل انعدام الثقة وانتشار دخان الريبة وما يخلفه هذا وذاك من دعوات للاقصاء. فهذه الثورة قامت من جملة ما قامت من أجله لمقاومة الاقصاء... فكيف يعمد البعض باسمها إلى تكريس التهميش والاقصاء؟