بكل تأكيد، فإن تونس التي نريد، تونس التي تتسع لكل أبنائها وتستوعب في حبّها والاخلاص لها كل الأفكار والرؤى والتوجهات، لا تبنى بالاقصاء وبالتهميش ولا بالاجتثاث والضغائن.. تونس التي نريد ويريد كل التونسيين في كل ربوع الوطن تبنى بالوفاق والتوافق وبقدر من المحبّة والتضحية... تونس المعاصرة والجديدة تبنى بالمصالحة الوطنية الشاملة التي تنزع فتائل كل الاحقاد والضغائن وتنقي النفوس والقلوب والعقول من كل نوازع التشفي والانتقام. نعم تونس التي نريد تدعونا إلى أن ننظر ونتطلع جميعا الى الأمام... الى الغد والى المستقبل المشرق في اطار من المصارحة وحتى المحاسبة لمن أذنب وأجرم في حق الشعب والبلد بشكل يفضي الى ارساء الثقة المطلوبة التي يمكن ان تشكل أسسا صلبة لبنيان حديث ومتطور أصله ثابت وامتداده في السماء. بنيان يفعّل كل الطاقات ويعبئ كل الجهود لصياغة وطن يتسع لجميع أبنائه... ويتخذ من تنوع برامجهم وتعدد آرائهم وأفكارهم ومناهجهم سبلا للإثراء وللإضافة ولتدعيم أركان الوطن. لقد جرّبت أمم سبقتنا في الثورة الاقصاء والاجتثاث وجرّبت أمم أخرى المصارحة ومحاسبة المذنبين (الذين يثبت القضاء تورطهم) والمصالحة على هذه الأسس.. ونحن نرى اليوم أين وصلت تجارب من اختاروا نهج المصالحة الوطنية (مع استبعاد المجرمين) وكيف قطعت أشواطا على درب ارساء ديمقراطية تقوم على التعددية وعلى ضمان الحريات.. ونرى أيضا كيف تراوح مكانها التجارب التي اندفعت في نهج الاجتثاث والتخوين. من هنا، فإن العقل والمنطق يقتضيان ان نتسلح بقدر من الحكمة يجعلنا نفصل بين من أذنب وأجرم في حق الشعب ووجبت مساءلته قضائيا بصفة عادلة وشفافة وبين من دفعت به الظروف إلى تحمل مسؤولية ما لكنه لم يذنب ولم يخطئ في حق أحد... إن قراءة هذه المعادلة قراءة جيدة تبقى وحدها الكفيلة بتحقيق مصالحة وطنية تحصّن البنيان وتصون المسيرة من كل الانحرافات او المنزلقات.