رغم المخاض الصعب الذي استمر شهورا طويلة ورغم طول الجدل والنقاشات والتجاذبات فإن التحوير الوزاري غاب... ليطرح المزيد من الاسئلة الحائرة حول مستقبل الملفات الساخنة التي تنتظر الحكومة والنخب السياسية والشعب. وهي ملفات في حجم وثقل انجاز الانتقال الديمقراطي واستكمال هذا المسار الذي يفترض أن يفضي في تواريخ واضحة ومعلومة الى تنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية... بما يعنيه ذلك من ضرورة انشاء الهيئات الثلاث للانتخابات والقضاء والاعلام... هذا علاوة على ملفات البطالة وتنمية المناطق المحرومة ومكافحة ارتفاع الاسعار... وغيرها من الملفات التي لم تعد تحتمل التأجيل...
لأجل هذا فإن فشل المفاوضات والمشاورات لانجاز تحوير وزاري وتصعيد فريق يتولى المهمة الصعبة في ما تبقى من المرحلة الانتقالية يشكل رجّة لنا جميعا... ويفترض أن يستنفر الجميع حكومة ومعارضة في سبيل ايجاد مخرج من هذا المأزق الذي يهدّد بوقف المسار المتعثر بطبعه... وحتى اعلان رئيس الحكومة برمي الكرة في ملعب التأسيسي أو بتفعيل الحوار الوطني لن يجدي نفعا لأن هذا المسعى وذاك سوف يسقط في نفس المحاذير والتجاذبات والصراعات والخلافات التي اصطدمت بها مشاورات التحوير الوزاري والتي حكمت باستهلاك كل ذاك الوقت والجهد لتفضي الىحصاد هزيل لا يكاد يذكر... وسوف يكون بلا أثر بالتأكيد لعدم انخراط الاحزاب والكتل الكبرى فيه... ولعدم توفيره أجوبة واضحة ومقنعة عن أسئلة الحيرة الكبيرة التي تؤرّق كل التونسيين.
وفي الأخير فإن لا شيء يمنع من تكرر نفس التجاذبات ونفس المشهد عند عرض مسألة التحوير على التأسيسي أو عند الاتجاه الى الحوار الوطني... وقد شهدنا كيف تراوح مبادرتا الاتحاد والرئيس المؤقت للحوار الوطني مكانهما...
إن مفاتيح الخروج من هذا المأزق تقع بين يدي رئيس الحكومة وفي أيدي أحزاب الترويكا وأساسا حزب حركة النهضة المدعوة كلها الى الاتجاه صوب بلورة أجندة وطنية واضحة تخص كل الملفات العالقة وفي طليعتها مسألة الانتخابات والهيئات الثلاث ومتى توافقوا على هذه الارضية بالوضوح اللازم وبدون اقصاء فإن المعارضة لن يبقى لها عذر وسوف تلتحق بهذه الارضية بما يمكن من خلق اجواء جديدة ويساعد على ظهور مناخ وطني سليم يؤسس للتوافق على أولويات ما تبقى من المرحلة الانتقالية...