اجتازت بلادنا منذ 14 جانفي 2011 العديد من المحطات والمنعرجات، وهي اليوم في احد اهم المفترقات تستحضر وقع الخيبات السابقة وسلبياتها وتتدارس متطلبات الخروج نحو الأفق الافضل حيث وضوح الرؤية السياسية ومعالجة الملفات العالقة وذات الأولوية وعلى رأسها الأمن وتعزيز مناخات التهدئة والاستقرار وخفض درجات الاحتقان والتوتر وبدء التحضير للمواعيد الانتخابية والسياسية القادمة. ان اللحظة تستدعي اكثر ما تستدعي تغليب صوت العقل والحكمة وتقريب وجهات النظر بين مختلف الفاعلين السياسيين، في الحكم وفي المعارضة، والفاعلين الاجتماعيين والاقتصاديين من اجل وضع خارطة طريق وفاقية واحدة وإعطاء الأولوية لما علق من نقاط خلافية، وهي قليلة، فالذي يوحد ويجمع اليوم اكبر مما يفرق، ذلك ان الأوضاع العامة في البلاد جلية ولا يختلف اثنان حكيمان وعاقلان في تشخيصها والوقوف عند خطورتها وأهمية الحرص على تغييرها بالسرعة والنجاعة المطلوبتين ودون إضاعة المزيد من الوقت، فالجميع في نفس المركب يواجهون نفس الأعاصير والتحديات والرهانات والغرق او الفشل، لا قدر الله، لا يستثني أحدا. على الأطراف السياسية والاجتماعية ومكونات المجتمع المدني ونخب البلاد ومثقفيها واعلامييها ان يقتربوا الى بعضهم البعض وان يضعوا اليد في اليد لما فيه مصلحة الوطن ونجاح الثورة وإيصال مسار الانتقال الديمقراطي الى شاطئ الأمان.
لقد اثبتت الاحداث والمحطات التي عرفتها البلاد طيلة العامين الماضيين ان التجاذبات الايديولوجية ونوايا الاقصاء او الاستئصال واللغة الخشبية الملتوية والشعارات العدائية والرنانة والاحقاد والحسابات الحزبية الضيقة لا يمكن الا ان تعطل مسارات التطوير وتقلل من فرص النجاح ولا تسهم في تغيير اوضاع البلاد، كما برهنت على أن التردد والارتباك والمناورة وحملات التشكيك والاتهامات الجزافية والتوجهات الخاطئة لا يمكنها الا ان تراكم المزيد من الأزمات وان تضاعف من حجم الرهانات والتحديات الماثلة.
ان صوت العقل والحكمة داخل الاحزاب وفي ما بينها ولدى السلطة الحاكمة والمعارضة وسائر قوى المجتمع المدني يبقى هو السبيل الوحيد والأداة المثلى الى إعادة الأوضاع الى مساراتها الصحيحة عبر التخلص من كل عناوين الفشل ومسبباته وتغليب الأولويات الوطنية العاجلة على ما سواها من الاعتبارات الحزبية والفئوية والأيديولوجية الضيقة والمحدودة.