حركة النهضة التي كانت محظورة إبان حكم بن علي. صارت بعد سقوطه بيدها الحل والعقد على الساحة السياسية في تونس. والناشطون في هذه الحركة الذين كانوا يعذبون لسنين طويلة ويسامون سوء العذاب أصبحوا يعتلون أهم المناصب في هياكل الدولة. فالحياة سجال كما قال أبو سفيان ابن حرب في غزوة أحد "يوم نساء ويوم نصرّ" فدوام الحال من المحال وتلك هي الحياة، عسر بين يسرين. فنبي الله يوسف عليه السلام بعد أن قضى سنوات في السجن أصبح بعد ذلك عزيز مصر يحكم "بالشكال والعقال". والديمقراطية التي فرضت على دول العالم لا شك وأنها ستزول يوما ويعود الحكم كما بدأ لله الواحد القهار أي لشرعه الذي فرضه على عباده والذي قال فيه "شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب" كما حذرنا من مغبة اللجوء إلى الاحتكام لغيره فقال : "يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلّون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب" ولأن الكثرة تغلب القلة في معظم الأحيان يتعين على العرب والمسلمين أن يعوا أن مجابهة عدوين تعني الخسارة والهزيمة. فالعراق حين جابه أكثر من دولة نتج عن ذلك هزيمة نكراء منتظرة ومنطقية رغم أن العراق في حرب الخليج صنفت عسكريا رابع قوة في العالم. فعلينا أخذ العبرة من الولاياتالمتحدةالأمريكية فبالرغم من كثرة عتادها وعدتها ورقعتها فهي تمثل شطر القارة الأمريكية إلا أنها ليست متهورة كما الدول العربية والإسلامية. فنجد أن لها بعد نظر فهي تنظر إلى بعيد ولها مخططات بعيدة المدى. أمريكا لا تستطيع أن تعادي دولتين بمفردها فهي تخير بين الأعداء من هو ألد وأخطر. فبالأمس القريب كان العدو اللدود لها الإتحاد السوفياتي الذي كان يتبنى الاشتراكية في نظامه السياسي وهي أن الملكية تعود للدولة وهي وحدها كفيلة بتقسيم الثروات بين الناس أما الأفراد والمجتمعات فهم لا يملكون شيئا بل هم مجرد عمال وموظفين يعملون لصالح الدولة فكانت بين أمريكا والإتحاد السوفياتي حربا طويلة سميت آنذاك بالحرب الباردة دامت طويلا وانتهت بتفكك أقوى دولة في العالم إلى عدة دويلات. ولأن الولاياتالمتحدة كانت تعمل على إرساء الديمقراطية بين شعوب العرب والمسلمين فقد غيرت وجهة العداوة إلى العرب والمسلمين فكانت تحاربهم باسم الإرهاب وتقوم على دعم الأنظمة المستبدة وتمدها بالأموال مثلما فعلت مع بن علي وحسني مبارك و علي عبد الله صالح وغيرهم من الرؤساء الذين لا هم لهم سوى جمع الأموال لمآربهم الخاصة هم وحاشيتهم فهم يعملون على المحافظة على المصالح الغربية في المقام الأول ولا يعيرون مصالح الشعوب أي اهتمام بل يعملون على تهميشها حتى يتسنى لهم سرقة الثروات والممتلكات العمومية وتولد عن ذلك ما نراه من ثورات في مختلف الدول العربية فالنظام الإسلامي لا هو رأسمالي ولا هو اشتراكي إنما هو بين هذين النظامين يعمل على إرساء التكافل الاجتماعي بين الأفراد من خلال أخذ الأموال التي تجبى من رجال الأعمال ويتم توزيعها على الفقراء والمعوزين ودعم الاستثمارات مع المحافظة على العدالة الاجتماعية بين الأفراد والجهات وتسمى في المنظور الإسلامي دفع الزكاة الذي هو أحد ركائز الإسلام وأركانها. نحن إن أردنا أن يكون لنا كيان له وزنه وثقله في هذا العالم لا بد أن تكون لنا مواصفات ومميزات تخصنا ولا نأخذ من المجتمعات الغربية إلا ما نراه صالحا لنا. فنظامنا نظام وسطي متوازن يحمي الأفراد كما يحمي المجتمعات. فالمسلمون في الوقت الراهن انقسموا إلى قسمين سنة وهم المتبعون للمذاهب السنية والمقلدون لفقه الإمام مالك بن أنس أو أحمد بن حنبل أو أبو حنيفة النعمان أو الإمام الشافعي وهناك من لا يعتمد على هؤلاء الأئمة الأعلام مثل السلفية فهم يتبعون الظاهر من القرآن والأحاديث النبوية الصحيحة للإمام البخاري ومسلم وسنن أبي داود والنسائي وابن ماجه وغيرهم ومن أجل علمائها ابن تيمية وتلميذه ابن القيم الجوزية. والشيعة هي فرقة متبعة لأهل بيت الرسول والمتعصبون لمذهب أبي جعفر الصادق وينقسمون هم أيضا إلى علويين نسبة للإمام علي كرم الله وجهه ورضي الله عنه وإلى فاطميين نسبة إلى السيدة فاطمة الزهراء بنت النبي محمد صلى الله عليه وسلم. وكلاهما يرى نفسه على صواب والآخر على خطإ. الولاياتالمتحدةالأمريكية لعبت دورا كبيرا في تأجيج الفتنة بين هذين الطائفتين السنية والشيعية حتى يتسنى لها بسط نفوذها داخل المنطقة العربية الإسلامية على غرار ما يحدث في أفغانستان والعراق ولبنان والبحرين والمملكة العربية السعودية وغيرها من البلدان إلى درجة أن هذه الدول التي تنتسب إلى السنة جعلت نصب أعينها عدوا واحدا فقط وهي الطائفة الشيعية ونسيت أن هنالك عدوا أخطر بكثير على المنطقة من الشيعة وهي إسرائيل التي تتربص دائما بخصومها في كل آن وكل حين حتى تستحوذ على المنطقة العربية برمتها من النيل إلى الفرات. الولاياتالمتحدةالأمريكية حين باركت صعود الأحزاب الإسلامية على الساحات العربية في كنف الديمقراطية ليس على سواد عيونها بل لأنها الوحيدة القادرة لكبح المد الشيعي داخل المنطقة العربية. فهي بذلك تريد ضرب عصفورين بحجر واحد حتى يخلو لإسرائيل أن تحقق ما تطمح إليه وهي احتلال ما أمكن لها من الدول العربية.. إن ما تخشاه أمريكا وإسرائيل أن يكون هنالك وفاق بين السنّة والشيعة، وكما نعلم فإن هذا الوفاق قد حصل من قبل لذا نجد حزب ا لله اللبناني، وشيعي الديانة، المدعوم من قبل إيران كان يقوم بإمداد حركة حماس الفلسطينية السنّية بالسلاح. أما القيادة السورية الشيعية المتمثلة في شخص الرئيس بشار الأسد فهو من العلويين، والتي وضعت حدا للمد الاستيطاني الإسرائيلي للكيان الصهيوني من خلال دعمه لحزب الله من جهة وتعاونه العسكري مع الجهاد الإسلامي الفلسطيني الذي كان يقوم بتدريبات داخل التراب السوري من جهة أخرى فقد كانت شوكة في صوغ إسرائيل. وكما أنها ساهمت بشكل واضح في إغراق الولاياتالمتحدةالأمريكية في المستنقع العراقي. هذا ما دفع بجورج بوش الإبن إلى ضم سورية إلى محور الشر مثلها مثل إيران وكوريا الشمالية. إسرائيل أرادت الاستحواذ على كامل المنطقة العربية بالشرق الأوسط لكنها لم تستطع التقدم ولو خطوة واحدة نظرا لوجود مقاومة شرسة من جانب حركة حماس وحزب الله المدعومين من سورية وإيران وحتى تتخلص من هذه المقاومة التي شدت إسرائيل إلى الوراء قامت في المرحلة الأولى بإسقاط النظام العراقي الذي كان يملك ترسانة لا يستهان بها من الأسلحة الخفيفة والثقيلة وبلغ من القوة والعتاد ما جعل إسرائيل تخشاه فتواطأت في ذلك مع الأممالمتحدة وشنت عليه حربا سميت آنذاك بحرب الخليج بتعلة أن هذا النظام يملك أسلحة دمار شامل ويشكل خطرا على جيران. بعد سقوط النظام العراقي بقي نظامان قويان يشكلان خطرا على إسرائيل هما النظام السوري الذي بثت فيه الفتنة وإرادة شعبية مفتعلة ولا يشك أحد في أن الاستخبارات الإسرائيلية لها يد في ما يحدث في سوريا أما إيران فها هي بشائر حرب ضروس تحاول الولاياتالمتحدةالأمريكية خوضها مستعينة بالمملكة العربية السعودية ويمكن أن تشكل لها حلا لأزمتها الاقتصادية الخانقة التي تتخبط فيها مع سائر الدول الغربية في هذا الظرف بالذات. فالدول العربية عليها أن تقرر في اختيار أحد العدوين إما الشيعة وهم لا يمثلون خطرا لأن الحق إذا ظهر يزهق الباطل. فوقف المد الشيعي يأتي بعد أن يقوم علماء الدين الصحيح المتأتي من قبل الله ليس الإسلام التونسي كما يقوله التونسيون، بوظيفتهم ويظهروه للناس كما فعل قبلهم الأنبياء والمرسلون فالعلماء ورثة الأنبياء في تبيانه للناس، وإما إسرائيل فوجودها يشكل خطرا على المنطقة برمتها كما أسلفنا ذكر ذلك لأنهم يريدون الاحتلال ثم الاستيطان داخل الديار العربية وليس الاكتفاء بفلسطين المحتلة فقط، لذا لبد لنا أن نحسم في اتخاذ قرار سريع حتى نختار أحد العدوين الشيعة أم إسرائيل. فيصل بوكاري تونس