صفارات الإنذار تدوي في إسرائيل بعد رصد إطلاق صواريخ من إيران    النادي الإفريقي: التركيبة الكاملة للقائمة المترشحة    ما هي القنبلة الأمريكية الضخمة القادرة على تدمير المخابئ النووية الإيرانية؟    عاجل/ خلايا رعدية مصحوبة بأمطار بهذه المناطق    مشاركة اكثر من 500 عارض في النسخة الاولى لمهرجان تونس للرياضة    نابل: مخاوف من تفشي مرض الجلد العقدي ببوعرقوب وإدارة الإنتاج الحيواني تؤكد تلقيح كافة القطيع مع الاستجابة المستمرة للتدخل في حالات الاشتباه    عاجل/ روسيا تحذّر من كارثة نووية وشيكة في الشرق الأوسط    عاجل/ تقلبات جوية منتظرة: وزارة الفلاحة تحذّر مراكز تجميع الحبوب    مأساة في المهدية: العثور على جثة الطفلة المفقودة وضحايا الغرق يرتفعون إلى ثلاثة    مكتب نتنياهو يعلن حصيلة أضرار الصواريخ الإيرانية وأعداد النازحين حتى اليوم    هيونداي تونس تطلق النسخة الثانية من جولتها الوطنية المخصصة للنقل الجماعي    عاجل: ''الضمان الاجتماعي''يُكذّب منحة ال700 دينار ويُحذّر من روابط وهمية    وزارة الداخلية: تنفيذ 98 قرارا في مجال تراتيب البناء ببلدية تونس    الوكالة الدولية للطاقة الذرية: الجيش الإسرائيلي ضرب منشأتين لتصنيع أجهزة الطرد المركزي في إيران    عاجل/ وفاة أب وابنته غرقا والبحث جارٍ عن ابنته المفقودة    الكاف: اليوم انطلاق توزيع مادتي القمح الصلب والقمح اللين المجمّعة على المطاحن (المدير الجهوي لديوان الحبوب)    الموسيقى لغة العالم ، شعار الاحتفال بعيد الموسيقى    18 اعتداء ضد الصحفيين خلال شهر ماي..    عاجل: وزارة الشباب والرياضة تفتح باب الترشح لانتداب أساتذة ومعلمين لسنة 2025... تعرّف على الروابط وطريقة التسجيل    عاجل/ تطورات جديدة في قضية مقتل المحامية منجية المناعي..    خامنئي: الكيان الصهيوني ارتكب خطأ فادحا وسيلقى جزاء عمله    غوارديولا: ''أحب تونس أقدر موهبة شمال إفريقيا''    عجز ميزان الطاقة الاولية لتونس يرتفع بنسبة 10 بالمائة مع موفى أفريل 2025    عرفها التونسيون في قناة نسمة: كوثر بودرّاجة حيّة تُرزق    عاجل : انتداب جديد في النادي الافريقي    عاجل - يهم التونسيين المقبلين على الزواج : وزارة الصحة تصدر بلاغا هاما    هام/ هذه أسعار السيارات الشعبية في تونس لسنة 2025..    المنستير تتقدم: زيادة في الإقبال السياحي وتطوير مستمر للخدمات    تونس تُصدر زيت الزيتون إلى أكثر من 60 دولة    بعد تعرضها للهجوم .. نجوم الفن المصري يدعمون هند صبري بأزمة "قافلة الصمود"    علاء بن عمارة يصل إلى تونس    الحماية المدنية تتدخل لإخماد 198 حريقاً خلال 24 ساعة فقط    بطولة برلين للتنس: "أنس جابر" تواجه اليوم المصنفة الخامسة عالميا    9 فواكه تناولها يوميًا لطرد السموم من الكبد والكلى..تعرف عليها..    كأس العالم للأندية: التعادل يحسم مواجهة إنتر ميلان الإيطالي ومونتيري المكسيكي    تونس تحتضن بطولة العالم لكرة اليد الشاطئية للناشئين تحت 17 سنة بمدينة الحمامات    عاجل/ آخر مستجدات أخبار قافلة الصمود..    كأس العالم للأندية 2025 : صن داونز الجنوب أفريقي يهزم أولسان هيونداي الكوري 1-صفر    العرب في قلب الحدث: أبرز مواجهات اليوم في كأس العالم للأندية ...التوقيت    نسبة امتلاء السدود حاليا    تونس تتسلم دفعة تضم 111 حافلة جديدة مصنعة في الصين    خامنئي يعلن بداية المعركة.. ويدعو للرد بقوة على إسرائيل    3'' حاجات'' لا تخرج من المنزل بدونها فى الطقس الحار    علاش يلسعك إنت بالذات؟ 5 أسباب تخليك ''هدف مفضل'' للناموس!    لماذا رفضت وزارة العدل توثيق الطلاق لدى عدول الإشهاد؟    انخفاض في درجات الحرارة... وهذه المناطق مهددة بالأمطار    عاجل/ اضراب بيوم في "الستاغ"..    نسبة امتلاء السدود بلغت حاليا 55 بالمائة    ضاحية مونمارتر تحتضن معرض فني مشترك بين فنانة تونسية وفنانة مالية    اصدارات جديدة لليافعين والاطفال بقلم محمود حرشاني    حياتي في الصحافة من الهواية الى الاحتراف    انطلاق التسجيل بداية من يوم الخميس 19 جوان الجاري في خدمة الإرساليات القصيرة للحصول على نتائج البكالوريا    طقس اليوم: خلايا رعية محلية مصحوبة ببعض الأمطار بهذه المناطق    الكوتش وليد زليلة يكتب .. طفلي لا يهدأ... هل هو مفرط الحركة أم عبقري صغير؟    عاجل : عطلة رأس السنة الهجرية 2025 رسميًا للتونسيين (الموعد والتفاصيل)    قافلة الصمود فعل رمزي أربك الاحتلال وكشف هشاشة الأنظمة    ملف الأسبوع .. أحبُّ الناس إلى الله أنفعُهم للناس    طواف الوداع: وداعٌ مهيب للحجيج في ختام مناسك الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إشكالية الرعية والمواطنة (7/2 )
نشر في الحوار نت يوم 26 - 05 - 2010


إشكالية الرعية والمواطنة (7/2 )

------------------------------------------------------------------------
بقلم: علي شرطاني- تونس

- في الرعية :

وإذا كان معنى الرعية قد بقي ثابتا باعتباره مفهوما قديما قدم الأنظمة السياسية القديمة السابقة للأنظمة السياسية الحديثة التي أنتجتها القوميات المختلفة في أوروبا أثناء التحول الحضاري الذي شهده الغرب، إسقاط الأوضاع والقيم والمفاهيم والمؤسسات والبنى الفوقية والتحتية للقرون الوسطى، وإقامة أوضاع وأنظمة وتصورات جديدة بدلا عنها.
وإذا كان معنى الرعية يمكن أن يظل قائما ومتعاملا به ومتعارفا عليه باعتباره الصفة الملازمة للكائن الإجتماعي البشري الفرد في أنظمة الإستبداد التي لم تعرف نهاية ولا يمكن أن يجعل لها أحد نهاية أو تنتهي من الكون بدون رجعة، وباعتبار أن التقسيمات الجغرافية للأرض برا وبحرا وجوا، بما لها من مستوطنين أصليين الذين يمكن في النهاية أن يكونوا هم وحدهم الممثلون للشعب باعتبارهم السكان الأصليون لها ملكا وحوزا وتصرفا ونفوذا وسيطرة وسيادة على أي معنى كانت هذه السيادة، يمكن أن يتشكل على أساسها الوطن. ومهما يكن من أمر وعلى أي مستوى وبأي صفة كانوا، فلا يمكن أن يكونوا في أي وطن آخر إلا رعايا، ولا يمكن أن يكونوا فيه مواطنين إلا أن يعترف لأي كان منهم بالمواطنة في غير موطنه ووطنه الأصلي بالشروط المتعارف عليها في هذا الزمن، والتي لم تكن موجودة من قبل، باعتبار أن الضبط الجغرافي للأوطان وللشعوب الذي أصبحت عليه اليوم لا سابقة له في العالم من قبل.
لهذه الإعتبارات وجب أن يظل معنى الرعية محافظا على وجوده وبالمعاني القديمة، نظرا لتواصل أسباب وجوده، ولعل ذلك من ثوابت التاريخ البشري والإجتماع البشري والإنتشار البشري على الأرض، والوجود السياسي البشري. فلا معنى ولا وجود للإنسان خارج الإجتماع البشري الذي يأخذ في النهاية دائما معنى سياسيا كانت حقوقه وواجباته تختلف باختلاف الزمان والمكان والأحوال.

- في المواطنة :
فإذا كان مصطلح الرعية قديما قد أصبح من ثقافة القرون الوسطى، ومن ثقافة النظام الإقطاعي والكنسي اللاهوتي، وهو النظام الإجتماعي التقليدي الذي كان موضوع الثورة الغربية، والذي كان يمثل الإنحطاط
الذي قامت على أنقاضه النهضة الأوروبية الغربية، ليتواصل بذلك في ظل أنظمة الإستبداد والقهر والإنحطاط ،وفي التقسيم الجغرافي والبشري الذي يمثل السمة البارزة للحضارة الغربية المعاصرة، فإن مصطلح المواطنة هو المصطلح الجديد الذي جاءت به البورجوازية الغربية بعد إنهاء العصر الإقطاعي الكنسي بكل مؤسساته ومفاهيمه ومصطلحاته وبناه المختلفة الثقافية والسياسية والإقتصادية والإجتماعية، وفق ما أصبحت عليه حركة رأس المال الذي كان مجاله الإقطاعيات الكبيرة والإستثمار الزراعي والحرفي، والذي تحول مع الثورة الصناعية والعلمية التقنية تدريجيا إلى الإستثمار في الصناعة والزراعة كذلك والتجارة والخدمات، بعد أن نجحت البورجوازية الفرنسية وفي أكثر من بلد أروبي في المسك بزمام المبادرة الثقافية والسياسية والإجتماعية والإقتصادية، وأحدثت تحولا نوعيا في المجتمع الفرنسي وفي المجتمعات الغربية الأخرى من حولها، كإيطاليا وألمانيا وبريطانيا وأمريكا والبرتغال وإسبانيا... بانتهاء العصر الإقطاعي الكنسي وقيام العصر البورجوازي الرأسمالي. ويؤكد جان جاك روسو أن الثورة الفرنسية وحدها هي أول من جاء بصفة المواطنة التي لم يسبقهم على ما يؤكد روسو إليها أحد، والكل يعلم وثيقة الثورة الفرنسية التي كان عنوانها" حقوق الإنسان والمواطن "، والتي جاءت رافعة لثلاثة شعارات رئيسية كبرى، تم صكها على العملة الفرنسية بعد ذلك وهي : مساواة حرية وأخوة.
يقول جان جاك روسو في هامش من إحدى صفحات كتابه الشهير" في العقد الإجتماعي "(1) " ولم أقرأ أن لقب مواطنين (cives) قد منح قط إلى رعايا أي أمير حتى المقدونيين قديما ولا إلى الأنكليز في أيامنا وإن كانوا أقرب من كل الشعوب الأخرى إلى الحرية. والفرنسيون وحدهم اتخذوا دون كلفة اسم المواطنين لأنهم لا يملكون فكرة حقيقية عن تلك الصفة كما يمكن أن نرى في قواميسهم وإلا لجاز أن نعتبر انتحالهم لها القدح في جلالة. أن هذا الإسم يعبر عندهم عن فضيلة لا عن حق...ولا يوجد على ما أعلم كاتب فرنسي


واحد فهم المعنى الصحيح لكلمة مواطن ".
ومهما بلغت كلمت ومعنى مواطن ومواطنة من تصور، فيبقى هذا المعنى نسبيا وقابلا لأن يكون له في كل ثقافة وفي كل مرجعية وفي كل وسط اجتماعي حضاري معنى، بحسب ما تكون عليه الأوضاع الإجتماعية والإقتصادية والثقافية والسياسية، وبحسب ما تكون عليه العلاقات الإجتماعية وعلاقة الفرد والمجموعة بالحكم، وعلاقة الحكم بالفرد والمجموعة، وبحسب ما تكون عليه علاقة أفراد المجتمع الواحد بعضه ببعض وبالمجتمعات الأخرى كذلك.
فأي معنى للمواطن وللمواطنة في النظام الرأسمالي الطبقي الذي يقدس الفرد ويجعله مقدما على المجموعة وعلى حسابها من خلال تقديسه للملكية الفردية الخاصة، وتقديمه لها على حساب الملكية الجماعية، وهو النظام الذي قام على أساس تفوق الرجل البيض والعرق الآري كونه خلاصة الأعراق والألوان، والديانة المسيحية كونها خلاصة الأديان وأفضل ما انتهى إليه تطور الأديان.(2)
وهو الذي تزعم الطبقة البورجوازية المتحكمة، أنه لا فرق في الأوطان التي لها عليها السيطرة ولها فيها النفوذ الكامل بين أفراد الشعب الواحد في الوطن الواحد، ولا تمييز بينهم بسبب الجنس أو اللون أو اللغة أو الدين أو العرق، وهم متساوون في الحقوق والواجبات .
وهو النظام الذي قام على نظرية تفوق العرق الآري الأبيض ودونية غيره من الأعراق والألوان والأجناس وعلى تفوق الدين المسيحي على كل الأديان، والذي مازال الملونون مضطهدين فيه بسبب لونهم، والمسلمون كما كان اليهود من قبل مضطهدين من أجل دينهم، والذي أنهى السكان الأصليين أو كاد في أكثر من مكان في الأرض، ومازال يرفض أن يعترف لهم بحقوقهم وخصوصياتهم الثقافية والدينية، كما في أمريكا واستراليا وجنوب إفريقيا وبدولة الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة وغيرها من الأوضاع التي تفوح منها رائحة جرائم اضطهاد الآخر المخالف في اللون والعرق واللغة والجنس والدين.
ولعل الإختبار الأكبر الذي تواجهه أمريكا والشعب الأمريكي في المحافظة على العقلية والثقافة العنصرية أو تجاوزها، هو الإنتخابات الرئاسية المقبلة للبيت الأبيض المزمع إجرائها أواخر سنة 2008 ،والتي انتهت فيها تصفيات المرحلة التمهيدية إلى ترشيح الحزب الجمهوري للفيل الجمهوري الأبيض جون ماكين والحزب الديمقراطي للحمار الديمقراطي الأسمر ذي الأصول الإفريقية الإسلامية باراك حسين أوباما.
وسيتضح ما إذا كان الإنسان الأبيض الغربي عموما والأمريكي خصوصا قد تجاوز نزعة وعقده العنصرية، وهو الذي يواجه اليوم امتحانا صعبا بين أن يستقر اختياره على الغربي الأبيض جون ماكين، والذي بدأت استطلاعات الرأي تشير إلى أنه قد يكون الأقل حظا في الفوز بالإنتخابات، أو أن يستقر اختياره على الإفريقي الأسود ذي الأصول الإسلامية من ناحية أن أباه كان مسلما باراك أوباما، والذي بدأت استطلاعات الرأي تشير إلى أنه قد يكون الأوفر حظا في الفوز في السباق إلى البيت الأبيض، إذا لم يكن ذلك بداية طريقه إلى الموت غيلة كما سبق أن حصل ذلك من قبل لأكثر من مرشح في سباق الرئاسة الأمريكية.
فالأحداث التاريخية برهان ساطع على أن الوثائق التي أصدرتها الثورة الأمريكية والثورة الفرنسية تحديدا لا معنى فيها للإنسان سوى الإنسان الغربي الأبيض، ولا معنى فيها للمواطنة والمواطن إلا حيث يكون هذا الإنسان غربيا أبيض...
وأي معنى للمواطن والمواطنة في أنظمة المعسكر الشرقي الشيوعي، وهو الذي يضطهد فيه الإنسان أيما اضطهاد كما هو معلوم، وكما لا تقبل الشيوعية إلا أن يكون هذا الإنسان تحت طائلة العنف.
وهو الذي ينتزع من الفرد صفة المواطنة التي لا قيمة ولا معنى لها بدون حرية، بعد أن يكون قد جعل منه مجرد منتج ومستهلك، لما يتم تحديده له مما ينتجه ومما يكون له الحق في استهلاكه. وهو الذي لا حق له في الملكية ولا في حرية المعتقد والضمير، ولا في حرية التفكير والتعبير والتنظم. وهو الذي كان يفرض تغييرات ديموغرافية لحساب جنس وقوم على حساب جنس وقوم. وهو الذي كان يشن حربا استخباراتية وأمنية حتى انتهائه على المسلمين خاصة بسبب دينهم ...
إضافة إلى ما يضطر فيه في النظام الليبرالي الرأسمالي الديمقراطي لبيع جهده والتنازل عن جانب من حقوقه المادية والأدبية لصالح الطبقة الرأسمالية البورجوازية...وتكون المواطنة محددة من طرف الطبقة المهيمنة، وهي التي تحدد الحقوق والواجبات، إضافة إلى ما يمكن أن يحصل من تطور باتجاه تحديد تلك الحقوق والواجبات لتحقيق مواطنة أفضل، بما ينتزعه المجتمع المدني في نضاله ضد الإستغلال وضد

الحيف وضد التسلط من أجل وضع اقتصادي واجتماعي أفضل ومن أجل مزيدا من الحقوق، تحقيقا لمزيد من العدل والمساواة، ولمشاركة أفضل دائما في تنظيم الشأن العام، وأن يكون له دور أكبر في تقرير المصير...
بل أي تطور بلغه معنى المواطن والمواطنة في العالم الغربي كله، وهو الذي يعتبر أنه الموجد لهذه الصفة الجديدة للرعايا، وهو الذي منحهم إياها، وهو الذي يسن في بداية الألفية الثالثة قوانين تضطهد الأقليات العرقية والدينية باسم مقاومة الإرهاب، الذي لا يعترف بحقوق ضحاياه منه في الحملات الصليبية القديمة، ولا في التطهير العرقي الذي قاده في أمريكا ضد سكانها الأصليين، ولا في جنوب إفريقيا زمن نظام الفصل العنصري، ولا في استراليا ولا في المستعمرات ولا في مساندته المطلقة للجرائم والإبادة الجماعية التي يقوم بها الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة لإفراغ سكانها الأصليين منها، والتطهير العرقي الذي قادها الصرب والكروات ضد المسلمين في البوسنة والهرسك بإشراف مباشر من القوات الدولية الغربية، ولا في الحرب التي يقودها في أفغانستان وفي العراق وفي الصومال وفي غيرها من الأماكن التي تشعل فيها شركات صناعة السلاح الحروب والمؤسسات المالية الدولية وشركات الثروات والمعادن الإستراتيجية، وتغذي فيها النزاعات العرقية والطائفية، والخلافات السياسية وغيرها وبعناوين مختلفة، وهي قوانين لا مبرر لها سوى تأكيد التمييز والعنصرية، وإسقاط معنى المواطنة على غير الرجل الأبيض، مثل قانون التنصت على الأجانب الذين يلحق بهم في أمريكا، الأمريكيين من العرب والمسلمين خاصة. وقانون منع الحجاب والرموز الدينية في فرنسا...وفسح المجال واسعا للإساءة للأنبياء والرموز الدينية والمعنوية للشعوب، في تركيز خاص على الإساءة للنبي محمد نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم الذي بعثه الله للناس كافة، باسم الحرية وحرية الصحافة والتعبير، وهو لعمري من أكبر الإعتداءات على حقوق المواطنة، ومن أكبر الإخلالات بمعنى المواطنة في غرب المواطن والمواطنة. وإبادة الملايين من العرب والمسلمين في فلسطين والعراق والصومال والشيشان وأفغانستان باسم محاربة الإرهاب. وإقامة الدنيا وعدم إقعادها بالمقابل بسبب فرد واحد أو مجموعة من الأفراد من الجواسيس والمرتزقة أو غيرهم من الغربيين ، لمجرد إحالتهم على التحقيق والقضاء، بسبب أن يكونوا قد ارتكبوا من الجرائم والمخالفات التي تجعلهم تحت طائلة القانون في أي بلد من أوطان شعوب أمة العرب والمسلمين، أو بأي من أنحاء العالم المستضعف، مثلما حصل للكثير ممن يقال أنهم صحفيون أو عمال إغاثة أو غيرهم في العراق وأفغانستان، وما حصل
للممرضات البلغاريات بليبيا، وغير ذلك من الأمثلة في الكثير من أنحاء العالم غير الغربي...هذا العالم الذي، على قاعدة محاربة الإرهاب التي يقودها الغرب الإستعماري الصليبي العنصري الإرهابي الحليف الإستراتيجي للكيان الإرهابي الصهيوني في قلب العالم العربي الإسلامي والنظام العربي و"الإسلامي"، ضد الإسلام والمسلمين وحركة التحرر العربي الإسلامي في العالم العربي الإسلامي والعالم، لا يتعامل فيه الصليبيون الجدد من اليمين المتطرف المسيحي الذين اعتلوا سدة الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية، مع الأمريكي الأصل والبريطاني والفرنسي الأصل كذلك وغيرهم من موقع الإنتماء إلى تنظيم القاعدة بنفس الطريقة التي تعاملوا بها مع غير البيض، من العرب والمسلمين المنتمين لنفس التنظيم ومن أجل نفس التهمة.
هذا العالم هو الذي لا ينقطع فيه الحديث عن المواطنة وحقوق الإنسان في غير تمييز بين أبناء الوطن الواحد. وهو الذي لا يستقر فيها على حال، وبقي المعنى الوحيد الثابت فيها، هو الرجل الأبيض الذي لا إنسانية ولا مواطنة في الأصل لغيره معه في العالم.
فإذا كان النظام العلماني الذي أصبح اليوم مطلوبا لذاته، بصرف النظر عن استجابته للإستحقاقات اللازمة لصيانة إنسانية الإنسان من عدمها. فهو غير القادر اليوم على توفير تلك الإستحقاقات والإستجابة لها، ولنا في المثل التركي ما نرى من إصرار للعلمانيين على النظام العلماني الذي لم يعد إفلاسه يخفى على أحد. ولنا في إنجازات النظام العلماني الليبرالي الديمقراطي الغربي في العراق كسجن أبو غريب ومعتقل قوانتنامو في كوبا أوضح صورة، وسجن باغرام في أفغانستان وغيره من السجون هناك، والسجون السرية التي أوجدتها الأمبراطورية الأمريكية، بتواطئ مع الغرب الصليبي في أنحاء مختلفة من العالم، والسجون الصهيونية في فلسطين المحتلة، وسجون الأنظمة في أوطان شعوب أمة العرب والمسلمين، والأوضاع الفاسدة السائدة فيها وفي العالم خير وأكبر دليل على ذلك، فإن النظام العلماني الغربي الأصيل لا يمنح صفة المواطنة إلا للإنسان الغربي الأبيض على الأقل على وجه التحديد، وإذا كان غيره من الأجناس والأعراق والألوان والأديان يتمتعون فيه ببعض الحقوق أو بالكثير من الحقوق، وعليهم فيه الكثير من الواجبات، فإن مواطنتهم تبقى منقوصة لما ينقصهم من الحرية ومن السيادة الكاملتين بسبب ما يختلفون فيه مع الرجل الأبيض من لون وثقافة وعقيدة وعادات وتقاليد...
وإذا كان النظام العلماني الغربي الأصيل كذلك، فإن النظام العلماني الدخيل المغشوش الهجين في أوطان شعوب أمة العرب والمسلمين خاصة لا تمنح هذه الصفة لأفراد الشعوب، لما يكون الإنسان فيها، بحكم طبيعتها العلمانية الدخيلة وبحكم تبعيتها للغرب، مسلوب الحرية والسيادة، وليس له حقوق وليس عليه إلا والواجبات...ولعل هذا هو معنى الرعية الذي يقصده الرفاق والأخوة العلمانيون في تونس في مختلف تصريحاتهم ومواقفهم من مختلف مواقعهم، وهو من معاني المواطنة قديما في أنظمة سياسية مختلفة، وفي أزمنة سابقة مختلفة، وفي أماكن مختلفة ولدى مجموعات بشرية مختلفة، وفي ثقافات وحضارات قديمة مختلفة..ولعلهم استندوا في ذلك إلى ذلك المصطلح الرعواني العامي الجاري على ألسنة العامة في ثقافة السوقة، وفي السائد من الخطاب الساذج المبتذل الذي فيه إشارة إلى الدونية والرعوية والسذاجة والغباء وسهولة الإنقياد، بعيدا عن المساواة الكاملة المطلوبة بين أفراد المجتمع. وهي الصفة التي تجد لها أصلا في الموروث الثقافي الإسلامي، والتي على أساسه ظل تداولها جاريا على ألسنة الناس. وهو المعنى الذي كرسته عصور الإنحطاط والملك العضوض. وهو الذي لا وجود لأصل له في الإسلام كما سيأتي بيان ذلك لاحقا.

(1) تعريب عمار الجلاصي وعلي لجنف – نشر دار المعرفة للنشر 1980 .
(2) لمزيد الوضوح أنظر - كتابنا : المشروع الثقافي للدولة العلمانية في العالم الإسلامي – التداعيات والمخاطر-

(يتبع)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.