أمين عام الأمم المتحدة.. العالم يجب ألاّ يخشى ردود أفعال إسرائيل    صفاقس شاطئ الشفار بالمحرس..موسم صيفي ناجح بين التنظيم والخدمات والأمان!    أخبار مستقبل قابس...عزم على ايقاف نزيف النقاط    نفذته عصابة في ولاية اريانة ... هجوم بأسلحة بيضاء على مكتب لصرف العملة    استراحة «الويكاند»    مع الشروق : العربدة الصهيونية تحت جناح الحماية الأمريكية    28 ألف طالب يستفيدوا من وجبات، منح وسكن: شوف كل ما يوفره ديوان الشمال!    ميناء جرجيس يختتم موسمه الصيفي بآخر رحلة نحو مرسيليا... التفاصيل    محرز الغنوشي:''الليلة القادمة عنوانها النسمات الشرقية المنعشة''    توقّف مؤقت للخدمات    عاجل/ المغرب تفرض التأشيرة على التونسيين.. وتكشف السبب    رئيس "الفيفا" يستقبل وفدا من الجامعة التونسية لكرة القدم    عاجل/ عقوبة ثقيلة ضد ماهر الكنزاري    هذا ما قرره القضاء في حق رجل الأعمال رضا شرف الدين    الاتحاد الدولي للنقل الجوي يؤكد استعداده لدعم تونس في تنفيذ مشاريعها ذات الصلة    بنزرت: مداهمة ورشة عشوائية لصنع "السلامي" وحجز كميات من اللحوم    عفاف الهمامي: أكثر من 100 ألف شخص يعانون من الزهايمر بشكل مباشر في تونس    رابطة أبطال إفريقيا: الترجي يتجه إلى النيجر لمواجهة القوات المسلحة بغياب البلايلي    الترجي الجرجيسي ينتدب الظهير الأيمن جاسر العيفي والمدافع المحوري محمد سيسوكو    عاجل/ غزّة: جيش الاحتلال يهدّد باستخدام "قوة غير مسبوقة" ويدعو إلى إخلاء المدينة    دعوة للترشح لصالون "سي فود إكسبو 2026" المبرمج من 21 إلى 23 أفريل 2026 ببرشلونة    قريبا: الأوكسجين المضغوط في سوسة ومدنين... كيف يساعد في حالات الاختناق والغوص والسكري؟ إليك ما يجب معرفته    البنك التونسي للتضامن يقر اجراءات جديدة لفائدة صغار مزارعي الحبوب    أريانة: عملية سطو مسلح على مكتب لصرف العملة ببرج الوزير    سطو على فرع بنكي ببرج الوزير اريانة    أكثر من 400 فنان عالمي يطالبون بإزالة أغانيهم من المنصات في إسرائيل    عائدات زيت الزيتون المصدّر تتراجع ب29،5 بالمائة إلى موفى أوت 2025    عاجل: تونس تنجو من كارثة جراد كادت تلتهم 20 ألف هكتار!    بعد 20 عاماً.. رجل يستعيد بصره بعملية "زرع سن في العين"    توزر: حملة جهوية للتحسيس وتقصي سرطان القولون في عدد من المؤسسات الصحية    10 أسرار غريبة على ''العطسة'' ما كنتش تعرفهم!    عاجل- قريبا : تركيز اختصاص العلاج بالأوكسيجين المضغوط بولايتي مدنين وسوسة    عاجل/ مقتل أكثر من 75 مدنيا في قصف لمسجد بهذه المنطقة..    مهذّب الرميلي يشارك في السباق الرمضاني من خلال هذا العمل..    قريبا القمح والشعير يركبوا في ''train''؟ تعرف على خطة النقل الجديدة    مجلس الأمن يصوّت اليوم على احتمال إعادة فرض العقوبات على إيران    شنية حكاية النظارات الذكية الجديدة الى تعمل بالذكاء الاصطناعي...؟    بلاغ مهم لمستعملي طريق المدخل الجنوبي للعاصمة – قسط 03    نقابة الصيدليات الخاصة تدعو الحكومة إلى تدخل عاجل لإنقاذ المنظومة    أغنية محمد الجبالي "إلا وأنا معاكو" تثير عاصفة من ردود الأفعال بين التنويه والسخرية    حملة تلقيح مجانية للقطط والكلاب يوم الاحد المقبل بحديقة النافورة ببلدية الزهراء    ما تفوتهاش: فضائل قراءة سورة الكهف يوم الجمعة!    البطولة العربية لكرة الطاولة - تونس تنهي مشاركتها بحصيلة 6 ميداليات منها ذهبيتان    عاجل : شيرين عبد الوهاب تواجه أزمة جديدة    المعهد الوطني للتراث يصدر العدد 28 من المجلة العلمية "افريقية"    افتتاح شهر السينما الوثائقية بالعرض ما قبل الأول لفيلم "خرافة / تصويرة"    جريمة مروعة/ رجل يقتل أطفاله الثلاثة ويطعن زوجته..ثم ينتحر..!    محرز الغنوشي يزّف بشرى للتوانسة: ''بعض الامطار المتفرقة من حين لاخر بهذه المناطق''    شهداء وجرحى بينهم أطفال في قصف الاحتلال عدة مناطق في قطاع غزة..# خبر_عاجل    بطولة العالم للكرة الطائرة رجال الفلبين: تونس تواجه منتخب التشيك في هذا الموعد    هذه الشركة تفتح مناظرة هامة لانتداب 60 عونا..#خبر_عاجل    في أحدث ظهور له: هكذا بدا الزعيم عادل إمام    تصدرت محركات البحث : من هي المخرجة العربية المعروفة التي ستحتفل بزفافها في السبعين؟    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    سعيد: "لم يعد مقبولا إدارة شؤون الدولة بردود الفعل وانتظار الأزمات للتحرّك"    خطبة الجمعة .. أخطار النميمة    وخالق الناس بخلق حسن    يا توانسة: آخر أيام الصيف قُربت.. تعرف على الموعد بالضبط!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إشكالية الرعية والمواطنة (7/2 )
نشر في الحوار نت يوم 26 - 05 - 2010


إشكالية الرعية والمواطنة (7/2 )

------------------------------------------------------------------------
بقلم: علي شرطاني- تونس

- في الرعية :

وإذا كان معنى الرعية قد بقي ثابتا باعتباره مفهوما قديما قدم الأنظمة السياسية القديمة السابقة للأنظمة السياسية الحديثة التي أنتجتها القوميات المختلفة في أوروبا أثناء التحول الحضاري الذي شهده الغرب، إسقاط الأوضاع والقيم والمفاهيم والمؤسسات والبنى الفوقية والتحتية للقرون الوسطى، وإقامة أوضاع وأنظمة وتصورات جديدة بدلا عنها.
وإذا كان معنى الرعية يمكن أن يظل قائما ومتعاملا به ومتعارفا عليه باعتباره الصفة الملازمة للكائن الإجتماعي البشري الفرد في أنظمة الإستبداد التي لم تعرف نهاية ولا يمكن أن يجعل لها أحد نهاية أو تنتهي من الكون بدون رجعة، وباعتبار أن التقسيمات الجغرافية للأرض برا وبحرا وجوا، بما لها من مستوطنين أصليين الذين يمكن في النهاية أن يكونوا هم وحدهم الممثلون للشعب باعتبارهم السكان الأصليون لها ملكا وحوزا وتصرفا ونفوذا وسيطرة وسيادة على أي معنى كانت هذه السيادة، يمكن أن يتشكل على أساسها الوطن. ومهما يكن من أمر وعلى أي مستوى وبأي صفة كانوا، فلا يمكن أن يكونوا في أي وطن آخر إلا رعايا، ولا يمكن أن يكونوا فيه مواطنين إلا أن يعترف لأي كان منهم بالمواطنة في غير موطنه ووطنه الأصلي بالشروط المتعارف عليها في هذا الزمن، والتي لم تكن موجودة من قبل، باعتبار أن الضبط الجغرافي للأوطان وللشعوب الذي أصبحت عليه اليوم لا سابقة له في العالم من قبل.
لهذه الإعتبارات وجب أن يظل معنى الرعية محافظا على وجوده وبالمعاني القديمة، نظرا لتواصل أسباب وجوده، ولعل ذلك من ثوابت التاريخ البشري والإجتماع البشري والإنتشار البشري على الأرض، والوجود السياسي البشري. فلا معنى ولا وجود للإنسان خارج الإجتماع البشري الذي يأخذ في النهاية دائما معنى سياسيا كانت حقوقه وواجباته تختلف باختلاف الزمان والمكان والأحوال.

- في المواطنة :
فإذا كان مصطلح الرعية قديما قد أصبح من ثقافة القرون الوسطى، ومن ثقافة النظام الإقطاعي والكنسي اللاهوتي، وهو النظام الإجتماعي التقليدي الذي كان موضوع الثورة الغربية، والذي كان يمثل الإنحطاط
الذي قامت على أنقاضه النهضة الأوروبية الغربية، ليتواصل بذلك في ظل أنظمة الإستبداد والقهر والإنحطاط ،وفي التقسيم الجغرافي والبشري الذي يمثل السمة البارزة للحضارة الغربية المعاصرة، فإن مصطلح المواطنة هو المصطلح الجديد الذي جاءت به البورجوازية الغربية بعد إنهاء العصر الإقطاعي الكنسي بكل مؤسساته ومفاهيمه ومصطلحاته وبناه المختلفة الثقافية والسياسية والإقتصادية والإجتماعية، وفق ما أصبحت عليه حركة رأس المال الذي كان مجاله الإقطاعيات الكبيرة والإستثمار الزراعي والحرفي، والذي تحول مع الثورة الصناعية والعلمية التقنية تدريجيا إلى الإستثمار في الصناعة والزراعة كذلك والتجارة والخدمات، بعد أن نجحت البورجوازية الفرنسية وفي أكثر من بلد أروبي في المسك بزمام المبادرة الثقافية والسياسية والإجتماعية والإقتصادية، وأحدثت تحولا نوعيا في المجتمع الفرنسي وفي المجتمعات الغربية الأخرى من حولها، كإيطاليا وألمانيا وبريطانيا وأمريكا والبرتغال وإسبانيا... بانتهاء العصر الإقطاعي الكنسي وقيام العصر البورجوازي الرأسمالي. ويؤكد جان جاك روسو أن الثورة الفرنسية وحدها هي أول من جاء بصفة المواطنة التي لم يسبقهم على ما يؤكد روسو إليها أحد، والكل يعلم وثيقة الثورة الفرنسية التي كان عنوانها" حقوق الإنسان والمواطن "، والتي جاءت رافعة لثلاثة شعارات رئيسية كبرى، تم صكها على العملة الفرنسية بعد ذلك وهي : مساواة حرية وأخوة.
يقول جان جاك روسو في هامش من إحدى صفحات كتابه الشهير" في العقد الإجتماعي "(1) " ولم أقرأ أن لقب مواطنين (cives) قد منح قط إلى رعايا أي أمير حتى المقدونيين قديما ولا إلى الأنكليز في أيامنا وإن كانوا أقرب من كل الشعوب الأخرى إلى الحرية. والفرنسيون وحدهم اتخذوا دون كلفة اسم المواطنين لأنهم لا يملكون فكرة حقيقية عن تلك الصفة كما يمكن أن نرى في قواميسهم وإلا لجاز أن نعتبر انتحالهم لها القدح في جلالة. أن هذا الإسم يعبر عندهم عن فضيلة لا عن حق...ولا يوجد على ما أعلم كاتب فرنسي


واحد فهم المعنى الصحيح لكلمة مواطن ".
ومهما بلغت كلمت ومعنى مواطن ومواطنة من تصور، فيبقى هذا المعنى نسبيا وقابلا لأن يكون له في كل ثقافة وفي كل مرجعية وفي كل وسط اجتماعي حضاري معنى، بحسب ما تكون عليه الأوضاع الإجتماعية والإقتصادية والثقافية والسياسية، وبحسب ما تكون عليه العلاقات الإجتماعية وعلاقة الفرد والمجموعة بالحكم، وعلاقة الحكم بالفرد والمجموعة، وبحسب ما تكون عليه علاقة أفراد المجتمع الواحد بعضه ببعض وبالمجتمعات الأخرى كذلك.
فأي معنى للمواطن وللمواطنة في النظام الرأسمالي الطبقي الذي يقدس الفرد ويجعله مقدما على المجموعة وعلى حسابها من خلال تقديسه للملكية الفردية الخاصة، وتقديمه لها على حساب الملكية الجماعية، وهو النظام الذي قام على أساس تفوق الرجل البيض والعرق الآري كونه خلاصة الأعراق والألوان، والديانة المسيحية كونها خلاصة الأديان وأفضل ما انتهى إليه تطور الأديان.(2)
وهو الذي تزعم الطبقة البورجوازية المتحكمة، أنه لا فرق في الأوطان التي لها عليها السيطرة ولها فيها النفوذ الكامل بين أفراد الشعب الواحد في الوطن الواحد، ولا تمييز بينهم بسبب الجنس أو اللون أو اللغة أو الدين أو العرق، وهم متساوون في الحقوق والواجبات .
وهو النظام الذي قام على نظرية تفوق العرق الآري الأبيض ودونية غيره من الأعراق والألوان والأجناس وعلى تفوق الدين المسيحي على كل الأديان، والذي مازال الملونون مضطهدين فيه بسبب لونهم، والمسلمون كما كان اليهود من قبل مضطهدين من أجل دينهم، والذي أنهى السكان الأصليين أو كاد في أكثر من مكان في الأرض، ومازال يرفض أن يعترف لهم بحقوقهم وخصوصياتهم الثقافية والدينية، كما في أمريكا واستراليا وجنوب إفريقيا وبدولة الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة وغيرها من الأوضاع التي تفوح منها رائحة جرائم اضطهاد الآخر المخالف في اللون والعرق واللغة والجنس والدين.
ولعل الإختبار الأكبر الذي تواجهه أمريكا والشعب الأمريكي في المحافظة على العقلية والثقافة العنصرية أو تجاوزها، هو الإنتخابات الرئاسية المقبلة للبيت الأبيض المزمع إجرائها أواخر سنة 2008 ،والتي انتهت فيها تصفيات المرحلة التمهيدية إلى ترشيح الحزب الجمهوري للفيل الجمهوري الأبيض جون ماكين والحزب الديمقراطي للحمار الديمقراطي الأسمر ذي الأصول الإفريقية الإسلامية باراك حسين أوباما.
وسيتضح ما إذا كان الإنسان الأبيض الغربي عموما والأمريكي خصوصا قد تجاوز نزعة وعقده العنصرية، وهو الذي يواجه اليوم امتحانا صعبا بين أن يستقر اختياره على الغربي الأبيض جون ماكين، والذي بدأت استطلاعات الرأي تشير إلى أنه قد يكون الأقل حظا في الفوز بالإنتخابات، أو أن يستقر اختياره على الإفريقي الأسود ذي الأصول الإسلامية من ناحية أن أباه كان مسلما باراك أوباما، والذي بدأت استطلاعات الرأي تشير إلى أنه قد يكون الأوفر حظا في الفوز في السباق إلى البيت الأبيض، إذا لم يكن ذلك بداية طريقه إلى الموت غيلة كما سبق أن حصل ذلك من قبل لأكثر من مرشح في سباق الرئاسة الأمريكية.
فالأحداث التاريخية برهان ساطع على أن الوثائق التي أصدرتها الثورة الأمريكية والثورة الفرنسية تحديدا لا معنى فيها للإنسان سوى الإنسان الغربي الأبيض، ولا معنى فيها للمواطنة والمواطن إلا حيث يكون هذا الإنسان غربيا أبيض...
وأي معنى للمواطن والمواطنة في أنظمة المعسكر الشرقي الشيوعي، وهو الذي يضطهد فيه الإنسان أيما اضطهاد كما هو معلوم، وكما لا تقبل الشيوعية إلا أن يكون هذا الإنسان تحت طائلة العنف.
وهو الذي ينتزع من الفرد صفة المواطنة التي لا قيمة ولا معنى لها بدون حرية، بعد أن يكون قد جعل منه مجرد منتج ومستهلك، لما يتم تحديده له مما ينتجه ومما يكون له الحق في استهلاكه. وهو الذي لا حق له في الملكية ولا في حرية المعتقد والضمير، ولا في حرية التفكير والتعبير والتنظم. وهو الذي كان يفرض تغييرات ديموغرافية لحساب جنس وقوم على حساب جنس وقوم. وهو الذي كان يشن حربا استخباراتية وأمنية حتى انتهائه على المسلمين خاصة بسبب دينهم ...
إضافة إلى ما يضطر فيه في النظام الليبرالي الرأسمالي الديمقراطي لبيع جهده والتنازل عن جانب من حقوقه المادية والأدبية لصالح الطبقة الرأسمالية البورجوازية...وتكون المواطنة محددة من طرف الطبقة المهيمنة، وهي التي تحدد الحقوق والواجبات، إضافة إلى ما يمكن أن يحصل من تطور باتجاه تحديد تلك الحقوق والواجبات لتحقيق مواطنة أفضل، بما ينتزعه المجتمع المدني في نضاله ضد الإستغلال وضد

الحيف وضد التسلط من أجل وضع اقتصادي واجتماعي أفضل ومن أجل مزيدا من الحقوق، تحقيقا لمزيد من العدل والمساواة، ولمشاركة أفضل دائما في تنظيم الشأن العام، وأن يكون له دور أكبر في تقرير المصير...
بل أي تطور بلغه معنى المواطن والمواطنة في العالم الغربي كله، وهو الذي يعتبر أنه الموجد لهذه الصفة الجديدة للرعايا، وهو الذي منحهم إياها، وهو الذي يسن في بداية الألفية الثالثة قوانين تضطهد الأقليات العرقية والدينية باسم مقاومة الإرهاب، الذي لا يعترف بحقوق ضحاياه منه في الحملات الصليبية القديمة، ولا في التطهير العرقي الذي قاده في أمريكا ضد سكانها الأصليين، ولا في جنوب إفريقيا زمن نظام الفصل العنصري، ولا في استراليا ولا في المستعمرات ولا في مساندته المطلقة للجرائم والإبادة الجماعية التي يقوم بها الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة لإفراغ سكانها الأصليين منها، والتطهير العرقي الذي قادها الصرب والكروات ضد المسلمين في البوسنة والهرسك بإشراف مباشر من القوات الدولية الغربية، ولا في الحرب التي يقودها في أفغانستان وفي العراق وفي الصومال وفي غيرها من الأماكن التي تشعل فيها شركات صناعة السلاح الحروب والمؤسسات المالية الدولية وشركات الثروات والمعادن الإستراتيجية، وتغذي فيها النزاعات العرقية والطائفية، والخلافات السياسية وغيرها وبعناوين مختلفة، وهي قوانين لا مبرر لها سوى تأكيد التمييز والعنصرية، وإسقاط معنى المواطنة على غير الرجل الأبيض، مثل قانون التنصت على الأجانب الذين يلحق بهم في أمريكا، الأمريكيين من العرب والمسلمين خاصة. وقانون منع الحجاب والرموز الدينية في فرنسا...وفسح المجال واسعا للإساءة للأنبياء والرموز الدينية والمعنوية للشعوب، في تركيز خاص على الإساءة للنبي محمد نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم الذي بعثه الله للناس كافة، باسم الحرية وحرية الصحافة والتعبير، وهو لعمري من أكبر الإعتداءات على حقوق المواطنة، ومن أكبر الإخلالات بمعنى المواطنة في غرب المواطن والمواطنة. وإبادة الملايين من العرب والمسلمين في فلسطين والعراق والصومال والشيشان وأفغانستان باسم محاربة الإرهاب. وإقامة الدنيا وعدم إقعادها بالمقابل بسبب فرد واحد أو مجموعة من الأفراد من الجواسيس والمرتزقة أو غيرهم من الغربيين ، لمجرد إحالتهم على التحقيق والقضاء، بسبب أن يكونوا قد ارتكبوا من الجرائم والمخالفات التي تجعلهم تحت طائلة القانون في أي بلد من أوطان شعوب أمة العرب والمسلمين، أو بأي من أنحاء العالم المستضعف، مثلما حصل للكثير ممن يقال أنهم صحفيون أو عمال إغاثة أو غيرهم في العراق وأفغانستان، وما حصل
للممرضات البلغاريات بليبيا، وغير ذلك من الأمثلة في الكثير من أنحاء العالم غير الغربي...هذا العالم الذي، على قاعدة محاربة الإرهاب التي يقودها الغرب الإستعماري الصليبي العنصري الإرهابي الحليف الإستراتيجي للكيان الإرهابي الصهيوني في قلب العالم العربي الإسلامي والنظام العربي و"الإسلامي"، ضد الإسلام والمسلمين وحركة التحرر العربي الإسلامي في العالم العربي الإسلامي والعالم، لا يتعامل فيه الصليبيون الجدد من اليمين المتطرف المسيحي الذين اعتلوا سدة الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية، مع الأمريكي الأصل والبريطاني والفرنسي الأصل كذلك وغيرهم من موقع الإنتماء إلى تنظيم القاعدة بنفس الطريقة التي تعاملوا بها مع غير البيض، من العرب والمسلمين المنتمين لنفس التنظيم ومن أجل نفس التهمة.
هذا العالم هو الذي لا ينقطع فيه الحديث عن المواطنة وحقوق الإنسان في غير تمييز بين أبناء الوطن الواحد. وهو الذي لا يستقر فيها على حال، وبقي المعنى الوحيد الثابت فيها، هو الرجل الأبيض الذي لا إنسانية ولا مواطنة في الأصل لغيره معه في العالم.
فإذا كان النظام العلماني الذي أصبح اليوم مطلوبا لذاته، بصرف النظر عن استجابته للإستحقاقات اللازمة لصيانة إنسانية الإنسان من عدمها. فهو غير القادر اليوم على توفير تلك الإستحقاقات والإستجابة لها، ولنا في المثل التركي ما نرى من إصرار للعلمانيين على النظام العلماني الذي لم يعد إفلاسه يخفى على أحد. ولنا في إنجازات النظام العلماني الليبرالي الديمقراطي الغربي في العراق كسجن أبو غريب ومعتقل قوانتنامو في كوبا أوضح صورة، وسجن باغرام في أفغانستان وغيره من السجون هناك، والسجون السرية التي أوجدتها الأمبراطورية الأمريكية، بتواطئ مع الغرب الصليبي في أنحاء مختلفة من العالم، والسجون الصهيونية في فلسطين المحتلة، وسجون الأنظمة في أوطان شعوب أمة العرب والمسلمين، والأوضاع الفاسدة السائدة فيها وفي العالم خير وأكبر دليل على ذلك، فإن النظام العلماني الغربي الأصيل لا يمنح صفة المواطنة إلا للإنسان الغربي الأبيض على الأقل على وجه التحديد، وإذا كان غيره من الأجناس والأعراق والألوان والأديان يتمتعون فيه ببعض الحقوق أو بالكثير من الحقوق، وعليهم فيه الكثير من الواجبات، فإن مواطنتهم تبقى منقوصة لما ينقصهم من الحرية ومن السيادة الكاملتين بسبب ما يختلفون فيه مع الرجل الأبيض من لون وثقافة وعقيدة وعادات وتقاليد...
وإذا كان النظام العلماني الغربي الأصيل كذلك، فإن النظام العلماني الدخيل المغشوش الهجين في أوطان شعوب أمة العرب والمسلمين خاصة لا تمنح هذه الصفة لأفراد الشعوب، لما يكون الإنسان فيها، بحكم طبيعتها العلمانية الدخيلة وبحكم تبعيتها للغرب، مسلوب الحرية والسيادة، وليس له حقوق وليس عليه إلا والواجبات...ولعل هذا هو معنى الرعية الذي يقصده الرفاق والأخوة العلمانيون في تونس في مختلف تصريحاتهم ومواقفهم من مختلف مواقعهم، وهو من معاني المواطنة قديما في أنظمة سياسية مختلفة، وفي أزمنة سابقة مختلفة، وفي أماكن مختلفة ولدى مجموعات بشرية مختلفة، وفي ثقافات وحضارات قديمة مختلفة..ولعلهم استندوا في ذلك إلى ذلك المصطلح الرعواني العامي الجاري على ألسنة العامة في ثقافة السوقة، وفي السائد من الخطاب الساذج المبتذل الذي فيه إشارة إلى الدونية والرعوية والسذاجة والغباء وسهولة الإنقياد، بعيدا عن المساواة الكاملة المطلوبة بين أفراد المجتمع. وهي الصفة التي تجد لها أصلا في الموروث الثقافي الإسلامي، والتي على أساسه ظل تداولها جاريا على ألسنة الناس. وهو المعنى الذي كرسته عصور الإنحطاط والملك العضوض. وهو الذي لا وجود لأصل له في الإسلام كما سيأتي بيان ذلك لاحقا.

(1) تعريب عمار الجلاصي وعلي لجنف – نشر دار المعرفة للنشر 1980 .
(2) لمزيد الوضوح أنظر - كتابنا : المشروع الثقافي للدولة العلمانية في العالم الإسلامي – التداعيات والمخاطر-

(يتبع)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.