لقد تناولت في مناسبات عديدة سابقة مراكمة وزارة التعليم العالي التونسية للأرقام القياسية مما ضمن لها دخول موسوعة"غينيس" اذ استطاعت وبمجهود خارق غير مسبوق أن تحقق المعادلة الصعبة بين أهداف ثلاث كان يعتبر من الصعب الملائمة بينها وجمعها في بند واحد كامل متكامل وهي التفقير المادي والتجميد العلمي والاذلال الاداري؟؟؟ *أما التفقير المادي فقد تحقق بامتياز من خلال تكريس منظومة انصاف عبر البطاقة البيانية في الأجر محنة ونكبة الجامعيين التونسيين بتجميد أجور الجامعيين مقارنة بأصناف أخرى ضمنت التطور الطبيعي باعتبارها قطاعات رقابية مثل القضاة والمالية،والتطور الطفيلي الموازي حصولا على الهدايا والهبات والسفرات المدفوعة التكاليف والرشاوى،فضمن الجامعي التونسي لنفسه ولعائلته ارتداء الملابس المستعملة والنعال القديمة ،ومداومة الاقتراض البنكي لانخرام مستوى أجره نتيجة تظافر تحجر وزارة الاشراف وانهيار قيمة صرف الدينار،والارتفاع الجنوني لتكاليف الحياة وانعدام الرشاوى والمداخيل غير المصرح بها لمصالح الضرائب؟؟؟ *وأما التجميد العلمي والوظيفي فهو ناتج عن قرار وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والتكنولوجيا حرمان الجامعيين التونسيين من حقهم الطبيعي في الارتقاء من خطة أستاذ مساعد الى خطة أستاذ محاضر الذي أصبح منّة أو اكراميّة أو"عيدية"تمنحها الوزارة باعتبار فتح الخطط السنوية لمناطق دون أخرى ،واختصاصات دون أخرى مما نتج عنه انسداد الأفق العلمي والتجمد الوظيفي بعد انسداد الأفق المادي.وقد نتج عن هذا التجميد العلمي أو الوظيفي المكرّس بسلطة القانون الاعتباطي أن أصبح الزملاء خاصة ممن ناقشوا دكتوراه الدولة أو اجتازوا مناظرة التأهيل بالملف أو الدرس مجمدين في ماتبقى من سنوات قليلة أو حتى سنة واحدة قبل تقاعدهم في خطة أستاذ مساعد مما جعلني أشبّه هؤلاء بالمقدمين على الزواج الذين يسمح لهم بعقد قرانهم دون السماح لهم بمعاشرة زوجاتهم فيصبحون رغما عن أنفهم في منزلة بين المنزلتين فلاهم عازبون ولا هم متزوجون،ونحن بطبيعة الحال في بلد يفتخر بالاصدار المبكر لمجلة الأحوال الشخصية المكرسة لقدسية الزواج عبر تكوين الأسرة؟؟؟ *أما الاذلال الاداري والذي يتكرّس يوما بعد يوم ونحن في سنة الحوار مع الشباب،وغيابه مع الكهول والشيوخ العاملين في شتى القطاعات وبصفة خاصة قطاع التعليم العالي التونسي،يتجسم هذا الاذلال المأسس من خلال قافلة صحية من الاجراءات الردعية التأديبية المنافية لحقوق الانسان كرفض الترسيم في الخطة،ورفض النقلة والمناقلة حتى في وجود ملف صحّي مدعم ،وفي العقوبات التأديبية المتميزة مثل الاستجواب ولفت النظر والتنبيه والانذار،وخاصة في التمديد لبعض الجامعيين في سن التقاعد المرتبطين بشعب التعليم العالي وبالخطط الرقابية،ورفضه للنقابيين وللمناضلين المجتمعيين غير المرغوب في نشاطهم العلمي قبل النقابي.والهدف من وراء كل هذه الاجراءات بعد تحقيق البندين السابقين وهما الافقار المادي والتجميد العلمي تحويل الجامعيين التونسيين وفي سنة الخمسينية الى موظفين عاديين جدا،مفرغي الجيب،محبطي الارادة ،مستسلمين للأمر الواقع الرديء بامتياز اداريا وعلميا،مؤهلين للقبول بكل التجاوزات والنتهاكات بدعم اتحاد المنشور83 أي القيادة البيروقراطية للاتحاد العام التونسي للشغل الحريصة على نكبة الجامعيين أكثر من الوزارة نفسها عبر اعطاء الأولوية القصوى لمرصد الحريات الأكاديمية؟؟؟ ويعتبر أنموذج المراسلة المصاحب لهذا المقال هدية جديدة أصيلة ومتأصلة في هذا السياق التدميري لنخوة ومكانة الجامعيين من خلال ربط مراسلات الجامعيين بأنموذج وجوبي،ولعل ذلك يعكس بامتياز التوجه الانفتاحي والحواري الذي تعتمده وزارة التعليم العالي التونسية مع منظوريها المنتهكة حقوقهم المادية والمعنوية في سنة الخمسينيةتكريسا للعلاقة الحميمية الفريدة من نوعها بين كل وزارات التعليم العالي في أنحاء العالم قوامها الوئام الكامل والاحترام المتبادل وتكريس الحقوق قبل الواجبات والحرص على الوصول بالجامعة التونسية وبالقائمين عليها الى أعلى وأسمى المراتب ماديا وعلميا واجرائيا.فطالما أن المشرفين على الوزارة هم جامعيون ونحن جامعيون أيضا فها أن ارسال هذا الأنموذج يكشف على أن الجامعيين التونسيين بمختلف رتبهم من المساعد الى أستاذ التعليم العالي ترددت ملكات أسلوب مكاتباتهم الى مستوى تلاميذ الاعدادي والثانوي غير الحاذقين في كل الأحوال لصيغ التراسل المتعارف عليها مما دفع سلطة الاشراف الاداري الى تلقينهم آليات التراسل في غياب الحوار وسداد الحقوق ونحن بالمصادفة في سنة الخمسينية التي لم نحصد فيها من مكافئة تذكر سوى أنموذج التراسل؟؟؟؟ وتجدر الاشارة الى أن العديد من الزملاء الجامعيين من الذين فكروا أو اضطروا في مناسبة ما الى مراسلة سلطة الاشراف الاداري بصفة مباشرة أو غير مباشرة عبر التسلسل الاداري قد خاضوا تجربة محبطة بكل المقاييس لتكللها بالفشل الذريع،اما من خلال الصمت غير المبرر على مراسلاتهم،أو من خلال الجواب غير المقنع المدعم بسلطة القانون المكرّس لفوقية الادارة التونسية ولعدم التزامها بخدمة المواطن عمومات والجامعي خصوصا المستهدف ماديا ووظيفيا وحتى انسانيا من خلال التطاول على كرامته ونخوته وآدميته التي يراد لها أن تصبح "عملة غير قابلة للصرف"؟