دعا معارضون تونسيون في الخارج الحكومة التونسية إلى تمكينهم من العودة إلى بلادهم، بشكل آمن وكريم. جاء ذلك خلال مؤتمرهم الأول الذي عقدوه في جنيف يومي الحادي والعشرين، والثاني والعشرين من الشهر الجاري، وكان بالتزامن مع الاحتفال العالمي بيوم اللاجئين. شهد المؤتمر الذي حضره أكثر من مائة وخمسين شخصية معارضة، إطلاق مبادرة "حق العودة"، التي تهدف إلى تأسيس منظمة دولية تعمل على تسهيل عودة المنفيين والمهجرين التونسيين إلى بلادهم. ويطالب المؤتمرون وفقا للبيان الصادر عنهم ب "عودة شاملة لا تستثني أحدًا منهم، وأن تضمن لهم الحق في التنقُّل والإقامة"، وممارسة ما سمَّوه "حقوقهم العقائدية والسياسية، وحريتهم في مواصلة نضالهم السلمي من أجل ما يرونه مصلحةً عامةً، بكل الوسائل المشروعة التي يضمنها الدستور والقانون". يقدر عدد المنفيين التونسيين بالمئات موزعين على خمس قارات، وينتمي معظمهم إلى حركة النهضة الإسلامية المحظورة، كما ينتمي بعضهم للحزب الشيوعي التونسي المحظور أيضا، بالإضافة إلى مستقلين، وأعضاء في حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، برئاسة الحقوقي منصف المرزوقي الذي عاد إلى تونس، لكن أتباعه لم يتمكنوا من ذلك، لأن بانتظارهم أحكاماً قضائية. يأمل منظمو المؤتمر الذين حظوا بدعم من داخل تونس وأيضا من خارجها، إذ حضر المؤتمر عمدة مدينة جينيف ريمي باغاني، أن تصدر الحكومة التونسية عفوا رئاسيا عن جميع المنفيين، وأن لا يلاحقوا أمنيا بعد عودتهم، أسوة بمبادرة الوئام المدني في الجزائر، التي أتاحت لمقاتلي الجيش الإسلامي للإنقاذ عفوا شاملا، بالرغم مما ارتكبوه من مذابح. ويقارن المراقبون عودة المنفيين التونسيين إلى بلادهم بعودة نظرائهم الليبيين، حيث تتشابه الإجراءات والظروف إلى حد كبير، وتشترط السلطات الليبية أن يعود المعارض من خلال مؤسسة القذافي للتنمية، وأن يتعهد بالتوقف عن العمل السياسي أو الحقوقي، كما يسمح له بالعودة مستخدما جواز سفره الليبي، والفارق بين البلدين أن تونس تسمح بالتعددية الحزبية، وإنشاء منظمات المجتمع المدني ولو شكليا، بينما تمنع ليبيا ذلك. لا يرغب معظم المنفيين بالعودة الفردية وفقا لشروط النظام، حيث وجد العديد من العائدين أنفسهم في متاهات أمنية وقضائية لا تنتهي، كما وجدوا أن أسماءهم مثبتة في أجهزة الكمبيوتر في المطارات والمنافذ الحدودية. وبالرغم من عدم ممانعة الحكومة في عودة المنفيين بشكل منفرد إلا أنها تهدف من إبقاء ملفاتهم الأمنية والقضائية مفتوحة إلى منعهم من العمل السياسي، وهو ما يرفضه معظم المنفيين الذين يطالبون بالسماح لهم بالعمل السياسي السلمي، وفقا لقناعاتهم وطبقا للدستور وأحكام القانون. عودة كريمة : وفي اتصال هاتفي مع إذاعة هولندا العالمية، قال عماد الدايمي أحد منظمي المؤتمر إن الهدف من المؤتمر هو "تجميع كافة المهجرين التونسيين أو ممثليهم من مختلف البلدان، للنقاش حول هذه القضية الشائكة، وللبحث عن حلول حقيقية لهذه المأساة والتي دامت طويلا، واستمرت مع البعض طوال عقدين، وأيضا كيف نجد السبل للضغط على السلطة من أجل حل هذا الإشكال، وتمكنا من تجميع أكثر من مائة وخمسين شخصية، تمثل المهجرين الموزعين على أكثر من خمسة عشر بلدا". وعن مطالب المؤتمرين قال الدايمي "نطالب بإزالة كل الموانع من أجل عودة كريمة وآمنة إلى البلاد، وأن تكون هذه العودة غير مشروطة، وبدون محاكمات جديدة كما حدث لبعض العائدين، وبإسقاط الأحكام الجائرة التي صدرت في فترة مظلمة من تاريخ البلاد، مورس فيها التعذيب، ولم تكن فيها المحاكمات عادلة." معاملة غير لائقة : ومن بين هؤلاء المهجرين مرسل الكسيبي، الإعلامي التونسي، رئيس تحرير صحيفة الوسط الالكترونية، والمقيم في ألمانيا، والذي عاد ثلاث مرات إلى بلاده، بعد وعود بتسهيل عودته وإقامته ولكنه عاد بانطباعات سلبية بعد رحلاته الثلاث، ولا يفكر بالعودة مرة أخرى، إلا بعد أن يسوى ملفه الأمني والقضائي جملة وتفصيلا. وفي مكالمة هاتفية مع إذاعة هولندا العالمية قال الكسيبي أنه يستبعد العودة مرة أخرى "نظرا لما لقيته من معاملة غير لائقة مما دفعني إلى اتخاذ قرار بالتربص، على اعتبار أن الوضع العام لا يشجع على العودة، أو الانفتاح السياسي، ولا يشجع على الاعتراف الحقيقي بوجود معارضين لهم حق الاختلاف مع السلطة، علاوة على أن المعاملة التي لقيتها أثناء فترة الاعتقال والاحتجاز تنم عن نوايا سيئة." ويقول الكسيبي أن إصدار عفو رئاسي، وإسقاط كافة الأحكام الصادرة هو "أقل ما يمكن أن نراه في حيز واقعي، أي أن نعود إلى الوطن بعد إلغاء الأحكام. وإلغاء الأحكام لا يمكن أن يمر من خلال محاكمات ماراثونية فيها استنزاف مادي ونفسي.