أكد البنك الدولي في مذكرة نشرها أواخر ماي 2019 بعنوان "الاقتصاد الاجتماعي والتضامني: خطوة إلى الأمام للقضاء على الفقر في تونس" ان تونس شهدت تونس تقدما اقتصاديا واجتماعيا قويا في العقود الأخيرة، لكن عملية التقارب بين التقدم الاجتماعي والتنمية الاقتصادية تباطأت بسبب انخفاض مستوى الاستثمار منذ أوائل العقد الأول من القرن الحالي، ما ادى الى استمرار أوجه عدم المساواة الاجتماعية والجهوية. ومنذ عام 2011، وفي ظل، ارتفاع نسب الديون الخارجية والديون العامة من الناتج المحلي الإجمالي التونسي جرى التأكيد على ضرورة إعادة المؤشرات المالية إلى مسار مستدام دون إبطاء النمو بالتوازي مع إعادة توجيه الإنفاق العام لصالح الفئات المهمشة في سياق ما يسمى النمو الشامل. ويرى البنك الدولي بالتالي، ان ارساء اقتصاد اجتماعي وتضامني أمر ضروري لخلق فرص اقتصادية لصالح الفئات المهمشة. غير ان صدور القانون عدد 30 لسنة 2020 المتعلق بالاقتصاد الاجتماعي والتضامني المؤرخ في 30 جوان 2020، ليختم مسارا تشريعيا دام سنوات طويلة، لم يجر اتباعه بنصوص ترتيبية تضمن تطبيقه ولم يتجسم ما كان منتظرا الى اليوم على صعيد مساهمة هذا القانون في الحدّ من الفقر والتهميش والبطالة رغم وجود مئات المؤسسات المحسوبة على الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، كالتعاضديات والتعاونيات وغيرها، التي تشتغل منذ سنوات طويلة، من جهة واشتداد الازمة الاجتماعية في تونس والتي يكمن لقطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني التخفيف من وطأتها، من جهة أخرى. هذا وأبرز المرصد التونسي للاقتصاد في نشرة أصدرها حديثا بعنوان "تمويل القطاعات ذات الأولوية كحلّ لتمويل الاقتصاد التضامني الاجتماعي" انه قد تمت المصادقة في تونس على قانون الاقتصاد الاجتماعي التضامني منذ جوان 2020 حيث يمثل هذا القانون أول إطار تشريعي ينظم الاقتصاد الاجتماعي التضامني في تونس بما يطور مساهمته في خلق مواطن الشغل ودفع النمو الاقتصادي كما ينص عليه القانون ومن خلال السعي الى التوفيق بين النشاط الاقتصادي والعدالة الاجتماعية من خلال الابتكارات الاجتماعية وضمان تكافؤ الفرص حسب تعريف منظمة العمل الدولية. غير ان المصادقة على القانون في حد ذاته لم يكن كافيا لتحقيق أهدافه بسبب تأخر اصدار الاوامر الترتيبية للقانون ووضعية المالية العمومية الصعبة التي تمنع الدولة من تخصيص اعتمادات تمويل للقطاع. وتم التذكير بان لجنة الفلاحة والامن الغذائي في صلب في مجلس نواب الشعب تناولت هذا الموضوع في جلسة استماع لمحافظ البنك المركزي مروان العباسي بتاريخ 4 مارس 2021 لبحث سبل تفعيل الفصل 15 من القانون الذي يتعلق بإحداث اليات تمويل خاصة بالاقتصاد الاجتماعي التضامني للقطاع الفلاحي. واختلفت مقاربة النواب في ذلك الحين للقطاع الفلاحي عن مقاربة البنك المركزي حيث سعى النواب الى ايجاد حلول في محاولة منهم لاستغلال قانون الاقتصاد الاجتماعي التضامني للنهوض بقطاع الفلاحة بصفته قادرا على تحقيق الامن الغذائي أولا وقيمة اقتصادية مضافة ثانيا والمساهمة في خلق مواطن شغل جديدة ثالثا. اما البنك المركزي فركز على تشعب العقبات خاصة منها القانونية على غرار احداث بنوك تعاضدية التي نص عليها الفصل 15 من القانون. ويعود النقاش، وفق المرصد، حول قانون الاقتصاد الاجتماعي التضامني وسبل تمويله للواجهة بعد سنة مع نشر وزارة التشغيل والتكوين المهني لبيان تفيد فيه بتخصيص حكومة السيدة نجلاء بودن اعتمادات بقيمة 30 مليون دينار لتمويل الاقتصاد الاجتماعي التضامني على مدى ثلاثة سنوات ابتداء من السنة الحالية 2022. كما صرح وزير التشغيل والتكوين المهني نصرالدين النصيبي أن مشاريع النصوص التطبيقية الخاصة بالقانون تحتاج مزيدا من التدقيق حيث تولّت رئاسة الحكومة عرض مقترح تعديل قانون الاقتصاد الاجتماعي والتضامني على كل الوزارات المعنية لدراسته. ولم يتضمن بيان الوزارة او التصريح الذي قام به وزير التشغيل والتكوين المهني اي معلومات او تفاصيل حول القطاعات التي سيقع توجيه هذه التمويلات نحوها او عن طبيعة هذه التمويلات. وتبقى مراجعة الإطار القانوني والعمل على تحسينه حجر اساس لتحقيق الاهداف التي بعث من أجلها قانون الاقتصاد الاجتماعي والتضامني لكن تبقى محدودية موارد الدولة عقبة امام تحقيقها مما يستوجب من سلطة الاشراف ايجاد حلول مبتكرة على غرار ما يعرف ب "تمويل القطاعات ذات الاولوية" الذي تعتمده السلطات الهندية منذ الستينات. كما ان اضفاء المزيد من الوضوح على قانون الاقتصاد الاجتماعي وسبل تمويله والقطاعات المعنية وطبيعة التمويلات سيفضي الى تحقيق اهدافه الاقتصادية والاجتماعية المتمثلة حسب نص القانون في خلق مواطن الشغل ودفع النمو الاقتصادي لإيجاد حلول مبتكرة على غرار التجربة الهندية سيعزز هذه النتائج وسيضمن تكافؤ الفرص بين مختلف المتدخلين الاقتصاديين. غير ان القانون يبقى فاقدا لاي معنى في ظل غياب المراسيم اللازمة لتطبيقه والتي استحال إصدارها لأسباب "مجهولة" يبدو انها تتعلق أساسا بإشكال احداث بنوك تعاونية تقوم على مساهمات المشاركين فيها، وتكون وسيلة لتمويل مشاريع قطاع الاقتصاد الاجتماعي التضامني غير ان أطرافا ترى ان وجود هذه البنوك لا يتكامل مع مهام البنوك التجارية القائمة. ويبقى بذلك القطاع هامشيا، حيث ان وجوده يقتصر على الجانبين السياسي والتشريعي في ظل مصادرة أحد أبرز اليته وهي الالية المالية. هذا وقد أثبتت التجربة كذلك أن الأوامر التطبيقية معضلة تعطّل تطبيق عشرات القوانين لسنوات أحيانا. دون اغفال أن التشريع، على أهميته، سيما في مجال الاقتصاد الاجتماعي والتضامني لا يكفي أبدا لتأسيس دينامية اقتصادية جديدة، لا يكون الربح مبتغاها الأساسي، بل تجمع بين الغاية الاجتماعية والإنسانية، ومقومات الاستمرار والديمومة. ويؤكد الخبراء ان الاوامر اللازمة لضمان تطبيق القانون يجب ان تتمحور حول ست أوامر : أمر يضبط إجراءات وشروط اسناد علامة "مؤسسة اقتصاد اجتماعي تضامني" وسحبها، أمر يضبط تركيبة المجلس الأعلى للاقتصاد الاجتماعي والتضامني ومهامه وطرق سيره، أمر يضبط التنظيم الإداري والمالي للهيئة التونسية للاقتصاد الاجتماعي والتضامني والنظام الأساسي الخاص لأعوانها، أمر يتضمن نظام أساسي نموذجي للبنوك التعاضدية، أمر يحدّد النسبة المخصصة لمؤسسات الاقتصاد الاجتماعي والتضامني من الطلبات العمومية والشروط المستوجبة، وأمر يضبط الامتيازات المالية لفائدة مؤسسات الاقتصاد الاجتماعي والتضامني.