تعالت أصوات بعض نواب الأغلبية الحاكمة والمساندين للحكومة هذه الأيام بمناسبة نقاش مشروع ميزانية الدولة ومشروع قانون المالية ومشروع الميزان الاقتصادي لسنة 2018، وحتى قبل ذلك خلال نقاش مشروع قانون المالية التكميلي لسنة 2017 وغيره للمطالبة ببيع المؤسسات العمومية التي تمر بصعوبات مالية لتجاوز الضغوط على المالية العمومية لأن هذه المؤسسات على حد قولهم أضحت عبئا ثقيلا على الدولة وعلى دافعي الضرائب من ابناء الشعب، فهي في نهاية المطاف تقتات من جيوبهم. وبينوا أن هذه المؤسسات لم تبذل الجهود الكافية لكي تخرج من النفق المظلم الذي دخلت فيه منذ أمد طويل.. نفق التداين. وقالوا إنه من غير المنطقي أن تواصل الدولة دعم مؤسسات عمومية تنشط في قطاعات تنافسية الى ما لا نهاية، ومن غير المقبول أن تأتيهم الحكومة بين الفينة والأخرى بمشاريع قوانين تتعلق باتفاقيات ضمان الدولة في هذه المؤسسات الخاسرة كي تحصل على قروض من بنوك اجنبية لكي ينجز استثمارات بالإمكان ان يقوم بها القطاع الخاص في اطار قانون الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص، واعترضوا بشدة على ضمان الدولة في تلك المؤسسات رغم إدراكها مسبقا أنها لن تسطيع تسديد ديونها. وفي المقابل يقول عدد من نواب المعارضة إن مجرد التفكير في بيع المؤسسات العمومية مرفوض.. مرفوض، وان هذه المؤسسات خط احمر وعلى الدولة أن تبحث عن حلول اخرى لتمويل عجز الميزانية والا تضع فرضية التفويت للخواص في اي سهم من اسهمها في تلك المؤسسات اطلاقا لأن التجربة أكدت ان الشعب التونسي لم يربح شيئا من الخوصصة بل استفادت منها لوبيات الفساد فحسب وطالبوا بالمحاسبة أولا. ولا شك أن هذا الجدل الايديولوجي والسجال بين الشق الليبرالي والشق الاشتراكي تحت قبة البرلمان سيكون خلال الأسابيع القادمة بمناسبة نقاش الميزانيات القطاعية أحد بكثير لأن كل وزير سيقدم لهم بيانات اضافية وسيطلعهم على ارقام تفصيلية تلخص الوضع الكارثي الذي اضحت عليه العديد من المؤسسات العمومية.. هو إذن سجال بين شقين لا بين كتل برلمانية وكتل اخرى، لأن مواقف الكتل من هذا الملف، وحسب النقاشات التي دارت الى حد الآن لم تتبلور بعد بشكل واضح وحاسم، فداخل نفس الكتلة هناك نواب أصبحوا لا يفوتون اي جلسة يحضرونها دون المطالبة بالتفويت في المؤسسات العمومية وفي منابات الدولة في المؤسسات التي تنشط في قطاعات تنافسية لكن هناك ايضا نواب يعبرون عن انشغالهم بتأزم الوضع المالي لعدد من المؤسسات العمومية بشيء من الاحتشام والوجل ربما مرده الخوف من ردة فعل الشارع وحتى الحلول التي يقترحونها فهي لا تختلف كثيرا عن الحلول التي ينصح بها نواب المعارضة ويلقون في النهاية بالكرة الى الاحزاب والمنظمات ويطالبونها بفتح حوار وطني لدراسة هذا الملف والتوصل الى حلول توافقية. وفي منطقة وسطى بين هذا الشق وعبرت عليه خلال نقاش مشروع الميزانية بجرأة النائبة عن نداء تونس زهرة ادريس وبين الشق الآخر وعبر عليه بثبات النائب عن الجبهة الشعبية نزار عمامي يقف عددا آخر من النواب لا في هذا الصف ولا في ذاك على غرار حسام بونني عن نداء تونس ونعمان العش عن التيار الديمقراطي. الاصلاح أولا.. يقول حسام بونني مقرر لجنة المالية والتخطيط والتنمية والنائب عن نداء تونس في تصريح ل «الصباح» إنه قبل الحديث عن خوصوصة المؤسسات العمومية يجب القيام ببرنامج متكامل لاصلاحها بعيدا عن التجاذبات الايديولوجية والمواجهات السياسية الضيقة التي لن تحل المشاكل الحقيقية التي تعاني منها العديد من المؤسسات. وقال انه بإمكان الدولة وبعد القيام بتشخيص دقيق لوضعية المؤسسات العمومية وبعد اصلاح المؤسسات التي تمر بصعوبات أن تقوم بدراسة جدية حول المكامن التي يمكن اسنادها للقطاع الخاص وذلك في اطار رؤية شاملة. وفسر بونني انه يريد ان تكون هذه الدراسة حالة بحالة شريطة عدم المس اطلاقا من المؤسسات العمومية التي تتمتع بجانب سيادي مثل الشركة التونسية للكهرباء والغاز والشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه فموضوع هذه القطاعات لا يناقش اصلا. وفي المقابل بالإمكان الحديث عن قطاعات اخرى تنافسية مثل النقل وغيره، ويجب دراسة كل قطاع حالة بحالة وفهم وضعيته والاشكاليات التي يعاني منها ثم العمل على اصلاحه. وأكد النائب عن النداء انه مع اصلاح المؤسسات العمومية التي تعاني من صعوبات لأن هذه المؤسسات تشغل الاف التونسيين وبالتالي يجب مراعاة هذا الجانب الاجتماعي الهام اضافة الى الجانب السيادي للدولة. وأوضح بونني أنه لا يوافق تماما على فكرة بيع المؤسسات العمومية التي تعاني من صعوبات ولا يرفضها أيضا لأن الخوصصة إذا تبين انها الحل المثالي لتحسين وضعية هذه المؤسسات والنهوض بمواردها البشرية فلا مانع من الذهاب فيها. واوضح بونني أنه من غير الممكن من الناحية المنطقية الحديث عن جميع المؤسسات العمومية دفعة واحدة فكل واحدة لها خصوصياتها وكل قطاع له ظروفه والمطلوب اليوم من الحكومة هو تقديم دراسة مشخصة مفصلة بما فيه الكفاية لنواب الشعب حول وضعيات هذه المؤسسات وحول الامكانيات المتاحة لتحسين وضعية كل واحدة منها وبرامج الاصلاح ولكن في صورة استحالة تحقيق الاصلاحات المطلوبة يمكن اللجوء الى الخوصصة حتى لا تظل هذه المؤسسات عالة على دافعي الضرائب وأوضح انه ضد وضع جميع المؤسسات العمومية في سلة واحدة والحكم عليها بأنها عاجزة وان الحل في خوصصتها. ولاحظ أن الرأي الذي تكرر كثيرا خلال اجتماعات لجنة المالية تمثل في التفويت في مساهمات الدولة في بعض البنوك وهي ليست مساهمات كبيرة وليس لها مردودية هامة على وضع المالية العمومية ويعتبر النواب انه من الانسب التفويت فيها بما يدر على ميزانية الدولة مداخيل اضافية وهو حل انسب لتونس وأفضل بكثير من التداين الخارجي الذي تفاقم. وأضاف بونني أنه مع هذا الرأي ويعتبر أنه من الأفضل التفويت في هذه المساهمات. الحوكمة قبل كل شيء.. يقول نعمان العش النائب عن الكتلة الديمقراطية في تصريح ل«الصباح» إنه لا يخفى على أحد أن أغلب المؤسسات العمومية تعاني من صعوبات وسوء حوكمة مما قلص في مردوديتها وأثر سلبيا على جودة الخدمات التي تسديها للمواكن وأفقدها الصبغة التنافسية. وأضاف أن العش ان الحل الأمثل لهذه المؤسسات لا يكمن فقط في خوصصتها بل من المفروض أن لا تلوذ الدولة الى الحلول السهلة بل عليها تطوير حوكمة المؤسسات العمومية واعادة هيكلتها بشكل جيد من اجل تحسين مردوديتها. ولا يختلف النائب نعمان العش عن النائب حسام بونني في الرأي إذ يرى أن ملف المؤسسات العمومية يجب دراسته حالة بحالة ولا يمكن الاتجاه نحو التخصيص هكذا وبكل سهولة دفعة واحدة ودون فتح ملفات هذه المؤسسات ودون محاسبة من كان سببا في تدهور وضعياتها المالية. وأشار الى انه بهذه الكيفية يمكن انتهاز جميع الفرص المتاحة لإنقاذها ولإعادتها إلى الصادرة وإلى ما كانت عليه قبل ان تتدهور وضعيتها. ◗ سعيدة بوهلال نوفل الجمالي: سننطلق يوم الاربعاء في نقاش مشروع قانون الهيئة الدستورية لحقوق الانسان قال نوفل الجمالي النائب عن النهضة والرئيس الجديد للجنة الحقوق والحريات والعلاقات الخارجية بمجلس نواب الشعب في تصريح خاطف ل «الصباح» إن اللجنة ستشرع يوم الاربعاء القادم في النقاش العام لمشروع القانون الأساسي المتعلق بهيئة حقوق الانسان. وتجدر الاشارة الى ان الحكومة احالت هذا المشروع على مجلس نواب الشعب منذ السنة الماضية وذلك في اطار استكمال النصوص القانونية المتعلقة بالهيئات الدستورية المستقلة لكن لم يكن امام اللجنة متسعا من الوقت للنظر فيه لأنها قضت برئاسة النائب عماد الخميري اشهرا طويلة في نقاش القانون الاساسي المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة وقانون الابلاغ عن الفساد وحماية المبلغين عنه. ويرمي مشروع القانون الاساسي المتعلق بهيئة حقوق الانسان الى احداث هيئة حقوق انسان طبقا لما نص عليه الفصل 128 من الدستور وجاء فيه ان الهيئة تراقب احترام الحريات وحقوق الانسان وتعمل على تعزيزها وتقترح ما تراه لتطوير منظومة حقوق الانسان وتستشار وجوبا في مشاريع القوانين المتصلة باختصاصها ونص نفس الفصل على ان الهيئة تحقق في حالات انتهاك حقوق الانسان لتسويتها او احالتها على الجهات المعنية وتتكون الهيئة من اعضاء مستقلين محايدين من ذوي الكفاءة والنزاهة يباشرون مهامهم لفترة واحدة مدتها ست سنوات. أضاف الجمالي أن لجنة الحقوق والحريات والعلاقات الخارجية ستتدارس بالتوازي مع هذا المشروع مشاريع بعض الاتفاقيات الدولية المحالة عليها مثل الاتفاقية المتعلقة بالاعتداءات الجنسية على الاطفال كما ستنظر في المبادرة التشريعية التي اقترحها النائب عن افاق تونس ونداء التونسيين بالخارج رياض جعيدان وهي عبارة عن مقترح قانون اساسي يتعلق بتنظيم حالة الطوارئ. وبخصوص مشروع ميزانية الدولة لسنة 2018 أوضح الجمالي أن لجنته مطالبة بدراسة ميزانيات وزارة الشؤون الدينية ووزارة الشؤون الخارجية وميزانية رئاسة الجمهورية وأخيرا ميزانية هيئة الحقيقة والكرامة وبين انه لم يقع تحديد مواعيد الجلسات المخصصة للنظر في هذه الموازنات بعد. ◗ بوهلال بداية من هذا الأسبوع :اللجان البرلمانية تشرع في نقاش أبواب مشروع ميزانية الدولة بابا بابا طبقا لمقتضيات الفصل 90 من النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب تنطلق اللجان البرلمانية القارة بداية من هذا الأسبوع في نقاش أبواب مشروع ميزانية الدولة لسنة 2018 وذلك بالتوازي مع الأشغال الجارية داخل لجنة المالية والتخطيط والتنمية المكلفة أصالة بالنظر في مشروع قانون المالية ومشروع ميزانية الدولة ومشروع الميزان الاقتصادي لسنة 2018. وكانت لجنة تنظيم الإدارة وشؤون القوات الحاملة للسلاح سباقة في ضبط مواعيد نقاش الابواب المحالة عليها، وفي هذا الاطار ستعقد يوم الخميس 9 نوفمبر بداية من الساعة التاسعة صباحا جلسة تخصصها للاستماع إلى وزير الدفاع الوطني حول الباب التاسع من مشروع ميزانية، وفي نفس اليوم وبداية من الساعة الثانية والنصف بعد الظهر تستمع اللجنة الى وزير الشؤون المحلية والبيئة حول الباب السادس من نفس المشروع. وتعقد في اليوم الموالي اي الجمعة 10 نوفمبر جلسة استماع الى وزير الداخلية حول الباب الخامس من مشروع الميزانية وذلك بداية من الساعة التاسعة صباحا. ويذكر ان مكتب مجلس نواب الشعب احال منذ الخامس والعشرين من اكتوبر الماضي ابواب مشروع الميزانية على مختلف اللجان كل واختصاصها ومنحها أجلا لا يتجاوز الاسبوعين لدراستها وتقديم تقارير في شأنها لكي تحال تلك التقارير على لجنة المالية ومن خلالها تعد التقرير التأليفي الذي سيقع عرضه على انظار الجلسة العامة. ولضمان حسن الاستفادة من هذه المناسبة السنوية سيكون حري برؤساء اللجان عقد جلسة تنسيقية مع بعضهم البعض قبل برمجة جلسات الاستماع الى اعضاء الحكومة حتى تحصل الفائدة المرجوة أولا وثانيا حتى لا يتكرر نفس المشهد الذي حصل خلال السنوات الثلاثة الماضية بمناسبة نقاش الموازنات القطاعية.. مشهد يمكن تلخيصه في جملة واحدة: وزير داخل القاعة ووزير ينتظر امام الباب والآخر في البهو وذلك لصعوبة التحكم في الوقت المخصص لكل وزير كما تقام جلسات في مقر مجلس النواب واخرى تضطر اللجان الى عقدها في المقر الفرعي الواقع في مجلس المستشارين بسبب عدم توفر قاعات شاغرة. ولعل المثير للانتباه هو أنه رغم صغر مساحة القاعات المخصصة لاجتماعات اللجان، فان أغلب الوزراء عندما يأتون الى جلسات نقاش ميزانيات وزاراتهم يصطحبون معهم عددا غفيرا من الاطارات الى درجة ان النواب لا يجدون احيانا مقاعدا شاغرة وترى هؤلاء الاطارات يسجلون ملاحظات النواب ويجيبون كل واختصاه عن الاسئلة المطروحة على الوزير ثم يمررون له ورقاتهم لكي يعتمدها في ردوده.