في حركة احتفائية نوعية، نظّمت جمعيّة جاد للفنون بالاشتراك مع دار الثّقافة عمّار فرحات، خلال نهاية الأسبوع المنقضي بباجة، تظاهرة «يوم المبدع» ودعت إليها عددا من المبدعين أصحاب القلم لتكريمهم والتعريف بمنتوجاتهم وربط الصّلة بينهم وبين متابعيهم من القرّاء ومحبّي منثور الحبر على الورق ووقع الأدب على الروح .أمسية حضرها كل من الأساتذة عمّار التّيمومي ولزهر الصّحراوي وعبد المجيد البراهمي وفرحات المليّح وأحمد الجميلي وأشرف عليها الأستاذ عبد العزيز الباجي عكاز الذي كان وفيا، كعادته، لمثل هذه التّظاهرات من خلال ما قدمه للحضور من إشارات وتساؤلات وأرقام حول أزمة القراءة في العالم العربي وتراجع دور المؤسسة التّربوية في نشر ثقافة القراءة وتثمين النص الأدبي ومركزته لدى المتعلمين ما أثر على التحصيل العلمي من ناحية وعمّق غربة المبدع من ناحية أخرى مشيرا إلى تفشي «سكيزوفرينيا» الإبداع في تونس خلال السنوات الأخيرة وانتشار سياسة احتقار المبدع وإرباك الإبداع من خلال ثنائية المقدس والمدنس... حضور الكاتب عمار التيمومي صاحب كتاب البرنزي الصادر سنة 2016 عن دار ورقة للنشر رافقه حضور لا يقل تميزا للشاعر فرحات مليّح الذي قدم قراءة للكتاب بين ما يكتنفه من ألفة وغرابة مبينا أن الغرابة في الكتاب غرابات كثيرة الأوجه إلى حد مدهش غرابة الاسم (البرنزي ) والحقل الدلالي الذي استمد منه صفة المسمّى وغرابة المكان المتنوّع وغرابة الزّمان الممتد بين الطفولة والشباب والكهولة المرتد إلى الطفولة ... إنه يؤسس في النص لبعد الحلم ورحلة البرنزي لطلب المغايرة وكأنه يبحث عن برزخ بين الغرابة والألفة رحلة لا تحيكها فصول الكتاب بل تبرزها أطوار حركة البطل في أبعادها النفسية والاجتماعية أطوار الخروج والعودة والميلاد حركة ارتداد البطل من الخارج إلى الذّات في انشداد إلى أوتاد هي الحب والجنس والوطن والحلم والجمال والمستقبل... وفي الرواية يتفتت معنى الرحيل فلا حركة تنبئ به ولا أثر يدل عليه .» ... وتولى الروائي لزهر الصحراوي تقديم مجموعة أعماله بنفسه المجموعات القصصية « أضاعوني «و» قد دب السوس في الأخشاب « و» متى كنت حيّا « وباكورة رواياته « وجهان لجثة واحدة « الحائزة على جائز الشارقة والمنشورة بكل من الإمارات والمغرب ولكنها لم تنشر بتونس إلى اليوم وروايته الأخيرة «أراجيف « الحائزة على جائزة كومار وهو يستعد لإصدار مجموعة قصصيّة جديدة بعنوان «مذهلة» وفي الأثناء عرّج الصّحراوي على إشكاليات النشر في تونس وأزمة القراءة و» لعنة»الكتابة التي تلاحق المبدع وتجعله يسترق من وقت عمره ومن مهنته ليكتب دون تفرغ ودون رواج أحيانا. وأمام هذين المبدعين يعرض الأستاذ عبد المجيد البراهمي كتابه « المرايا المسطّحة من بنيوية التفكيك إلى تفكيك العولمة « الذي يضم ستة أجزاء في 1200 صفحة وما أحاط به من صعوبات في النشر وما يلقاه من آفاق للترجمة إلى لغات أجنبية بعد اطلاع عدة نقاد عليه كما ثمنه الباحث أحمد الجميلي في كلمات تفيض حميمية وانسجاما مع الأثر لتكون تظاهرة «يوم المبدع» بباجة فرصة التقاء يحتاجها الروح والعقل ويمتلئ بها المكان والزّمان في انتظار لقاءات أخرى وملاقاة مبدعين آخرين يقتلعون حضور جمهورهم من الأماكن الصاخبة إلى فضاءات الإبداع والإمتاع .