بقلم: فوزي الجلاصي متصرف عام بأملاك الدولة وباحث في القانون I- الوضعية القانونية لعقود 67/68 : لا جدال أن الخوض في هذه المسألة يقتضي معرفة مدى استيفاءها الشروط والمقومات المستوجبة قانونا لصحتها سواء من حيث الشكل (أ) أو من حيث الأصل )ب). )أ)- من حيث الشكل : بالاطلاع على ظاهر تلك العقود، التي أبرمت وفق صيغة نموذجية ، يتضح أن موضوعها يتمثل في بيوعات عقارية، وبالتالي فان معرفة مدى استيفائها الشروط المستوجبة من هذه الناحية يقتضي استعراض النصوص القانونية النافذة زمن عملية التعاقد، سواء كانت نصوصا عامة (1) أو نصوصا خاصة (2). 1) النصوص العامة : فقد اقتضت أحكام الفصل581 مدني أنه « إذا كان موضوع البيع عقارا أو حقوقا عقارية... يجب أن يكون بيعها كتابة بحجة ثابتة التاريخ قانونا...» ويبدو أن لا خلاف بين الفقهاء بخصوص اعتبار شكلية الكتابة في البيوعات العقارية – على معنى الفصل المذكور – شرطا لصحة عقد البيع وبالتالي فان غيابها ينجر عنه بطلان البيع . وبالنسبة لعقود 67/68 يبدو أنها قد استوفت شرط الكتابة على معنى الفصل المذكور، مع الملاحظ أن الكتائب المتعلقة بتلك العقود طرح الإشكال المتعلق بالتعريف بإمضاء الأطراف المتعاقدة، حيث لوحظ أن من أسباب رفض اعتماد تلك العقود، خلوها من تلك الشكلية. فماذا عن الشكليات المستوجبة على معنى النصوص الخاصة؟ 2) النصوص الخاصة : بالنظر الى تاريخ التعاقد، يتضح أن أمر 4/6/1957 المتعلق بالعمليات العقارية يعد من ابرز النصوص الخاصة المنطبقة في مادة البيوعات العقارية، وقد ورد بفصله الأول بعد تعويضه بموجب القانون عدد 25 لسنة 1963 أنه «يجب لصحة العقود والى أن يصدر ما يخالف ذلك أن يرخص والي الجهة الكائن بها العقار في جميع عمليات نقل الأملاك بين الأحياء....». ويتضح مما سلف أن شكلية رخصة الوالي وردت في صيغة الوجوب، وبالتالي فهي من الشروط الشكلية لصحة عملية البيع العقاري، بدليل أن غيابها ينجر عنه بطلان العقد، بصريح الفصل الثاني من الأمر المذكور، الذي أورد أن « كل عقد أو إعلام في إجراء إحدى العمليات المشار إليها بالفصل الأول يجب أن ينص على عدد الرخصة وعلى تاريخها وإلا فان العقد أو الإعلام باطلان ...كما لا يمكن إجراء عملية التسجيل أوالترسيم بالسجل العقاري.» فما هي طبيعة هذا البطلان؟ بالنظر الى ما تضمنته أحكام الفقرة الأخيرة من الفصل الثاني من الأمر المشار إليه التي أوردت «ويقع الحكم بالبطلان بطلب من النيابة العمومية أو من الطرفين أو من كل من يهمه الأمر»، يتبين أن البطلان المقصود هو البطلان المطلق على معنى أحكام الفصل 325 مدني طالما أن إثارته لا تتوقف على مبادرة من أحد أطراف العقد بل تتعداها الى عموم الهيئة الاجتماعية ممثلة في النيابة العمومية . والملاحظ أن المشرع لم يكتف بترتيب بطلان العقد كجزاء على مخالفة أحكام أمر 4/6/1957 بل دعمه بعدم إمكان تسجيله أو ترسيمه بالسجل العقاري . وقد تأيد حرص المشرع على ضرورة احترام مقتضيات أمر الرابع من جوان عندما جرم عملية المخالفة واعتبرها جنحة يؤاخذ عنها جزائيا بعقوبة مالية وحتى بأخرى سالبة للحرية ، سواء لأطراف العقد كفاعلين أصليين أو لمن شاركهم في ذلك . فهل احترمت عقود 67/68 مقتضيات الأمر المشار إليه؟ بالاطلاع على نماذج منها، يتضح أن تلك العقود قد خلت من رخصة الوالي المستوجبة بموجب الأمر المشار إليه، لكن يلاحظ أنها تضمنت تنصيصا مفاده أنها معفاة من تلك الرخصة، فما مدى صحة ذلك التنصيص؟ تتجه الإشارة الى أنه في ما يتعلق بمسألة الإعفاء من شكلية الرخصة فقد أوضحت أحكام الفصل السابع من الأمر المذكور أن «تعفى من تلك الرخصة العمليات الواقعة لفائدة الدولة والبلديات.» ويتضح من صيغة هذا الفصل أن أحكامه وردت على سبيل الحصر والاستثناء، وبالتالي فهي تؤول تأويلا ضيقا، فما لم يرد ذكره ضمن أحكام الفصل المذكور يظل غير معني بالإعفاء بما في ذلك عقود 67/68، بما يجعل التنصيص الوارد بتلك العقود القاضي بالإعفاء من الرخصة لا أصل له بل ومخالف لأحكام الفصل السابع المشار إليه . لكل ذلك وتطبيقا لأحكام أمر 4/6/1957 النافذة زمن التعاقد فان عقود 67/68 التي خلت من رخصة الوالي ، تعد باطلة بطلانا مطلقا بصريح الفصل الثاني من الأمر المذكور،وعديمة الأثر عملا بصريح الفصل 325 مدني الذي بين أن « ليس للالتزام الباطل من أصله عمل ولا يترتب عليه شيء إلا استرداد ما وقع دفعه بغير حق.. ولكن هل من الممكن المصادقة على هذا الخلل وتفعيل العقد على أي حال؟ يبدو أن ذلك غير ممكن عملا بأحكام الفصل 329 مدني التي اقتضت أن « إمضاء الالتزام الباطل من أصله أو التصديق عليه لا عمل عليه». لكن بالمقابل من الممكن أن يثار التساؤل في هذا الخصوص بشأن مفعول أحكام القانون عدد 38 لسنة 1992 المتعلق بالعمليات العقارية والذي سحب أحكام المرسوم عدد 4/77 على العمليات الواقعة قبل تاريخ صدوره، بمعنى هل من الممكن لهذه العقود أن تنقلب من البطلان بمفعول أمر 1957 الى الصحة بمفعول القانون عدد 38/92 ،علما بأن رأي الشراح يجمع على أن صحة العقد من عدمها تقدر زمن عملية التعاقد بصرف النظر عما قد يطرأ من ظروف أو تغييرات في ما بعد (1). ما يرجح أن تلك العقود تظل باطلة ،ناهيك أنه لم يتم تفعيلها ،ما يجعلها - تقريبا -غير معنية بأثر القانون عدد38/92 . فماذا عن الشروط الأصلية المستوجبة