تعتبر الأزمة السياسية الحالية، بلا جدال، أعمق وأخطر أزمة تشهدها البلاد منذ 2011 وحتى مقارنة بأزمة ما بعد اغتيال الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، فالسياقات مختلفة والأطراف الفاعلة غيرت مواقعها مع استثناء وحيد هو وجود حركة النهضة حاليا في تحالف حكومي يذكّر ب»الترويكا» ويؤكد تحكّم الحركة في جزء من خيوط اللعبة السياسية إن لم تكن كلها. ولئن تتعدد زاويا مناقشة الأزمة، بعيدا عن حجج الفاعلين وقراءاتهم وتفسيراتهم، تبقى حقيقة واحدة متمثلة في تأثيرات هذه الأزمة على نفسية التونسيين ومعنوياتهم وأيضا على سير دواليب الدولة وبالتالي على مجمل أوضاع البلاد الاقتصادية والمالية والاجتماعية وهي أوضاع تزيدها الأزمة السياسية قتامة. وعلى افتراض نجاح رئيس الجمهورية اليوم في لمّ شمل كتلة نداء تونس فإن ذلك لن يعني بالضرورة الإمساك بأول خيوط الحل لأن الأزمة تجسيد لتداخل الأدوار بين رأسي السلطة كنتيجة منتظرة لسلبيات النظام السياسي المراوح بين البرلماني والرئاسي وتصاعد وتيرة الاستعدادات لانتخابات 2019 الرئاسية والتشريعية. فالسياق الانتخابي يلقي بظلاله على المشهد السياسي منذ تولي الباجي قائد السبسي الرئاسة وتشكيل حكومة الحبيب الصيد الأولى وبات واضحا من خلال تفكك الحزام السياسي للحكومات والانشقاقات صلب بعض الأحزاب والسياحة الحزبية أن البلاد ما ان تخرج من حملة انتخابية حتى تدخل في أخرى محولة التنافس المفترض بين الأحزاب والشخصيات السياسية إلى صراع سياسي علني. صراع قلما شهدت البلاد مثيلا له خلال السنوات الماضية ذلك أن الأزمة في عهد «الترويكا» كانت تجد «متنفسا» في تحرك الشارع الذي كان يسهّل على السياسيين التراجعات أو القبول بالحلول الوسطى أما الأزمة الحالية فهي بمثابة معركة كسر عظام ومعركة وجود في الحاضر والمستقبل. وبقطع النظر عن الخيارات المتاحة حاليا سواء أمام رئيس الجمهورية إما كمبادرة سياسية أو بما يتيحه له الدستور من صلاحيات وبقطع النظر أيضا عن السيناريوهات المحتملة بالنظر إلى موقف حركة النهضة بخصوص مواصلة يوسف الشاهد مهامه وشرط عدم الترشح لانتخابات 2019 وإلى شقوق النداء، فإن ما يحصل يُعدّ ضربا بمصالح البلاد والمواطنين عرض الحائط. في نفس كل تونسي غيور على البلاد يعتمل السؤال البديهي: أما آن للأزمة أن تنتهي؟.