في حديث نشرته مجلة فورين بوليسي كشف وزير الخارجية خميس الجهيناوي ان تونس لا تزال تشعر «باثار حملة الناتو على ليبيا والتي كانت وراء الإطاحة بنظام القذافي ولكنها تركت البلاد في حالة من الفوضى وعدم الاستقرار».. تصريحات الجهيناوي وهو سياسي يصح وصفه بالكتوم باعتبار انه قليل الظهور إعلاميا رغم كثافة وأهمية التحركات الديبلوماسية التي يقودها والتي أعادت للديبلوماسية التونسية بعض برقيها المفقود مغاربيا وعربيا وحتى دوليا.. الحديث يأتي في أعقاب زيارة الجهيناوي الى واشنطن الشهر الماضي ولقائه وزير الخارجية الأمريكي الجديد بومبيو الذي خلف ريكس تيليرسون في هذا المنصب بعد قراره الانسحاب من فريق ترامب.. والحقيقة أن زيارة الجهيناوي إلى واشنطن مرت دون اهتمام إعلامي يذكر إذ وباستثناء ما تم تسريبه عن لقاءات الجهيناوي مع المسؤولين الأمريكيين وأعضاء الكونغرس فان أهداف الزيارة بقيت في كنف السرية وبعيدا عن المتابعة.. صحيح أن الحدث رافقه العنوان ذاته المتداول في كل الزيارات والجولات المكوكية لوزير الخارجية وأنها تتنزل في إطار تعزيز العلاقات الثنائية لا سيما المجالات الاقتصادية والدفاعية والدعم الأمريكي لتونس في حربها المستمرة ضد فلول الإرهاب والمخاطر الإرهابية ولكن يبدو ان الملف الأهم كان الجوار الليبي .. والحقيقة ان الجهيناوي لم يجانب الصواب في تقييمه للمشهد الليبي واعتباره ان القوى الخارجية تستخدم طرابلس كميدان لحروبها بالوكالة، وقد أصاب في تشخيصه للمشهد في الجوار الليبي واعتباره أن تدخل الحلف الأطلسي لم تشفعه إستراتيجية خروج واضحة ومدروسة.. ولكن هذه الاعترافات لا تقدم الحقيقة كلها بل تستعرض جزءا من الحقيقة وهي أن المنطقة اليوم تدفع ثمن الأخطاء المدمرة للقوى المتنفذة ولكن أيضا للحسابات الخاسرة للقيادات التي لم تجد قراءة التاريخ ولم تراهن على تنمية وتطوير شعوبها وكسب ثقتها فكان أن جنت على نفسها وعلى أوطانها ومستقبل الأجيال فيها ... لسنا في إطار تقييم زيارة الجهيناوي إلى واشنطن فتلك مهمة المستشارين والخبراء الديبلوماسيين ولكن الأمر يتعلق بتوقيت الزيارة التي تزامنت مع قمة الحلف الأطلسي في العاصمة البلجيكية بروكسيل وما شهدته من عودة اهتمام الحلف لإحياء ما عرف بمبادرة اسطمبول والعلاقة بين الناتو ودول حوض المتوسط والتي اتخذت شعارا مختلفا يعتمد علاقات «الحلف ودول الجنوب» والتي ستشمل بالإضافة إلى دول حوض المتوسط دول الخليج لتحديد التوجهات المستقبلية والتحالفات المحتملة مستقبلا لا سيما بعد إطلاق الرئيس ترامب مبادرته بإعلان «ناتو عربي» لتطويق النفوذ الإيراني في منطقة الشرق الأوسط الأمر الذي أثار أكثر من نقطة استفهام حول أهداف ودور الناتو العربي وما يمكن أن تكون عليه قيادته ومصادر تمويلاته ... وبالعودة الى زيارة الجهيناوي إلى واشنطن والتي من الأرجح أن الملف الليبي يظل عنوانها الأبرز لا سيما مع عودة مخاطر الجماعات المسلحة في هذا البلد في ظل تراجع الحل السياسي وغياب المؤشرات بشأن نهاية الأزمة في ليبيا.. ولاشك أن تونس ومنذ البداية لم تقف على الحياد السلبي في الأزمة الليبية بل كانت أول وأكثر من تحمل تداعيات الأزمة الليبية منذ فتحت حدودها لاستقبال أكثر من مليون لاجئ وتحملت أعباء ذلك دون ان يكون للمجتمع الدولي دور أو مساهمة وظلت تونس حاضنة لمختلف الفرقاء الليبيين ولكل المبعوثين الدوليين الذين تداولوا على الملف الليبي ولكل اللاجئين المعنيين بمشروع الدستور الليبي والانتخابات وغيرها.. والحقيقة أنه وبعد أكثر من سبع سنوات على انهيار النظام السابق في ليبيا فانه سيكون من الغباء التعويل على اعتراف للناتو أو إقرار بدوره في تدمير ليبيا وما لحقها من خراب أو انتظار مبادرة أو مشروع كمشروع مارشال لإعادة بناء وإعمار البلاد لسبب بسيط وهو ان كل الأطراف المتداخلة في ليبيا بما في ذلك القوى الإقليمية والدولية تنظر إلى ليبيا على أنها وليمة وتنتظر فرصة الانقضاض عليها للحصول على جزء من ثرواتها النفطية والطبيعية وفرض موطئ قدم على موانئها وموقعها الاستراتيجي على حوض المتوسط ومن ثمة التعويل على ان تكون ليبيا محطة مفتوحة لاستقبال اللاجئين والمهاجرين الذين تسعى حكومات الضفة الشمالية للمتوسط للتخلص منهم.. الثابت اليوم أن امن تونس واستقرارها من امن ليبيا والعكس صحيح أيضا ولكن يبقى التحدي كيف يمكن تحقيق ذلك وتجنب الأسوأ وهذا ما يتعين على الجهيناوي الرهان بشأنه ..