عبّر عدد من الفنانين والموسيقيين التونسيين عن جدية نيتهم التبرع بحفلات فنية توجه مداخيلها لفائدة أبناء الجهات المعوزة والفقيرة لاسيما في هذه الفترة التي تمر فيها بلادنا بموجة برد شديدة وذلك استجابة لبادرة تقدم بها الموسيقي ماهر الهرماسي منذ أيام في إطار التفاعل مع المشاهد والصور التي تبين حجم الفاقة والحاجة والمعاناة لأبناء ومتساكني بعض الجهات الداخلية وتحديدا في مناطق من الشمال الغربي والوسط للبلاد خاصة في ظل تكرر مثل هذه المشاهد والوضعيات الاجتماعية الصعبة والمزرية لاسيما أن مثل هذه المشاهد كثيرا ما تتكرر في كل موسم شتوي وفي نفس الجهات دون أن تحرك الجهات الرسمية ساكنا وتعمل على إيجاد حلول جذرية لهؤلاء لأن أوضاعهم لم تعد تتطلب مسكنات وقتية وإنما في حاجة لدعم «الدولة» باعتبار أن هؤلاء هم أبناء هذا الوطن. والثابت أن مبادرة ماهر الهرماسي أو دعوته للفنانين والموسقيين كانت من اجل أبناء ولاية القصرين بشكل خاص. لتؤكد هذه المبادرة أن الفن يظل آلية حياة بامتياز خاصة أن هذه المبادرة سبقت موعد زيارة رئيس الحكومة يوسف الشاهد لولاية جندوبة الأسبوع الماضي وما تبعها من إثارة لمسألة الفقر والحاجة التي يرزح تحتها عدد كبير من أبناء الجمهورية التونسية ممن هم في أمس الحاجة للدعم والمساعدة والمساندة. وتجدر الإشارة إلى أن بعض القنوات التلفزية خصصت في المدة الأخيرة مساحات من برامجها الاجتماعية خصصتها لطرح وضعيات وحالات بعض العائلات والأطفال الذين يعيشون في»الهامش» التونسي لا يتمتعون بأدنى مقومات العيش الكريم يعيشون في مساكن أشبه ما تكون بمغاور يفترشون التراب وغطاؤها من القش غير القادر على حماية متساكنيها من المطر والبرد القارس. كما تناقلت شبكات التواصل الاجتماعي صورا ومشاهد، أقل ما يقال عنها إنها مؤلمة، لأطفال يرتدون ثيابا رثة وآخرون حافيي الأقدام في هذا «القرّ الشتوي» وهي صور حركت سواكن الجميع. وقد وجدت هذه المبادرة الإنسانية بالأساس تجاوبا واسعا من عدد من الموسيقيين والفاعلين في الحقل الثقافي والقطاع الفني فضلا عما وجدته من تفاعل إيجابي من عديد الجهات. لعل من أبرز من أبدوا موافقة عن تنظيم عروض تخصص عائداتها لفائدة أبناء هذه الجهة هي الفرقة الوطنية للموسيقى بقيادة محمد الأسود التي ستنظم حفلا للغرض بالعاصمة فضلا عن فرقة هيثم الهاني وغيرهم من الفنانين والمجموعات الموسيقية الأخرى. والهام في هذه البادرة أن المندوبية الجهوية للثقافة بالقصرين وبعض الهياكل الثقافية والشبابية قد دخلت على الخط وذلك بتوفير بعض الفضاءات لاحتضان هذه الحفلات وإقامتها في شكل تظاهرة تحمل عنوان:»هذي غنايا ليهم «والمساهمة في التنسيق لضبط برنامج من المنتظر أن يجعل من الجهة منطقة احتفالات ومهرجانا إنسانيا بامتياز. ولئن كانت مثل هذه العروض ذات الأهداف الإنسانية والاجتماعية تنتظم على سائر أشهر السنة بتنظيم من جمعيات وجهات معينة، فإن استفحال الفقر والحاجة في هذه المرحلة تحديدا من العوامل التي دفعت البعض للتوجه للبحث عن بدائل خاصة بعد أن انخرط أهل الثقافة والفنون في الحراك والنشاط الاجتماعي والإنساني. فلم يعد الأمر يقتصر على جمع المال والمواد الغذائية والملابس والأغطية الصوفية والأدوية على غرار ما هو سائد ومتداول في مثل هذه الحالات والفترات، ليحول البعض هذه الأزمة إلى مصدر للفرح والاحتفالية وذلك من خلال تنظيم العروض الفنية والسهرات الغنائية التي تعود مداخيلها لأهداف إنسانية واجتماعية تتجاوز ما يحتاج هؤلاء من نقص في المؤونة من مواد غذائية وملابس لتشمل توفير موارد رزق وإعادة تهيئة بعض المساكن والطرقات. ويتوقع أن تشمل مزايا وأهداف مثل هذه العروض الفنية أبناء عدة جهات ومناطق أخرى من الجمهورية التونسية لا سيما في ظل ما تعيشه بلادنا من أزمة اقتصادية وارتفاع مشط للأسعار من ناحية وتضاعف الهوة بين المواطنين والسياسيين في ظل التصارع السياسي والحزبي في إطار المعركة الانتخابية القادمة من ناحية أخرى. لذلك يبقى الفن والثقافة عوامل مقومة للحياة عمليا وليس مجرد شعار يذكر.