لم يصرف الاتحاد العام التونسي للشغل النظر عن ملف المنشآت العمومية ومسالة التفويت فيها من قبل الحكومة، ومازال ينبه من مغبة اتخاذ قرار التفويت فيها كلما سنحت الفرصة وكانت آخر مرة يحذر فيها الاتحاد مباشرة بعد المصادقة على قانون المالية لسنة 2019 أين عبر عن تمسكه بموقفه المبدئي للدفاع عن مكتسبات البلاد والتي على رأسها المنشآت العمومية والتي كان قد انطلق فيها الاتحاد للدفاع عن القطاع العام في شكل حملة منظمة. وكان الاتحاد قد أبدى رفضه القطعي لهذه الخطوة باعتبار أن هذا الموقف ثابت ونابع من مصلحة وطنية، معتبرا أن الدولة مطالبة اليوم بصفة ملحة بإنقاذ وإصلاح المنشآت العمومية التي تعاني من صعوبات مالية عبر العديد من الآليات ويعد الاقتراض احد هذه الحلول وبالتالي تجنب التفريط فيها لفائدة الخواص والأجانب حسب ما يراه الاتحاد. ومن أهم التجارب التي استند إليها الاتحاد في حملته ضد اتخاذ الحكومة لهذه الخطوة وكذلك عدد من المتدخلين في الشأن المالي والاقتصادي تلك التي أوجدتها الدولة مع شركات قطاع الاسمنت مثلا والتي لم تكن ناجعة باعتبار أن تدخل القطاع الخاص في رأسمالها اثر سلبا على القطاع برمته من خلال غلاء أسعار العقارات ومواد البناء. بالمقابل، اعتبر الاتحاد أن تأهيل وإصلاح المنشآت العمومية حالة بحالة من قبل الحكومة ولو تطلب وقتا طويلا فانه يعد الحل الوحيد، في حين اعتبرت الحكومة من جهتها أن ليس لها برنامج للتفويت في المؤسسات العمومية، بل موقفها تجاه هذه الملف لا يتعدى أن يكون سوى عملية إصلاحية ترتكز فيه على كتاب ابيض يتضمن جملة من العناصر، وكانت الحكومة قد انطلقت في البداية مع خمس مؤسسات عمومية منها «الفولاذ» والخطوط التونسية والشركة الوطنية للسكك الحديدية التونسية وشركة نقل تونس والشركة الوطنية لتوزيع واستغلال المياه «الصوناد». وقامت الحكومة في هذا الصدد بدراسة هذه المنشآت ووضع برنامج شامل لإصلاحها وهو جاهز ليتم عرضه قريبا على أنظار مجلس وزاري، حسب ما أفاد به الوزير المكلف بالإصلاحات الكبرى توفيق الراجحي في تصريح سابق ل «الصباح»، مبينا في ذات السياق أن الحكومة تعمل اليوم على دعم هذه المؤسسات عبر توفير مثلا 105 آلاف طن من الفولاذ لشركة «الفولاذ» لتمكينها من توفير سيولة للاستثمار في حين أوقفت الحكومة عملية البحث عن شريك استراتيجي، كما ستدعم الدولة شركة الخطوط التونسية في رأس مالها قريبا ونفس السياسة ستكون مع بقية المؤسسات.. وبقي ملف المؤسسات العمومية من أهم الملفات التي تحوم حولها صعوبات كبيرة استعصت على حلها الحكومات المتعاقبة ما بعد ثورة 14 جانفي 2011، واكتفت فقط بضخ تمويلات هامة لتغطية عجزها دون إصلاحها وإعادة هيكلتها واختلفت طريقة التعامل مع هذا الملف مع حكومة الوحدة الوطنية عن طريق التجائها منذ مطلع السنة المنقضية إلى التفكير جديا في إصلاحها بخوصصة البعض من مساهمات الدولة والتفويت فيها خاصة تلك التي تعتبرها غير إستراتيجية وتنشط في قطاع تنافسي باعتبارها مؤسسات تجارية مفتوحة لرأس المال الخاص... وكانت من أهم أسباب تردي الوضع الذي آلت إليه المنشآت العمومية تضخم فاتورة الأجور منذ الثورة في 2011 والتي ارتفعت بنسبة 35 بالمائة من جهة وتراجع النشاط الاقتصادي للبلاد من جهة ثانية، ليفوق حجم الخسائر المالية المتأتية من هذه المؤسسات وقيمة عجزها ال 6.5 مليار دينار ...