سنة كاملة بأيامها ولياليها تمر اليوم على رحيل رجل مثل علامة بارزة في مسيرة اتحاد الكتاب التونسيين.. سيّر هذا الهيكل طيلة 14 سنة بقبضة «حديدية» كان ولا يزال محل جدل لا ينتهي.. رجل غادر هذه الدنيا في مثل هذا اليوم من العام الماضي مخلفا مسيرة جمعت بين كل المتناقضات.. فهو تارة رجل التآزر والحب الانساني.. وتارة رجل الحسم الذي افرز له خصوما في توجهاته واختياراته كرئيس لاتحاد الكتاب التونسيين. هو الشاعر الكبير الميداني بن صالح.. الرجل القادم من اقاصي الجنوب محملا بآمال وطموحات واهداف ليكتب على امتداد اكثر من خمسين سنة مسيرة فيها معاناة وكفاح وتحدي وصرامة. قامة شعرية شامخة والراحل الميداني بن صالح قبل ان يكون رئيسا لاتحاد الكتاب التونسيين هو قامة شامخة في المدونة الشعرية التونسية.. في اشعاره رائحة الجريد واريج الواحات وشموخ الانسان العربي.. وفي قصائده انتصار للعروبة وانتصار للقيم الانسانية النبيلة. ولم يغفل الميداني بن صالح في اشعاره طفولته وذكرياته مع أهالي الجريد التونسي في صراعهم من أجل حياة كريمة وحصاد من «الدقلة» وفير. وحمل الميداني بن صالح همومه العربية في عديد القصائد التي تؤرخ لاحداث وتكتب لاحلام واهداف. رجل شغل الناس والميداني بن صالح الذي فتح جراح العروبة في كل ما كتبه من اشعار.. شغل الناس العاديين والمثقفين على حد السواء.. من خلال مواقف صارمة لا تقبل التراجع عنها او حتى العمل على تليينها.. هذه المواقف الحاسمة زادت في هيبته لدى الخاص والعام بقدرما دفعت بخصومه الى التكاتف ضده واعلان «العصيان» على قراراته واختياراته «عصيان» وصل الى القضاء.. ليكون الانتصار في الختام للميداني بن صالح الذي يرفض التزحزح عن قناعاته وصراحته الجارحة في اغلب الاحيان.. كان دائم القول «اني أحبك.. وهذا الحب يدفعني الى مصارحتك بانك لست كفءا لهذه المسؤولية او تلك..» .. هذه الصراحة التي قد لا تعجب الكثيرين واحدة من قناعات الميداني بن صالح التي كان يدافع عنها حتى اخر رمق في حياته. يوم بكاه خصومه .. عندما اعلن الميداني بن صالح واقسم قسمه الشهير ب«لن الزمخشرية» بعدم الترشح لرئاسة اتحاد الكتاب التونسيين.. تعددت المواقف حول المضمون والغاية من هذا القسم.. في الوقت الذي كان يتابع فيه عن كثب ردود الافعال ويعد قائمة لمناصريه.. ورغم عديد المحاولات لاثنائه عن قرار عدم الترشح الا انه بقي مصرا على موقفه زاده في ذلك مرضه الذي اخذ منه الكثير.. فكان ان انزوى في منزله حتى فارق الحياة ليبكيه الخصوم اكثر من الاصدقاء.. بكاه خصومه لانه كان واضحا.. صريحا.. حاسما.. لا مخادعا ولا مداهنا. بادرة لم تتحقق واذكر في هذا المقام ان جريدة الصباح كانت اول من حاورت الميداني بن صالح بعد انتخاب الدكتور صلاح الدين بوجاه رئيسا لاتحاد الكتاب التونسيين.. هذا الحديث نشر يوم السبت 21 جانفي 2006 لتتعدد اثر لك زياراتي له في منزله بتنسيق من نجله الدكتور نزار بن صالح وكانت آخر زيارة يوم 20 ماي 2006 يومها تم الاعداد لبادرة يتولى خلالها الراحل الميداني بن صالح كتابة مذكراته لفائدة جريدة «الصباح» وتم تحديد المحاور الرئيسية لهذه المذكرات بمتابعة وتوجيه من رئاسة التحرير.. واذكر ان الراحل الميداني بن صالح كان سعيدا بهذه البادرة واعلن استعداده للكشف عن عديد الخفايا والاسرار لكن.. يد المنون كانت اسرع ليرحل الميداني بن صالح الى دار الخلد مخلفا في عيون الجميع دموعا وفي قلوبهم لوعة.. واسئلة عديدة تبحث عن أجوبة مقنعة تنصف الرجل بدرجة اولى.