صالح عطية بدأت فرنسا أمس في ضرب أهداف عسكرية تابعة للعقيد الليبي معمر القذافي، وفقا للقرار الأممي 1973 الذي يقضي بفرض منطقة حظر جوي فوق ليبيا. ولئن رحبت عديد الأطراف العربية والدولية، في مستوى الشعوب والحكومات، بعملية التدخل العسكري هذه تحت ذريعة حماية المدنيين الليبيين من القتل اليومي الذي مارسه ضدها الطاغية الليبي، فإن الدخول الفرنسي الغربي على خط الشأن الليبي، يثير الكثير من المخاوف، وربما يذكر في حيثياته وتفاصيله بما حصل للعراق قبل ثمانية أعوام. فكلنا يتذكر الذرائع الأميركية التي استخدمت أنذاك لإقناع العالم والشعب العراقي تحديدا ب «النوايا الحسنة» الأميركية تجاه العراق ومستقبل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية فيه، ولكن السنوات اللاحقة كانت كافية لكي تقدم الوجه الحقيقي للتدخل الأميركي في العراق، الذي لم يخرج منذ العام 2003 من براثن الاحتلال المتدثرة بعناوين القهر والظلم والحرمان والفقر الذي ما يزال الشعب العراقي يعاني من ويلاتها إلى الآن. واليوم، إذ يقدم الغرب، ممثلا في فرنسا والولايات المتحدة على التدخل في ليبيا، فإنه يمهد لواقع لا يختلف إطلاقا عما حصل في العراق قبل عدة سنوات. فهل يمكن أن يصدق المرء حرص الغرب على أرواح الليبيين؟ ومتى كانت الجيوش الغربية تتحرك لنازع إنساني صرف؟ وأين كانت هذه الإنسانية عندما كان «تشاوسيسكو ليبيا» يقتّل شعبه منذ أكثر من ثلاثة أسابيع؟ بل أين هذه الإرادة الغربية «الخيّرة» عندما كان الشعب الليبي لا يجد قوت يومه، ولا يجد مستشفى في بلد يقع فوق بحيرات نفط عائمة، يتخذها النظام الليبي أداة للفساد السياسي والمالي، ولنخر عظام الليبيين وامتهان كرامتهم؟ ولماذا لم يساهم الغرب في تسليح الثوار الليبيين الذين لا تنقصهم سوى الذخيرة وبعض الأسلحة لدك حصون القذافي وكتائبه المشتتة والمترددة؟ وهل يؤشر التدخل الغربي في ليبيا لإعادة ترتيب استحقاقات الثورتين التونسية والمصرية، خصوصا بعد أن حرصت وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون خلال زيارتها الأخيرة إلى تونس والقاهرة، على التحذير من «خطر استمرار القذافي في الحكم»؟ لا يبدو أن هذه «المزاعم» الفرنسية والأميركية، ستنطلي على الشعوب العربية وعلى الرأي العام الدولي، لأن السوابق الغربية في هذا المجال مثيرة ومفزعة، بل غير مطمئنة إطلاقا. ليس ثمة أدنى شكوك في أن المصالح هي الهاجس الأساسي الذي حرك الجيوش الجوية الغربية باتجاه الجماهيرية، فالنفط يبقى الوقود الأساسي لهذا التدخل العسكري في هذا التوقيت من عمر الثورة الليبية التي كانت انطلقت يوم 14 فيفري. لكن حشر الأنف الغربي في الوضع الليبي، يصب كذلك في اتجاه استبعاد سيناريوهات سياسية لا تخدم مستقبل الغرب، وإسرائيل تحديدا في المنطقة، وهو ما كان حذر منه الأمين العام للجامعة العربية، عمرو موسى، عندما طالب الغرب ب «عدم الذهاب إلى بعيد» من خلال هذا التدخل. ليبيا تحترق اليوم بفعل القصف الغربي، والأدهى من ذلك أن تكون عملية الاحتراق هذه، وإن كانت مهمة لإنهاء حكم القذافي، إلا أن الخشية كل الخشية من امتدادها السياسي والاستعماري لاحقا..