كانت لمسات فرشاته ترسم معاني الثورة والحرية وكانت جدارياته المفعمة بروح التسامح والحب والإخاء في ساحات اليابانوفرنسا وإيطاليا وغيرها تدفع كل فنان حر أصيل للعمل والتفاني من اجل اعلاء كلمة الحق والحرية عندما كان يعيش في عاصمة النور باريس. ذاك هو الفنان التشكيلي المصري عبد الرازق عكاشة الذي رجع من فرنسا كي يتابع أحداث ميدان التحرير المصري بالقاهرة وكي يكون إلى جانب شباب الثورة وكل مصري غيور شريف. الصباح التقته واجرت معه الحوار التالي:
انت صديق لتونس استضافتك عديد المهرجانات الدولية بحكم تجربتك وموقعك العالمي في مجال الفن التشكيلي؟
بداية أريد توجيه التعازي إلى أهالي شهداء ثورة تونس التي روت دماءهم هذه الأرض الطيبة والتي انطلقت منها شرارة الثورة لتمتد إلى مصر وليبيا واليمن والبحرين وكل البلدان التي تتوق للإنعتاق من دكتاتورية حكامها. تربطني علاقة وطيدة بتونس واهلها ومازلت احمل في ذاكرتي الأثر الطيب عن كل زياراتي وكل أملي هو نقل الخبرات والتجارب إلى شباب وطلبة وكليات المعاهد داخل أرض هذا الوطن الثائر الحر.
مامدى ضرورة تواجد المثقف على رصيف في فعل لم يكن مضمون العواقب في ميدان التحرير وانت لم تكن مضطرا بل كنت في المهجر؟
أود أن أحيي كل شاب وفتاة ورجل وامرأة وشيخ وطفل وقفوا في الميدان يطالبون بالحرية آملين أن يرسموا بأيديهم أحلامهم لمستقبل واعد لمصر أما عن سر وجودي في الميدان منذ اليوم الأول إلى يوم التنحي فقد جاء من قناعتي في أن حجم الفنان أو المثقف هو بحجم حبه وتضحيته لوطنه فلا يوجد إنسان عاقل بإمكانه العيش في عزلة بعيداً على آلام وهموم وأحلام الوطن، فكل ما نصبو إليه من نجاحات فهو لبلدنا ففي كل مشاركة دولية شاركت فيها كفنان أو منظم أو أي محفل عالمي حصلت فيه على جائزة دائما ما كنت أهدي جائزتي إلى مصر كنت دائما فخور بمصريتي وعروبتي وأشعر أن وطني شريكي الحقيقى في أي نجاح فكيف أتركه في لحظاته الصعبة فالنوم على رصيف الوطن أكثر دفئاً من النوم في فنادق أوروبا. في ميدان التحرير كنت أحلم بنصر جديد وآمل في غد جديد.
قبل تحولك إلى القاهرة كنت تتابع وتدعم ثورة تونس عبر صفحتك في الإنترنيت فهل توقّعت حصول تغيير مماثل في مصر؟
أنا لا أدعي شيئا لكن أرجو أن تعود لمقالي في جريدة القدس عام 1995 الذي حمل عنوان رسالة إلى الرئيس مبارك كتبته بعد حادث إطلاق النار على الرئيس السابق في أديس أبابا وكان نصاً يطالب الرئيس بالرحيل أي قبل ستة عشر عاماً كنت مؤمنا بأن السياسة التي يتبعها النظام لن تستمر وسيأتي الوقت الذي يطلب فيه الشعب من الرئيس الراحل ومنذ هذا التاريخ وأنا لدي حس برحيله لأنه عطل كل مشروع قد يسمو بحال المواطن المصري.
تعرّضت للإقصاء جراء تصريحاتك في عديد المنابر خارج وداخل الوطن؟
منعت مقالاتي النقدية من الصحف المصرية بالرغم من أنني كنت صاحب تجربة صحفية شهد لها بالتميز من قبل أقلام محترمة فكنت قد عملت منذ 1990 صحفي بمصر الفتاة ثم 1992 صحفي بالشعب ثم مراسلا للأحرار والعربي الناصري ثم مدير مكتب صوت العرب والزمان والقدس وعلى صفحات الأهرام الدولي كتبت عن سقوط الوزير فاروق حسني في اليونسكو وأموال الدولة التي أهدرها للفوز بالمنصب وقتها شنت علي الحرب من قبل مناصري الوزير السابق فتعرضت للسب والقذف والافتراء والتهديد فحقاً كان نظام فاسد لابد أن يسقط.
كيف عشت أيام الثورة في ميدان التحرير؟
هذه أعظم تجربة عشتها مع صديقي الكاتب محمد الغيطي والإعلامية منى باروما والصحفية هبة حزين بجوار كل طبقات الشعب فقد مرت علينا لحظات عصيبة وأيام لا تنسى ومعاناة لم يكسرها إلا الثقة بالله والأمل في الغد والإرادة التي أظهرت معدن المصري الحقيقى الذي لم يحمل في يده سيفا بل حمل في قلبه الإيمان والإرادة وحمل في يده سلاح الأخلاق والسماحة والتحضر، لكن للتحرير رؤية أخرى مختلفة ففي البداية كنا عشرة ألاف على الأكثر ولا أحد يصدّق أننا سنصل لملايين في أيام وكانت فئة من عملاء النظام البائد ترسل لي رسائل تقول كفاية أنتم عاوزين إيه يلا عودوا إلى بيوتكم إلى جانب رسائل تهديد فقررت أن تكون صفحتي على الفيس بوك نشرة للميدان، وعندما تم قطع الإنترنت في مصر إتصلت بصديق لي بباريس وأعطيت له رقمي السري وبدأت أبلغه بما ينشره على صفحتي لكي أخبر وأطمئن المصريين في الخارج الذين انقطعت عنهم الأخبار وظلوا لأيام فريسة للإعلام المضلل،فنقلت مقالاتي لدعم الثوار وطالبت من المصريين في باريس الخروج للتظاهر السلمي ونجحت الخطة وعندما عادت خدمة النت لمصر وجدت الناس تتصل بى تبلغنى إنهم عاشوا معنا من خلال صفحتي تجربة التحرير فكانت من الصفحات التي ترسل وتنقل الصور في تحد لقطع الإنترنيت مما عرضني لمشاكل كثيرة احدها كان عند التلفزيون المصري حيث هجم علينا مجموعة من البلطجية يصرخون في وجهي «الرجل بتاع نشرة التحرير» ولولا قليل من الشجاعة والقوة لكنت في تعداد الموتى أنا ومن معي، وواصلت بإصرار كبقية الأصدقاء الذين قابلتهم في الميدان كجمال فهمي والمخرج يسري نصر الله وآسر ياسين ونجاد البرعي وحافظ ابوسعدة وإبراهيم عيسى والشاعر ممدوح متولي..
هل تخشى من الثورة المضادة في ظل الأحداث التي تعيشها مصر؟
لا أخشى من أي ثورة مضادة لأني أثق في إرادة الشعب فعبر 30 عاماً مارس النظام أبشع طرق القهر والشعب لم يمت بل بقي صامدا لكني أخشى من الفتنة الطائفية والجهل وكثرة المدعين وأذيال النظام ولكن ربنا ينصر مصر عليهم.
«جدارية التحرير» هي من وحي أحداث ثورة الميدان؟
طبيعي أن أجسد وجوه وملامح ملحمة الثورة المصرية في جدارية مثلما جسّدت في السابق حياة البسطاء من أهل قريتى فرسمت أهلي في قطارات الصباح وهم الذين أهملهم النظام ورسمت البسطاء على مصطبة جدي فدائما أشعر أن تلك الوجوه هي وجوه مصر الحقيقية غير أن النظام الفاسد ترك لنا الحلم ونهب أموال وثروات الشعب المصري.
لو تحدّثنا عن مشاريعك القادمة؟
المشروعات عديدة والحلم قادم شايف مصر القادمة أفضل أعد الآن لبينالى عن الثورة يشارك فيه نحو 80 فنانا من العالم يجسّدون الثورة في أعمالهم ويلتحم معهم الأدباء والشعراء ولتكن انطلاق فعاليات البينالي من ميدان التحرير وسيكون عنوانه «نعم لعودة الثقافة والسياحة لمصر» كما أعدّ الآن مشروع مع المخرج المصري الفرنسي سمير عبد الله لعمل فيلم وثائقي عن الثورة سيزور مهرجانات العالم ونعدّ من خلاله معرضاً للصور الفوتوغرافية في عدة دول أوروبية ووعربية.