نادي الفنان التونسي الهادي قلّة طيلة مسيرته الفنية التي تتواصل منذ عقود بتغيير الواقع في اتجاه تحقيق أكثر ما يمكن من العدالة والمساواة في مجتمع يكون فيه المواطن متمتعا بكامل حقوقه في المواطنة. الهادي قلة ينادي اليوم بتحقيق التغيير والقطع ليس فقط مع نظام بن علي وإنما كذلك طي صفحة بورقيبة حسب تأكيده لأنها لم تكن تخلو من الظلم. يقيم الرجل مؤقتا بجينيف في مهمة عمل لها علاقة بالترجمة الفوريّة بمكتب العمل الدولي التابع للأمم المتحدة ولكن باله مشغول بما يحدث في تونس وبما تعرضت له عائلته من صعوبات خاصة وأن شقيقه الفنان وعازف العود جمال قلة يقبع منذ فترة بالسجن. التقينا به في الاثناء فكان الحديث التالي الذي تعرض للأغنية الملتزمة وكذلك للقضايا التي تشغل الهادي قلة الإنسان والفنان. ماذا يمكن أن يخلق انتصار الثورة الشعبية في بلادنا من آمال لدى الفنان الذي كان يعبر دائما من خلال الأغنية عن رفضه للظلم لا سيما في العهد السابق؟ أنا لم أعبّر على رفضي لما يُسمّى بالنظام البائد فحسب بل عبرت عن رفضي لنظام الاستبداد الذي أسس له الحبيب بورقيبة بنفسه، ومن هنا فإن بن علي لم يبتكر شيئا وهو غبيّ إلى درجة انه لا يستطيع ابتكار أي شيء دون الغدر والسرقة والتعامل مع العدوّ ونهب خيرات وأموال الوطن والشعب. أما فيما يتعلق بما ألاحظه بخصوص راهن تونس ومستقبلها فإنني أقول وفي كلمة موجزة أنني أتمنى أن يبني شعبنا وحدته الدائمة التي هي الشرط الأكبر لضمان قوّته وطاقته على التصدي لأية مؤامرة خارجية أو داخلية. باعتبارك من رموز الأغنية الملتزمة في تونس على امتداد سنوات، ما هو تقييمك لهذا اللون الغنائي لا سيما حضوره الملفت بعد الثورة؟ أنا لا أتحدث أبدا عن «الأغنية الملتزمة»، أفضل الحديث عن الأغنية الوطنية التقدّمية، والأغنية إذا ما واصلت في مواكبة مشاغل الشعب وطموحاته وأحاسيسه فستكون ناجحة. وهذا أمر غير قابل للاصطناع والمغالطة. فإما أنّك تحب الشعب، أي الطبقة الشغيلة وفقراء الفلاحين والصناعيين التقليديين والشباب، وإمّا أنك لا تحب وطنك ولا تهمك إلا مصالحك الخاصة الضيقة وكل التجارب القائمة حاليا في هذا الاتجاه أنا أرحب بها وأتمنى لها التطوّر والمزيد من النجاح. من موقعك كفنان وكملاحظ للوضع بدقة وبعين ناقدة هل تعتقد أن الثورة في تونس اليوم قد وصلت إلى بر الأمان؟ أنا لم أر بعد ثورة في تونس. أنا رأيت انتفاضة ثوريّة، وهذا شيء مختلف أمّا الثورة فيجب القيام بها الآن وبناء أركانها وحمايتها وذلك بالقضاء على كل عناصر الرّدة والرجعية التي تريد الرجوع بشعبنا إلى الوراء وترمي بهيبة تونسنا وتجعلها تخضع مجددا لقوى الهيمنة والاستغلال الامبرياليين. أمّا الحركات الثورية في العالم العربي فهي ترجع إلى نفس الأسباب التي كانت وراء الانتفاضة الثورية في تونس وخاصة الطبيعة الاستبدادية للأنظمة العربية التي داست على حق شعوبها في العيش الكريم والحرّية والديمقراطية. كان شعب تونس سبّاقا في القيام بالانتفاضة السلمية التي أطاحت بنظام اللصوص والعملاء ووجدت الشعوب العربية إلهاما في ما حققه الشعب التونسي فردد الجميع «الشعب يريد إسقاط النظام».. و»DEGAGE !»وغيرها من الشعارات. وما أود أن أؤكد عليه هو أن هذه الانتفاضة ليست ب»ثورة الياسمين» كما سماها القادة في فرنسا. وليست ثورة «الفايسبوك» كما يروج البعض لذلك، بل الانتفاضة هي نتيجة لنضالات الشعب التونسي بأكمله وعلى رأسه العمال والكادحين طيلة أعوام وأعوام. عانى فيها أبناء الشعب من الظلم والقمع والسجون والتعذيب والحرمان من أبسط الحقوق وهذا فيه تصديق مرة أخرى لبيت أبي القاسم الشابي حول إرادة الحياة. يناضل الهادي قلة كذلك من أجل «قضية» أخرى هي عائلية بالأساس؟ منذ شهر جويلية 2010 وقع في أحواز مدينة تازركة إيقاف أخي جمال قلة واختلقت له تهمة «استهلاك المخدرات مع «نية الترويج» !!! وتصوروا أن الشاهد في القضية هو بائع مخدرات وورث الصنعة عن والده. والمثير للتعجب أن الشاهد معروف بتردده على السجن. وهذا من شأنه أن يعطي فكرة واضحة عن قيمة مثل هذه «الشهادة» أما حجته على ذلك فهي تتمثل في وجود رقم شقيقي مسجلا في هاتفه الجوال. ومنذ ذلك الحين بقي شقيقي جمال في سجن المرناقيّة دون أن يخضع لأي تحليل أو تحقيق أو محاكمة. وبالتالي فإني أتساءل ألم يكن تلفيق القضية سوى فرصة ذهبية للطعن في لقب «قلة» والمسّ من شرف العائلة والنيل من حسن سمعتها. فحاملو هذا اللقب معروفون لكونهم من ذوي الكلمة الحرّة ولهم شعبية وقد كانوا إلى حدّ الآن ممن لا يمسّهم سوء ولم تطلهم يد القمع؟ إني أعتبر القضية مفبركة وأشعر بالخجل إزاء ذلك. وإذا اعتقد بعضهم أن سجن أخي -وأنا متأكد من أنه سجن ظلما -من شأنه أن يزعزع من معنوياتي أو معنويات أخويّ فإنهم لن ينالوا ذلك فأنا ابن الشعب وأعتزّ بذلك ومنه أستمد قوتي. ماهو المشروع الفني الذي ننتظر أن يعود به الهادي قلة إلى الساحة ؟ لا أستطيع أن أعيش خارج نبض حياة الشعب. المشروع الفني سوف تسمعون عنه في أوانه وأخي جمال سيتم الإفراج عنه بإذن الله وسيرجع إلى نشاطه الفني كعادته.