لا أدري تحديدا لماذا حضرني - وأنا أتابع أمس الاول على قناة «نسمة» - برنامج «وانت على دينك» الذي يعده ويقدمه يوسف الصديق ذلك المثل العامي التونسي الساخر والبليغ الذي يقول «قالو تعرفش العلم قالو نزيد فيه»... ربما لأن الأستاذ يوسف الصديق المثقف المعروف والباحث في تاريخ الأديان والفيلسوف أيضا - كما يقول عنه البعض - يكون قد بالغ «شوية» في برنامجه هذا - رغبة منه في التجديد والتميز ربما - بالغ في التحلل والتحرر من كل ما من شأنه أن يحيل على أن حصته هذه هي ذات «طابع» ديني «تقليدي»... وذلك بدءا بالبسملة التي لم يعد نصها عند الأستاذ يوسف الصديق «بسم الله الرحمان الرحيم» كما هو الحال عند عموم المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها منذ أن نزل الاسلام وانما أصبحت «بسم الحق السلام» - أو شيئا من هذا القبيل - ومرورا بالطريقة الاستسهالية الارتجالية - حتى لا نقول الاستخفافية - التي تطبع حصته والتي «يتحدث» بها عن دلالات النص الديني والقصص القرآني... ووصولا الى عدم الالتزام بالتقيد - وجوبا - بالنص الحرفي الصحيح للآية كما وردت في القرآن عند الاستشهاد بها.. فعلى سبيل المثال فان آية «فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه» تصبح عند الأستاذ الصديق - وكما وردت على لسانه في حصة أمس الأول الأربعاء - «فتقبل آدم من ربه كلمات فتاب عليه»... ( أعادها أكثر من مرة). طبعا، يبقى من حق الأستاذ يوسف الصديق بصفته مثقفا تونسيا مسلما وحائزا على قدر لا يستهان به من المعارف في مجال تاريخ الأديان والفلسفة وربما الاسلاميات أيضا أن يخوض في الشأن الديني وأن تكون له مساهمته الخاصة في «بلورة» خطاب ديني عقلاني معرفي حديث بمواصفات «اعلامية» تقطع مع أسلوب التلقين الجاف والوعد والوعيد - وهو ما يسعى اليه على ما يبدو من خلال حصته هذه - ولكن ليس من حقه أبدا ولا من حق قناة «نسمة» - أن يبدو ومن خلال الحصة ذاتها - على ذلك القدر من «التحلل» - ونكاد نقول الاستهانة - بما تربى عليه عموم التونسيين من أخلاقيات وتقاليد في التعاطي تاريخيا - شكلا ومضمونا - مع الخطاب الديني والعقيدة والمصحف. اذ لاول مرة على حد علمنا - وهذا قد يكون «سبقا» تلفزيونيا حققته قناة «نسمة» متعددة الجنسيات - يبدو المصحف الشريف في الصورة على الشاشة وكأنه «ملقى» جانبا وبعيدا... وراء ظهر «الشيخ» أو الداعية أو الأستاذ الذي هو بصدد القاء الدرس الديني أو الموعظة أو سمها ما شئت يا أستاذ يوسف... نقول هذا ليس من باب التعلق بالشكليات على حساب المضمون وانما نقوله لأن المادة البرامجية التلفزيونية مهما كانت طبيعتها ومادتها هي بالأساس شكل وصورة - من ناحية - ولأنه - من ناحية أخرى - لم يكن هناك فيما قدمه يوسف الصديق في حصته «وانت على دينك» أمس الأول على قناة «نسمة» مضمونا فكريا وثقافيا متميزا أصلا من شأنه أن يشفع للهنات «الشكلية» التي طبعتها - والتي نراها ذات دلالة مشهدية على الأقل -... فكل ما هنالك كلام على عواهنه بالدارجة في العقيدة والقصص القرآني من هنا وهناك ( قصة عصيان ابليس لأمر الله بالسجود لآدم... وقصة خروج آدم وحواء من الجنة)... كلام يذكرنا بأسلوب المرحوم عبد العزيز العروي في «التخريف» ، فهل هو الايحاء - يا ترى - بأن القصص القرآني ما هو الا ضرب من ضروب الخرافة ؟؟؟ نحن لا نريد أن نجزم بشيء - هنا - ولا أن «نفتش» في النوايا ولا أن نقرأ الأشياء قراءة تآمرية وانما نريد - فقط - أن نوجه الى ضرورة أن تكون هناك لجنة للتثبت في دقة وصحة الآيات القرآنية التي يستشهد بها الأستاذ الصديق في كل حصة من حصص برنامجه «وانت على دينك» قبل بثها للناس والعالم... افعلوا هذا - على الأقل - يا جماعة «قناة نسمة»... وأنتم على دينكم...