مع بلوغ موسم إنتاج الحليب ذروته هذه الفترة، وتحسبا للسيناريوهات البغيضة للأزمات التي طالما اضطهدت مربي الماشية لا سيما الصغار منهم سارع المنتجون إلى إطلاق صافرة الخطر واستباق الأزمة قبل تفاقمها بطرح مجمل المشاغل والإشكاليات التي قد تهدد صيرورة الموسم الذي يلوح جيدا على مستوى حجم الإنتاج وذلك بلفت انتباه أصحاب القرار إلى المشاكل والوضعيات المتوقعة والطارئة التي من شأنها عرقلة جهود إنجاح الموسم. خاصة أن بعض بوادر الإشكاليات بدأت تبرز ولم يتعد موسم الذروة فتراته الأولى كما أفادنا بذلك عضو الهيئة المديرة للنقابة التونسية للفلاحين والمكلف بقطاع تربية الماشية كريم داود مبررا مخاوف المنتجين ببروز بعض مؤشرات مشاكل المربين بسيدي بوزيد وآخرها جد أمس حيث تم رفض قبول شاحنة محملة بالحليب من قبل إحدى مركزيات التصنيع ما دفع أصحابها إلى التفكير في التخلص منها بإتلافها وإفراغها أرضا ولا حيلة لهم غير هذا الخيار المرير حسب محدثنا. ذات الإشكاليات تطرح وستطرح حتما في عديد مناطق الإنتاج إذا لم يتم التدخل السريع والناجع لمعالجتها.
مراجعة السعر المرجعي
ومن بين أبرز المشاغل المطروحة ما يتعلق بسعر الإنتاج الذي لا يفي المنتجين حقهم من الإنصاف طبقا لتقييمات الفلاحين على خلفية استناد مراكز التجميع إلى السعر الأدنى المضمون 580مليما عند قبول المنتوج، وهو ما يثير امتعاضهم بفعل تصاعد كلفة الإنتاج وارتفاع معلوم المواد الأولية وعدم قدرة السعر المقترح منذ فيفري 2010على تغطية النفقات والمصاريف المتزايدة التي يتكبدونها. وفي تناوله لهذه المسألة اعتبر داود أن مراجعة السعر الأدنى المضمون حتمية لا مناص منها يفرضها تطور أسعار الأعلاف التي سجلت زيادة بحوالي 30دينارا في الطن الواحد خلال شهر مارس ما يمثل زيادة في كلفة إنتاج اللتر الواحد من الحليب بما يقارب 24مليما حسب الطرح الحسابي للمتحدث. ..ومن الوفرة ما أربك إلى هذه النقطة تنضاف إلى مشاغل المربين مخاوف ولدت في حقيقة الأمر من رحم عرق جبينهم ومما كابدوه من عناء في تربية أبقارهم لتأمين أقصى حد من الإنتاج تتمظهر في ما يمكن أن تثيره الوفرة المتوقعة هذه السنة والتي يصل معدلها اليومي حاليا ما بين 1.9مليون لتر ومليوني لتر مقابل طاقة استيعاب متوفرة لدى المركزيات ب2.1مليون لتر من مشاكل سيلتف حبلها في نهاية المطاف حول عنق المربي دون سواه جراء طول طوابير الانتظار أمام مراكز التجميع ما ينعكس على جودة المنتوج بفعل ارتفاع درجات الحرارة، هذا عدا الوضعيات الطارئة التي تحف ببعض وحدات التصنيع تحول دون تقبل الحليب في الإبان وتركه يتعفن في الطوابير تحت أشعة الشمس ما يحكم على المنتجين بالعودة إلى قواعدهم بخفي حنين بسبب رفض المركزيات تسلم المنتوج ذي الجودة المتدنية حيث يتعذر على المجمعين خلاص المربين . في هذا الصدد أشار عضو النقابة إلى أن المربي في هذه الحالة يظل الضحية الرئيسية لأن بعض الكميات من الحليب المرفوض من المركزيات تجد طريقها إلى المسالك الموازية لصنع المشتقات بأسعار منخفضة . وإزاء هكذا مخاوف وحتى لا تتكرر مشاهد سابقة مؤسفة في إتلاف الحليب والإلقاء به بالطريق العام في فترة الذروة يقترح المتحدث تشغيل وحدة تجفيف الحليب لامتصاص جانب من الإنتاج إلى جانب فتح مجال التصدير لما يزيد عن الحاجيات الاستهلاكية ومتطلبات تكوين المخزون التعديلي. وتتوجه دعوة المنتجين لتجاوز الإخلالات والاشكاليات المألوفة في مستوى المنظومة التي وصفها كريم داود بالهشة والشبيهة «بالعملاق ذي الأرجل من طين» إلى وضع برنامج وطني متكامل لتأهيل جميع حلقات القطاع وتكاتف جهود جميع المتدخلين لضمان أفضل الظروف لإنجاح الموسم وترسيخ شفافية المعاملات في مستوى جودة المنتوج بوضع مخابر معتمدة وذات مرجعية إضافة إلى الوحدات المتنقلة لمجمع اللحوم الحمراء والألبان للتحكيم عند الاقتضاء.
مراقبة الجودة
على ذكر الجودة وتفعيل كافة الآليات للمحافظة على نوعية رفيعة للحليب في مختلف حلقاته نبّه عضو نقابة الفلاحين إلى ظاهرة قال إنه بادر إلى لفت النظر إلى خطورتها قبل 2010 تتمثل في محاولات البعض استغلال بكتيريا مستخرجة من الحليب عند تصنيع الجبن وتعرف ب»لاكتوساروم» تستخدم عادة في صنع البسكويت ويقع توريدها خصيصا لهذه الغاية وذلك بإعادة استغلالها في صنع الحليب بمزجها بالماء والحليب وهو ما يستدعي حسب ما صرح به تكثيف المراقبة والصرامة في التصدي لهذه العمليات للحد من مظاهر الغش في الحليب وبالتالي ضمان شفافية أكبر في مستوى تأمين جودة الحليب . فهل تجد مقترحات المنتجين ومشاغلهم المطروحة آذانا صاغية من الإدارات المعنية حتى يساهم كل من موقعه في انجاح موسم الذروة، فلا يجوع الذئب ولا يشتكي الراعي ويسعد بالتالي المنتج بمردود جهده وتعبه ويستمتع المستهلك بكوب حليب دسم ييسر الهضم سعرا ومذاقا وجودة؟.