لجأ القضاة بكافة محاكم البلاد إلى خيار التصعيد بشن اضراب عام حضوري طيلة يوم أمس، وهو خيار اعتبرته كل من جمعية ونقابة القضاة الورقة الوحيدة المتبقية لدى القضاء للفت نظر كل من السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية ممثلة في المجلس التأسيسي لاقرار مشروع قانون الهيئة الوقتية للقضاء العدلي الذي طال انتظار البت فيه. ويسجل هذا الإضراب بيوم كامل مع مراعاة الحالات الاستعجالية، لأول مرة في تونس منذ عقود مما يعكس حسب المتتبعين للشأن القضائي الطريق المسدودة التي وصل اليها هذا القطاع الحيوي. لقد أكد وزير العدل الجديد نذير بن عمو منذ أيام استعداد الوزارة للعمل على ارساء مبدإ استقلالية القضاء وإبعاده عن كل التجاذبات السياسية وذلك لدى استقباله لممثلين عن كل من جمعية ونقابة القضاة.. ولكن إرادة التعجيل بإقرار هذه الهيئة الوقتية كهيكل مستقل للإشراف على تسيير القطاع لم ترتق إلى مبادرة الوزير وظلت عائمة في أروقة «التأسيسي». إن المطالب الملحة للقضاء تختزل في مبادئ جوهرية ثلاثة هي: استقلالية النيابة العمومية عن سلطة وزير العدل إلغاء آلية الإعفاء والعزل التي يتمتع بها الوزير في مجال التأديب توفير كل الضمانات لاستقلال القضاء وفق المعايير الدولية.. يضاف لهذه المبادئ إعادة النظر في التركيبة المقترحة للهيئة الوقتية للقضاء العدلي والتي تضمنت وفق مشروع القانون المعني ادراج أعضاء من غير القضاة في الهيئة مما يمثل في نظر الجمعية والنقابة ضربا لاستقلالية القطاع. إن المسار الديمقراطي الذي تعيشه تونس بعد الثورة يستدعي قضاء مستقلا يشرف عليه هيكل ممثل والأمر نفسه بالنسبة لقطاع الإعلام الذي يعاني من الانفلات والتجاذبات ومحاولات التدجين المتكررة في غياب هيكل يسهر على حظوظه. وهذه الاستقلالية المطلوبة سواء في القضاء أو الإعلام هي الضمانة الوحيدة لانجاح هذا المسار الانتقالي الصعب... وهذا ما يحمل المجلس الوطني التأسيسي ورئاسة الجمهورية مسؤولية جسيمة نظرا للأوضاع المتردية التي أصبح عليها هذين القطاعين الحيويين بعد تداخل السياسي والمهني نتيجة المحاصصة السياسية والاملاءات الفوقية.. والتلكؤ في البت في هذين الملفين المعلقين منذ أشهر رغم الدعوات الملحة من المهنيين للحسم فيهما. إن للمجلس التأسيسي ورئاسة الجمهورية دور حيوي في إسناد الثورة بهياكل ومؤسسات مستقلة وشفافة تستمد شرعيتها من أهل المهنة وتؤسس لقضاء مستقل واعلام محايد يستجيبان للمعايير الدولية المعتمدة في الدول الديمقراطية. وفي غياب هذه الارادة ستظل عديد القطاعات رهينة التوظيف السياسي وفي حالة ارتباك متواصل وتداعياتها خطيرة على المسار التأسيسي بعد الثورة.