باردو الصباح: "لا نريد الاستماع إلى مشاغلكم الشخصية بل نرغب في أن نعرف رؤيتكم لتونس وللوطنية والإعلام ولتواجدكم في المنابر السياسية ونرغب في التعرف على مواقفكم من المظاهر الدخيلة ومن اللباس الطائفي الأسود".. هذا ما قالته السيدة هدى بيزيد النائبة بمجلس النواب خلال إشرافها مساء أول أمس على منتدى للحوار مع الشباب أقيم بمعهد خزندار ببادرو وكانت تستمع إليهم وتسجل من حين إلى آخر بعض الملاحظات وتطرح أسئلة عامة ووجيزة وتطالعون التفاصيل في هذا النقل: وانعقد اللقاء إذن في إحدى قاعات المعهد.. وجلست النائبة إلى مكتب فوق المسطبة في حين جلس الشبان على المقاعد المخصصة للتلاميذ وهو ما يذكّر بأجواء الدراسة.. أستاذة تسأل وتلاميذ يجيبون.. ودعا هذا الوضع أحد الشبان الجالسين أمامي إلى الهمس إلى صديقه "جات تقري فينا".. وكانت بداية الحوار صعبة.. لكن سرعان ما تخلص الشبان الحاضرون من الارتباك وتكلموا بتلقائية.. وقال أحدهم متحدثا عن المظاهر الدخيلة واللباس الغريب أن الإيمان في القلب وليس من الضروري أن ترتدي المرأة الحجاب.. وفي المقابل قال آخر إنه يمكن للمرأة ارتداء حجاب ولكن من الغرابة أن ترتدي قفازات سوداء وبين أن المرأة التي ترتدي الخمار تبدو له جميلة وذكر آخر أن الحجاب أصبح اليوم بعدة ألوان وقد كانت المرأة في الماضي ترتديه للتستر لكنها اليوم تريد أن تتميز به عن غيرها من النساء.. وأضاف "الغريب في الأمر أن الفتيات المحجبات وقبل الذهاب إلى المساجد يضعن أفوح العطور ويزين وجوههن بمواد التجميل".. وبين أحد الشبان أن ارتداء المرأة الخمار أمر محبذ وأن من لا ترتديه تعد متبرجة وقاطع آخر وأشار إلى أن أخلاق المرأة ليست مرتبطة بلباسها. وذكر شاب يدعى سيف الدين وهو منشط شبابي. وخريج جامعة الزيتونة وإمام خطيب أن هناك رغبة في تونس في القضاء على الميوعة والملابس الفاتنة التي قد تتسبب في ظاهرة الاغتصاب وكذلك الشأن بالنسبة إلى اللباس الطائفي الوافد من الخارج وهو خاص بطائفة معينة ويتناقض مع هوية تونس. وبين أنه يمكن للنساء ارتداء "الحرام" و"السفساري".. وأضاف أن القميص الأبيض الذي يرتديه الشبان لا يمت بأية صلة إلى التقاليد التونسية وذكر أنه بإمكان الشاب ارتداء الجبة التونسية.. وبين أنه شاب ويبلغ عمره 27 سنة وهو يرتدي الجبة ولكن كثيرا ما يقول له الناس إنك مازلت صغيرا في السن فلماذا ترتدي هذه الملابس. وبين شاب آخر أن هناك فتيات يرتدين الجينس لكنهن مؤدبات للغاية في حين أن أخريات يرتدين الخمار لكنّهنّ سيئات السلوك. وأفاد أحد الشبان أن الشباب التونسي يصاب بالعدوى فهو يقلد الآخر ويجرب كل ما هو جديد.. مشاغل عن سؤال يتعلق بمشاغل الشباب أجاب منتصر أن الشباب يعيش الكثير من المشاكل مثل عدم القدرة على الزواج نظرا لعدم توفر الإمكانيات المادية الكافية لذلك. وبين أن الشاب في الماضي كان يعثر على شغل بسهولة لكن الآن تغير الحال.. وقال " لما أصبحت "لنثة" (الأنثى) تعمل أغلقت أبواب مواطن الشغل أمام الرجال.. وأرى أنه ليس من المعقول أن تقبل الأنثى براتب متدن.. وتسد بذلك المجال أمام الذكور". وأضاف أن المرأة أفتكت مواطن الشغل ولكنها لا تريد المشاركة في مصروف المنزل وهي لا تقبل بأن تعطي مالها لزوجها. وفي المقابل بينت شابة أخرى أن المرأة تضطلع بأكبر قسط من المسؤولية في العائلة فهي التي تعطي المال لأبنائها وهي التي تهتم بهم وبدراستهم. وقال أحد الشبان إن هناك تعاونا بين الزوجين.. ولكن عشر النساء العاملات لا ترغبن في المساهمة في النفقات المنزلية وترغبن في اقتناء سيارات. وذكر أن هناك مشكلا آخر لا يقل أهمية وهو أن المرأة التونسية تتمتع اليوم بمكانة علمية هامة وكثيرا ما يكون مستواها الدراسي أحسن من زوجها ويكون بالتالي راتبها أفضل منه. وفسر أن الرجل يرفض تفوق المرأة عليه. وفي المقابل لاحظ آخر أن شخصية الرجل هي التي تجعله يفرض نفسه على زوجته. الوطنية.. التطرّف.. والمشاركة السياسية تحدث شباب باردو عن الهوية والوطنية وعن غياب الوعي بالوطنية في الملاعب الرياضية.. وبين أحدهم أن الشباب الذين يؤمون الملاعب لا يحترمون النشيد الوطني وكثيرا ما تراهم يصرخون ويصفّرون ساعة إلقاء النشيد الوطني وبين أنه أحيانا ينساق معهم ولا يعرف السبب رغم أنه مقتنع بضرورة احترام النشيد الوطني والوقوف صمتا عند الاستماع إليه.. ولاحظ أن المربين مدعوون إلى مزيد تأطير التلاميذ لتعويدهم على تحية العلم لأن ذلك يزرع فيهم حب الوطن. وقال إن هناك قطيعة بين الشاب وتاريخه.. "فلو يفكر الشاب للحظة في الثوار والفلاقة وفي الماضي الاستعماري سيدرك قيمة الوطن". وبين أنه حينما كان تلميذا في البكالوريا كان يسمع زملاءه يقولون "باش نطيحو محور تاريخ تونس" أي أنهم لا يراجعون هذا المحور لأنّهم لا يحبذونه وفسر أنه لا يوجد خلل بيداغوجي في المسألة نظرا لأن محور تاريخ الحركة الوطنية يعد من أبرز محاور برنامج التاريخ. وبين أخر أن الوطنية تتبلور في الظروف الصعبة في الاستعمار مثلا وفي الكوارث لكن الشاب التونسي يعيش الآن في رخاء لهذا لا تبرز الوطنية لديه إلا في الملاعب الرياضية.. وذكر أنه يجب على الأساتذة التركيز في برنامج التاريخ على فترة بناء الدولة الوطنية خلال الحكم البورقيبي ويجب تقديم صياغة جديدة لفهم التاريخ. ولاحظ أيمن أن الوطنية تتجسم في التضامن الواعي وأن مصلحة المجموعة تكون في التضامن وبين أن الشباب التونسي بعيد كل البعد عن العمل التطوعي لذلك يجب ترغيبه فيه إذ يمكن تحفيز التلاميذ على التطوع وقدم مثالا على ذلك وهو إسعاف التلاميذ ضعاف النتائج بالنجاح عند القيام بأنشطة تطوعية مثل تنظيف المعهد. وذكرت طالبة بمعهد الصحافة أن العائلة هي التي تزرع في أبنائها قيمة العمل التطوعي وهي ترى أن العدل بين الأبناء يرسخ في داخلهم مفهوم التطوع والعطاء. وعن شعار "تونس أولا" بين الشبان المشاركون في الحوار أن معناه هو "مصلحة المجموعة قبل المصلحة الفردية". وعن سؤال يتعلق بكيفية حماية تونس من موجات التطرف أجاب أحد الشبان أنه يجب تعديل البوصلة ولاحظ اختلاط الحابل بالنابل إذ أصبح هناك شباب يبالغ في مشاهدة القنوات الدينية وآخرون يبالغون في الاهتمام بمظهرهم ولباسهم فمن القمصان البيضاء واللحي إلى السروايل المتدلية ومن شق هارب إلى الدين إلى شق هارب إلى الميوعة.. ولاحظ أن الإعلام هو المسؤول على تعديل هذه البوصلة إضافة إلى أنها مهمة قطاع التربية والتكوين المهني.. وبين آخر أن القنوات الفضائية دخلت البيوت دون استئذان وكثير منها تبث السموم وتبعث على اليأس لأنها لا تتحدث إلا عن عذاب القبر وهو ما يستدعي إيجاد البديل ببعث قناة تلفزية وطنية دينية تؤكد المذهب المالكي . وعن المشاركة في الحياة السياسية والأحزاب والمنظمات بين أحد الشبان أنها تأتي في مرحلة ثانية أي بعد أن يعثر الشاب على موطن شغل ويحقق ذاته وتتضح رؤيته للأشياء فعندها يعرف أي حزب يرغب في الانتماء إليه. وذكر آخر أنه لا يعرف كيف ينخرط في الأحزاب والجمعيات واقترح تدريس مادة التربية المدنية طيلة سنوات التعليم الثانوي وجعلها مادة حية تقوم على الأشغال التطبيقية كأن يرافق الأستاذ تلاميذه في زيارة إلى الجمعيات والمنظمات والأحزاب. التعليم.. التكوين.. التشغيل عن التعليم والتكوين المهني والتعليم العالي والإصلاحات التي شهدتها هذه القطاعات والتشغيل بين أحد الشبان أنه غادر المدرسة في التاسعة أساسي وبين أن آلاف الشبان مثله ينقطعون عن الدراسة في سن مبكرة ولا يريدون مواصلة التعليم لأن هناك آلاف الشبان تخرجوا من الجامعات التونسية ولكنهم عاطلون عن العمل وبين أن البطالة جعلت بعضهم يقدم على الانتحار.. وذكر أنه عاطل عن العمل منذ سنتين وأنه يعرف أن هناك من عانى من البطالة فانحرف وانخرط في بيع الممنوعات أو قتل والده أو أمه أو انتهى به الأمر في مستشفى الرازي بمنوبة.. وأضاف أنه نجح في مناظرة للالتحاق بمركز تكوين مهني لكن ذلك المركز لا يوفر السكن وبالتالي فقد حرم من هذه الفرصة لأن إمكانيات والده غير كافية لكي يتكفل بمصاريف كراء مسكن. وبين آخر وهو شاب من معهد الصحافة وعلوم الإخبار أن الشاب يجب أن يكون مقتدرا لكي يضمن لنفسه مكانا في سوق الشغل.. وذكر أن الشاب يتخرج من الجامعة ولكنه لا يبحث عن فرص الشغل ويقبع في المنزل ويتكبّر عن ممارسة بعض الوظائف.. وذكر أنه لاحظ أن هناك طلبة يعملون في الحظائر ويعملون بمراكز النداء رغم أنهم يدرسون وذلك لكي يساهموا في مصاريف دراستهم في حين يرفض خريج الجامعة مثل هذه الأعمال ويقول "قريت قريت باش نخدم في المرمة".. وبين أن هناك تلاميذ في المعاهد الثانوية يبيعون العطور وينسخون الأقراص الليزرية ويروجونها ويشتغلون في الحظائر وفي المصانع ولكنهم لا يتأففون من العمل. وبين أن ظاهرة الانحراف وبيع الممنوعات ليس سببها البطالة فالشاب يمكنه أن يجد شغلا.. وذكر أن مدرجات الجامعات تغص بالطلبة وليس بالإمكان تشغيلهم جميعا في الوظيفة العمومية. وقال أحد الشبان إن هناك بعثات إلى ايطاليا لكنه حينما يسأل عنها في مكتب التشغيل يقولون له لا توجد بعثات في حين أنه يعرف أشخاصا تمكنوا من السفر نظرا لأنهم استعملوا وسائلهم الخاصة.. وبين أحد الشبان أن التشغيل مرتبط بالعرض والطلب إذ توجد شعب ذات تشغيلية عالية مثل الاتصالات والهندسة وأخرى يكون مصير جل خريجيها البطالة لذلك يجب تقديم النصح للتلاميذ قبل عمليات التوجيه وبين أحدهم أن الشباب تغلغل فيه اليأس وهو أمر غير جيد ودعا الشباب ليبحث عن كل فرص النجاة وعدم اليأس. الأصالة والحداثة عن مسألة الحداثة ومدى تجذر تونس في هويتها العربية الإسلامية وتفتحها على الآخر بين أحد الشبان أن تونس مواكبة للحداثة.. وذكر أنه يتمنى أن يشاهد يوما سيارة من صنع تونسي مائة بالمائة. وقال شاب آخر إنه حينما يقارن الشاب التونسي مع شبان البلدان الشقيقة يدرك أن الوضع الأمني في تونس أفضل بكثير. وعن ملف الإعلام بينت ريم أن الإعلام يضطلع بدور كبير نظرا لأنه يستقطب الشباب.. وذكر آخر أن الإعلام في تونس منقوص.. فهو يركز على الترفيه فقط لكن يجب تقديم برامج وثائقية وثقافية. وبين أن التلقائية في البرامج التلفزيونية مفقودة. هكذا انتهى الحوار الذي شارك فيه ثلة من الشبان داخل قاعة المعهد لكنه تواصل خارجها.. وهو الأهم..