الآلة الصهيونية لها أكثر من مبرر لاغتيال محمد البراهمي وضرب الثورة في تصريح خصّ به"الصباح" بمناسبة أربعينية الشهيد الحاج محمد البراهمي تحدّث المؤرّخ التونسي سالم الحداد عن السياقات الزمنية لخلفية الإغتيال والأطراف الإقليمية التي كانت وراءها إلى جانب تداعيات هذه الجريمة النكراء. فيما يلي نص الحوار +ماهي السياقات الزمنية لخلفية إغتيال الشهيد الحاج محمد البراهمي حسب رايك؟ -تزامنت عملية الاغتيال مع عدة أحداث ذات دلالة أوّلها تعزيز صفوف الجبهة الشعبية بأكبر فصيل قومي على الساحة الوطنية وبروز محمد البراهمي أمينها العام(حركة الشعب قبل تأسيسه للتيار الشعبي) وعضو المجلس التأسيسي كشخصية وطنية قومية لها مواقف حاسمة من السلطة وبالتحديد من حركة النهضة حيث كان يسدد لها سهام النقد الحادة في العديد من المناسبات ويحملها في البرلمان وخارجه مسؤولية تعثر الثورة بل والانحراف بها عن مسارها وكان محور اهتمام العديد من وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة في الأشهر التي سبقت اغتياله.هذا النقد اللاذع سمح بتوجيه التهمة للنهضة. ثانيا، رهان تحصين الثورة، الذي يتمثل في سن قانون من المجلس التأسيسي يقصي أنصار النظام السابق من الترشح للانتخابات التشريعية القادمة وفي مقدمتهم رئيس حزب النداء الباجي قائد السبسي الذي ما فتئ يتحدى الثلاثي الحاكم قائلا: "إنكم لا تستطيعون أن تمرروا هذا القانون ولن تصلوا إلى تلك المرحلة" الحدث الثالث الذي تزامنت معه عملية الإغتيال كذلك تمثّل في إحياء ذكرى الثورة المصرية في 23 جويلية سنة 1952 التي قادها الضباط الأحرار بقيادة الرئيس جمال عبد الناصر التي فجرت النضال العربي ضد الرجعية والإمبريالية والصهيونية والتي ألهمت الشباب العربي روح التضحية في سبيل الحرية والاشتراكية والوحدة ودفعتهم لتشكيل تنظيمات مناضلة ومنها حركة الشعب التي يتولى محمد البراهمي أمانتها العامة فاغتياله في هذه المناسبة يمثل تحديا للحركة القومية في تونس وقد يحدث ردود فعل لدى القوميين ضد الإسلاميين، و أخيرا إضراب الجوع التضامني الذي شنه في المجلس التأسيسي صحبة زميله الخصخوصي مطالبا بإطلاق سراح الموقوفين من منطقة سيدي بوزيد مسقط الثورة والاستجابة لمطالبهم وقد سبق لمحمد البراهمي أن واكب تحركات الجماهيرية ميدانيا وفاز بثقتها وتفاعل مع قضاياها، وهذا ما يجعل المخطط لعملية الاغتيال يتصور أن ردود فعل المنطقة ستكون عنيفة، وقد تكون منطلقا لثورة ثانية على الحكام الجدد أطراف إقليمية ودولية +تذهب عديد التحليلات إلى وجود أطراف دولية وإقليمية معادية للثورة كانت وراء عملية الإغتيال. كيف لكم توصيف ذلك؟ - لا يستبعد المحللون أن تكون هناك أربعة أطراف على الأقل وراء عملية الاغتيال من مصلحتها أن تنسف الثورة وهي أطراف دولية وعربية منها المخابرات الفرنسية، ففرنسا منذ البداية مناهضة للثورة وقد طلبت من بن علي عن طريق وزيرة الخارجية مده بتجهيزات أمنية متطورة لقمع المظاهرات فقد تمكن النظام السابق من أن ينسج علاقات متينة مع العديد من الشخصيات النافذة في فرنسا سواء من اليمين أو اليسار وأن يوفر لهم إقامة مريحة في المدن السياحية وتمكين فرنسا الحبيب بورقيبة سنة 1956من التخلص من الحركة اليوسفية عندما وضعت تحت تصرفه وحدات الجيش الفرنسي، وكذلك قامت بقطع رأس الحركة النقابية فاغتالت حشاد . وقد سبق لهذه المخابرات أن تورطت في اغتيال المهدي بن بركة مع المخابرات المغربية والصهيونية *كيف ترى الدور الخليجي في ظل هذه الثورات التي تفجّرت في بلدان الربيع العربي؟ - لقد صارت بعض دول الخليج منزعجة من ثورات الربيع العربي والتي يمكن أن تهددها على المدى المتوسط والبعيد، وقد بدأت تتدخل بشكل علني في السنوات الأخيرة ، وتريد أن تكون فاعلة على الساحة الإسلامية والدولية ويقوم تدخلها على مبررين أساسيين هما المعاداة لهذا النمط من الثورات التي تتناقض كليا مع خياراتها وبنيتها السياسية والاجتماعية من جهة و صراعها المكشوف مع الأسرة الحاكمة في قطر من جهة أخرى، فآل حمد اختاروا الوقوف إلى جانب الحركات الإسلامية الإخوانية في مصر وتونس وسوريا ويقدمون لهم الدعم المالي والإعلامي والعسكري كما هو حاصل في سوريا، أما آل سعود فإنهم يسندون كل الحركات المعادية للإخوان بما في ذلك الحركة السلفية الجهادية ويعملون على إفشال التجربة الإخوانية في الحكم. وهذا ما بدا بشكل واضح في مصر حيث دعمت السعودية إزاحة الرئيس المصري وقدمت مع دولة الإمارات حوالي 10مليارات دولار مساعدة لمصر تجريم التطبيع *لكن قيادات التيار الشعبي ومن بينهم الشهيد البراهمي سبق أن نبّهت الى وجود آلة استخباراتية تركّزت في تونس تقودها أطراف مرتبطة مباشرة بالكيان الصهيوني. فماهي قراءتكم لذلك؟ -سبق لهذه الآلة الجهنمية الصهيونية أن أعلنت أنها ركزت مجموعة من الخلايا المخابراتية في تونس، ولها أكثر من مبرر لاغتيال محمد البراهمي وضرب الثورة. فقد وجه الكيان الصهيوني ضربتين عقابا للشعب التونسي الذي احتضن المقاومة الفلسطينية،الأولى في حمام الشط 1أكتوبر1985و الثانية اغتيال القائد أبي جهاد مهندس الانتفاضة في فلسطين سنة 1988.وبالإضافة إلى معاداة هذا الكيان للثورة فإن محمد البراهمي كان من أبرز القيادات التي أصرت على تضمين الدستور تجريم التطبيع، وقد اصطدم في ذلك مع ممثلي النهضة في المجلس التأسيسي ومع رئيس المجلس مصطفى بن جعفر الذي أعلن في النمسا أن تجريم التطبيع تطرحه أقلية قومية وبالتالي فهو غير ملزم به. غير أن توجيه التهمة للأطراف الخارجية لا يعفي الثلاثي الحاكم وفي مقدمته النهضة من المسؤولية في حماية المواطنين والمناضلين الذين لهم تجاذبات سياسية مع السلطة سلبا وإيجابا، فالسلطة لها مسؤولية أمنية وسياسية وأخلاقية +ما هي تداعيات عملية اغتيال الحاج محمد البراهمي؟ - جريمة اغتيال البراهمي أيقظت الجميع من سباتهم، فقد اهتز لها المواطن التونسي العادي من أعمق أعماقه فأصيب بالوجوم والحيرة حيث لم يجد أي مبرر للقتل لا سياسي ولا ديني بالإضافة إلى أن البراهمي رجل دمث الأخلاق ودود صاحب عائلة متواضعة أما الطبقة السياسية فقد أحست أنها جميعا مستهدفة وأن الموت ينتظرها في كل لحظة، فوجهت السهام نحو الحكومة وتحديدا النهضة وصارت الشعارات المرفوعة في المسيرات " يا غنوشي يا سفاح يا قتال الأرواح " وسرعان ما تشكلت لجان محلية وجهوية لقيادة المسيرات وتنظيم الاعتصامات استعدادا للعصيان المدني والسيطرة على المؤسسات وتعيين ولاة يسيّرون شؤونها، ثم تطور هذا الحراك السياسي على مستوى المعارضة إلى تشكيل ما سمي "جبهة الإنقاذ "