للأسف الشديد حدث في ليبيا ما كنا نخشاه.. وما كان حذر منه كلّ العقلاء.. وطالبوا بأن لا يحدث..لقد وقعت الآن الفأس في الرأس.. وها أننا سنشهد وسنرى السيناريو العراقي يتكرر في ليبيا الشقيقة.. فالتدخل الأجنبي أصبح حقيقة.. وصار «شرعية دولية».. وكل شيء ممكن.. وكل الاحتمالات أصبحت قائمة بما في ذلك دخول قوات برية الى التراب الليبي الذي أصبح أمرا غير مستبعد.. ولكن من المسؤول عن كل الذي جرى وسيجري؟ لا أحد.. غير القذافي.. فهو بتعنته وغطرسته أوصل ليبيا الى وضع أقل ما يقال فيه أنه وضع غير إنساني ومأساوي على الإطلاق.. وهو ضع غرائبي وعجائبي وسيريالي إلى أبعد الحدود فكيف يعقل أن تتحوّل الدولة الى عدو للشعب فتقاومه وكأنها تقاوم الغزاة.. إن القذافي تعامل مع شعبه وكأنه قوة غريبة أجنبية قادمة من خارج الوطن تريد الاستيلاء على ليبيا.. فانطلق هو وزبانيته يقتل.. ويدمر.. ويذبح.. ويهاجم.. ويسبّ.. ويلعن.. ويحرق!!! لقد أوصل الشعب الليبي إلى حالة عجيبة لم يعد يستطيع العالم أن يسكت عليها.. أو يتغافل عنها فلقد أصبحت المسألة جريمة إنسانية لا مجال للمساومة حولها.. إذن.. فإن القذافي هو المسؤول عن التدخل الأجنبي.. وهو الذي حرّض عليه بإصراره على البقاء في الحكم والزعم بأن الشعب يحبّه ولا يرضى بسواه.. إن القذافي لم يقتنع رغم كل ما جرى بأن الشعب الليبي لا يريد «معمّر العتيد».. ولا يريد «القائد الفاتح العظيم».. وظلّ يعيش حتى والأرض تتزلزل تحت أقدامه على أوهام الجوقة الخاصة التي تصفق وتهتف وتهلل وتطبّل له بينما هي جوقة من المرتزقة.. والمأجورين لا تعبّر عن الشعب الليبي في شيء.. ولا علاقة لهذا الشعب بها.. لقد اتهم القذافي شعبه بشتى الاتهامات الباطلة والدنيئة والخسيسة وأشهرها الاتهام بتناول حبوب الهلوسة ولم يكن يعلم أنه بذلك كان يوسّع في رقعة الحريق.. ويؤجّج مشاعر الغضب.. ويصعّد من حالات الرفض الشعبي.. ولو استمع منذ اللحظة الأولى إلى أصوات الملايين من المحتجين والغاضبين والمطالبين بالتغيير واتبع طريق الحكمة والعقل والواقعية وتنازل للشعب وساعده على الانتقال السلمي الهادئ لكانت الصورة الآن أفضل وأجمل.. ولجنّب ليبيا الدماء والضحايا والأتعاب والخسائر على كل المستويات.. ولما أصبحت مثلما هو الحال الآن مهددة بأن تتحول الى نسخة أخرى من العراق الجريح المنكوب.. وعلى ذكر كلمة المنكوب هذه.. ما كنت أتمنى أن يغلط القذافي في حق تونس وشعبها ويصف البلد الشقيق الذي لطالما ساعده.. نعم ساعده.. وتحمّله.. وصبر عليه.. بأنه بلد منكوب وجوعان..!!! إن هذا التطاول على الشعب التونسي لا يليق بمسؤول يمرّ بأسوأ لحظات حياته ولكن إن دلّ ذلك على شيء فإنه يدلّ على أن الرجل اختلطت عليه الأمور فلم يعد يعرف ماذا يقول!!! فلا حول ولا قوّة إلا بالله