يواصل فيروس كورونا تمدده وانتشاره السريع ومعه تواصل المجتمعات خسارة المئات والآلاف من مواطنيها ومع كل ذلك تتواصل مشاعر الحيرة والقلق والعجز السياسي الذي أظهره معظم السياسيين وقادة الدول إلا قلة منهم من الذين تعنتوا وخيروا عدم اتباع نصائح المنظمة العالمية للصحة وطبقوا إجراءات أخرى خاصة لبلدانهم ولكنها مكلفة جدا ومضارها وخيمة وكلفتها كبيرة على الأرواح البشرية . ومع التطورات الكبيرة والسريعة التي يشهدها العالم ويراقبها الإنسان في كل العالم بكل خوف وحيرة و مع ارتفاع عد الإصابات بفيروس كورونا وارتفاع عدد الوفيات الذي وصل في كل من إيطاليا وفرنسا وإسبانيا إلى أرقام غير مسبوقة كان آخرها ما عرفها العالم في الحرب العالمية الثانية يدور سباق كبير بين العلماء وتنافس آخر في المخابر الطبية العالمية وشركات صنع الدواء العالمية من أجل الوصول إلى اكتشاف لقاح أو دواء ينهي مخاطر هذا الوباء ويضع حدا هذه الأزمة الصحية التي طالت أكثر من اللزوم وهي مرشحة أن تستمر لأشهر أخرى. وبعد أشهر من ظهور فيروس كوفيد 19 وما نتج عنه من خسائر كبيرة في المجال الاقتصادي والمالي والتجاري وتداعيات غير منتظرة على المجتمعات وحياة الأفراد الذين فرض عليهم هذا الفيروس تغيير عوائدهم وطرائق عيشهم ونمط سلوكهم وأجبرهم على إلتزام الحجر الشامل و الحرمان من الكثير من الحريات والحقوق وبعد أن قيل كل شيء حول هذه الجائحة و تناولت وسائل الإعلام بإطناب وتدقيق كبيرين كل ما يخص هذا الوباء حتى أصبح الحديث عنه حديثا معروفا ومقلقا ومملا بعد أن أصبح فيروس كورونا كالخبر والماء الذي لا يغيبان عن أي طعام فكل التلفزات وكل القنوات وكل وسائل الإعلام في العالم تتحدث يوميا ولساعات طويلة عن هذه الظاهرة الوبائية التي هزت الكرة الأرضية وأجبرتها أن تضع كمامة على وجهها . واليوم وبعد أن وضحت الصورة واكتمل المشهد وعرفت كل البشرية حقيقة هذا الوباء ووقفت على خطورته وطريقة انتشاره وفهمت ماذا يجب عليها أن تفعل للتوقي منه وفهمت أن الحل يحتاج إلى وقت وأن الانتصار على هذا الوباء يتطلب سنة كاملة على الاقل لاكتشاف لقاح لترويجه في الأسواق وحتى يبدأ الناس في استعماله. واليوم وبعد أصبح الحجر الصحي الإجراء التي اقترحته الحكومات حلا وقتيا وظرفيا ولا يمكن أن يتواصل ويدوم إلى ما لا نهاية له بعد أن تسبب في شل كل الحركة في المجتمع وغير الكثير من سلوك الناس وتسبب في تغيير نمط الحياة في جميع المجتمعات وجعل الإنسان يتأقلم بصعوبة مع وضع لم يعتد عليه . واليوم بعد هذه المعطيات التي هي اليوم حقيقة لا يختلف حولها إثنان بدأ التفكير في العالم وفي المجالس الوزارية لحكومات العالم وفي الفضاءات العلمية والإعلامية في البحث عن حلول ممكنة حتى تستأنف المجتمعات حياتها الطبيعية في انتظار أن يصل العلماء الى حل نهائي وفي اقتراح مخرج لهذه الوضعية التي وجدت فيها البشرية نفسها دون سابق علم ولا إنذار. ومن هذه الحلول التي يدور حولها اليوم نقاش وحوار ما صرح به " فرانسوا هيسبورغ " المتخصص في الجغرافيا السياسية والمستشار في مؤسسة البحوث الاستراتيجية ونقلته مجلة " L'Obs " الفرنسية حيث قال إنه في انتظار أن نبرهن على قدرتنا على السيطرة على هذا الوباء الذي أظهر قدرة فائقة على التحول والتطور فليس هناك إلا سيناريوهين إثنين ر مفر منهما للأشهر و السنوات القادمة وذلك حسب تطور فيروس كورونا. الأول وهو الأكثر ملاءمة والذي يقوم على فكرة أن العالم لديه الكثير من الاختيارات الممكنة لتطوير إجراءات الحجر بصفة منطقية وله القدرة الفائقة على اكتشاف لقاح وتوفير دواء في غضون عام ولكن إلى ذلك الحين ماذا سيحث ؟ وكيف سنتصرف ؟ في هذه الحالة فإن أول ما يجب فعله هو الحفاظ على الوضع الوقائي كامل شهر أفريل من هذا العام وبعده يبدأ العالم في رفع الحجر تدريجيا ولكن بمعدلات وفي أوقات مختلفة ولكن إذا لم يبدأ الأوروبيون في التنسيق فيما بينهم لتطبيق هذا الإجراء على الفور فإن هناك احتمال كبير بحدوث توتر شديد بين جميع الدول في الاتحاد وهنا يذكر بما يحدث في آسيا وبالحل الذي انتهجه الكوريون الجنوبيون واليابانيون الذين تشددوا في تطبيق إجراءات الوقاية بإغلاق كامل حدودهم حتى لا يدخل إليهم وافد قد يجلب معه العدوى بفيروس كورونا في مقابل التخفيف من إجراءات الحجر على مواطنيهم مع اتباع إجراءات صارمة بفحص كل قادم يدخل بلادهم بعد أن يضعوه في الحجر عند الاشتباه في حمله للوباء. يعتبر " فرانسوا هيسبورغ " أنه لا شيء يمنع حكومات أوروبا من اتخاذ تدابير مماثلة مع كل القادمين من خارج الاتحاد الأوروبي لكن المشكل الأكثر إحراجا هو كيف التصرف مع الأشخاص الذين يتنقلون داخل حدود الاتحاد ؟ حيث يطرح السؤال عن كيفية التصرف مع الايطاليين الشماليين الذين قد يرغبون بعد شهرين من الحجر في الذهاب إلى النمسا أو ألمانيا حيث الحجر لا يزال قائما ومستمرا وما دامت هناك خشية قائمة من عودة فيروس كورونا وخطرا محققا منه فإن الاتجاه العام والحل الأسلم يكون في الإغلاق التام لدول الاتحاد على نفسها وهنا يطرح السؤال المقلق كيف يمكن للاتحاد الأوروبي في ظل هذه الظروف أن يدير مرحلة ما بعد الحجر. السيناريو الثاني الذي ينتظر العالم هو سيناريو يقول عنه " فرانسوا هيسبورغ " بأنه كارثي يقوم على فرضية أن يتأخر العلماء في اكتشاف لقاح للفيروس وهو أمر غير مقبول من الناحية العلمية وبعيدا عن الاحتمال رغم أن المعلومات حول هذا الوباء الجديد لا تزال شحيحة ولكن هذه الفرضية غير مستبعدة ومعها يكون الناس في ظل عالم غير معروف تماما يشبه وضع العالم في القرن الرابع عشر الميلادي في زمن العصور الوسطى حيث يقتل الفيروس الكثير من البشر وتكثر الأوبئة القاتلة من دون وجود دواء ناجع لها مما يضطر الإنسان إلى التكيف معها ويتعلم كيفية التعايش مع الوباء بما يعني أن هذا السيناريو يرتب للبشرية واقعا جديدا وحياة مختلفة قوامها التكيف والتعايش مع مثل هذه الأمراض المعدية الخطيرة والقبول باستئناف الحياة على ما تمثله من مخاطر في ظل عدم التوصل إلى حل علمي وسريع ينهي المخاطر و الخوف المخيم على الأرض . وينهي هذا المختص حديثه عن العالم في ظل هذا السيناريو بأن داء الطاعون الكبير الذي قتل ثلث سكان العالم قد أعقبته فترة رخاء و تزايد للطعام وازدهرت بعده الفلاحة وتطورت بسبب ارتفاع أجور المزارعين كما أن الطاعون لم يمنع من ظهور عصر النهضة الاوروبية وهذا السيناريو المظلم هو في نظر " فرانسوا هيسبورغ " يدعو كل إنسان متمسك بالتفاؤل إلى التساؤل عن كنه النهضة الجديدة المرتقبة بعد الكورونا وعن حال الانسانية ومستقبلها القريب والبعيد ؟