لم تهدأ الآلة السياسية الأمريكية على اتهام الصين بتعمدها تقويض أركان النظام العالمي الحالي وإدخال أغلب اقتصاديات الدول الغربية في حالة من الإرباك والعجز من وراء نشر وباء خطير في العالم ولم يترك الرئيس الأمريكي مناسبة إلا و أعلن فيها اتهامه الصريح والمباشر للحكومة الصينية بتعمدها صناعة فيروس قاتل لإدخال البشرية قاطبة في حالة من الفوضى والهلع بغاية تغيير كل التوازنات القائمة بهدف افتكاك موقع قيادة العالم وزعامته من الولاياتالمتحدةالأمريكية فالجائحة الوبائية التي تمر بها الإنسانية اليوم بسبب انتشار فيروس كورنا وما تسبب فيه من انهيار الاقتصاد والعمل والمال وخسارة الكثير من الاستثمارات والمشاريع هو في نظر ترامب بفعل الحكومة الصينية التي تعمدت صناعة هذا الفيروس في أحد مخابر مدينة يوهان التي ظهر فيها الوباء لأول مرة بعد أن تعمدت إخفاءها والتمويه على الكثير من المعلومات والمعطيات المتعلقة بحقيقة هذا الوباء. و هذا الإحراج السياسي الذي تقوم به واشنطن اليوم باتهام صريح لبكين وتبعها في ذلك الكثير من العواصم الغربية على غرار فرنسا وبريطانيا اللتان أبدتا الكثير من الشكوك بخصوص الرواية الصينية في علاقة بحقيقة فيروس كورونا وكيفية ظهوره والكثير من الحقائق الأخرى حول التعاطي معه قد فرض على الدولة الصينية الخروج عن صمتها والتعبير عن موقفها الرسمي من كل الاتهامات الموجهة إليها بإرباك العالم وتقويض أركان النظام العالمي وأسسه التي يقوم عليها وذلك على لسان وزير خارجيتها الذي لم يخف توتر العلاقات بين البلدين وارتفاع لهجة الاتهامات المتبادلة حيث تحمل الصين هي الأخرى الولاياتالمتحدةالامريكية المسؤولية فيما حصل من أضرار لاقتصادها بسبب انتشار هذا الوباء في مدينة يوهان الصينية على أيدي جنودها الذين تتهمهم بإدخال هذا الفيروس إلى الصين و نتيجة لهذا الجو المشحون وهذه الاتهامات المتبادلة فقد أعلن وزير الخارجية الصيني صراحة و أمام وسائل الإعلام العالمية بأن بكينوواشنطن يقتربان من حرب باردة عالمية وأن المواجهة بين البلدين لا محالة قادمة وأن ما يحصل اليوم من تصعيد سياسي أمريكي تجاه الصين يدفع البلدين باتجاه حرب باردة جديدة. فهل يشهد التاريخ المعاصر حربا باردة ثانية بين الصينوالولاياتالمتحدةالأمريكية كما شهدت البشرية حربا أولى بين روسا وأمريكا كانت قد اندلعت سنة 1945 ودامت حتى سنة 1991 ؟ وهل يتسبب انتشار فيروس كورونا القاتل في ظهور حرب باردة ثانية على الأبواب ؟ وإذا كان ما يلوح به بعض المراقبين من اقتراب اندلاع حرب باردة جديدة فما هي ملامح هذه الحرب الباردة ؟ وهل يشهد العالم حربا باردة مختلفة عن الأولى من حيث الأسباب والغايات والتحديات والنتائج ؟ اليوم كل المؤشرات تقول بأن العالم قادم على حرب باردة بين الصينوأمريكا على خلفية التداعيات الخطيرة والمؤثرة للجائحة الوبائية التي أضرت أضرارا جسيمة بالاقتصاد الأمريكي فضلا عن حصول خسائر كبيرة في الأرواح وإنفاق أموال طائلة لمواجهة الاكراهات الاجتماعية بعد أن فقد الآلاف من المواطنين أعمالهم وموارد رزقهم واكراهات أخرى لمرافقة المؤسسات الاقتصادية التي تشكو صعوبات مالية حتى لا تنهار وتحصل الكارثة الحقيقة وهي أخطر من نتائج الجائحة. لكن هذه الحرب المنتظرة سوف لن تكون كسابقتها و إنما ملامحها وصورتها مختلفة وخاصة أن الصين على خلاف روسيا ليس في نيتها السيطرة على العالم عسكريا وهي لا ترغب في نزال مسلح مع الولاياتالمتحدةالأمريكية ولا تريد تهديدا بالحرب كما أن الصين في هذه الحرب الباردة التي يقول عنها مسؤولوها السياسيين بأنها مفروضة عليها تدخلها وهي في أوج قوتها الاقتصادية وقدراتها المالية و العلمية وحتى الجائحة الوبائية التي أنهكت معظم اقتصاديات العالم وهزت عروش شركات عملاقة لم تؤثر كثيرا على الاقتصاد الصيني الذي خرج من الأزمة الصحية بأخف الأضرار وبقي تقريبا الوحيد في العالم الذي تمكن من استئناف نشاطه وتمكن من استرجاع استثماراته الداخلية والخارجية وحافظ على قوته . المختلف في هذه الحرب الباردة الجديدة أن نتائجها سوف تكون لصالح الصين الذي يتوقع لها الخبراء السياسيين أن ينجح في إعادة التوازن العالمي من جديد بعد أن هيمنت عليه أمريكا إبان سقوط الاتحاد السوفياتي وعودة العالم لثنائية قطبية ولكن بتحالفات مختلفة تقوم على الطابع الاقتصادي والعلاقات المالية والتجارية وحتى العلمية التكنولوجية عكس القطبية القديمة التي كانت مبنية على تحالفات عسكرية وأحلاف من أجل الحرب . الأمر المختلف في الحرب الباردة المرتقبة أنها لا تقوم على صراع ايديولوجي ولا على تنافس فكري ولا على مواجهة بين نموذجين للعالم واحد رأسمالي وآخر اشتراكي شيوعي وإنما القطبية الجديدة سمتها البارزة الحرب الاقتصادية والصراع التجاري والتنافس على السيطرة على الأسواق العلمية القائمة على الريادة التكنولوجية .. إن الصراع المقبل لن يكون بين قطبين قائمين وإنما هو صراع من أجل أن يتحول العالم إلى قطبين من جديد وإلى ثنائية قطبية جديدة والسؤال اليوم بعد اندلاع الحرب الكلامية بين الصينوأمريكا وتصاعد وتيرة الاتهامات حول من يتحمل المسؤولية فيما آل إليه العالم بسبب انتشار فيروس كورونا والتلويح باندلاع حرب باردة عالمية ثانية هو هل أن هذا التوتر ظرفي وسوف يزول بزوال أسبابه وهو ظهور الجائحة وبالتالي فإن العالم سوف يبقى على حاله كما هو اليوم بعد أن ينتهي الوباء ؟ وإما ان تنجح الصين في تغيير شكل النظام الدولي بعد إرباك أركان منظومة العولمة وتصدع النظام العالمي الموجود وخروج الصين من هذه الأزمة العالمية الدولة الأكثر قوة اقتصاديا وماليا وتحكما في التكنولوجيا المتطورة وتصدرها قيادة العالم ماليا وتجاريا وتكنولوجيا.