أطلق عليه ما شئت من النّعوت و الأسماء " كرنفال " أو سيرك عمّار " أو " رنّي رنّي يا كرهبة كمال " أو " ليلة و المزود خدّام " أو " كان يا مكان " أو " طاحونة لرحي القش و التبن و الخنّار عند عبد الله الطحّان " أو " مغارة علي بابا و الأربعين حرامي " أو " أفرح بيّا نفرح بيك " أو حمّام للنّساء و الرجال " أو " بورصة البيعان و الشريان " أو " اسطبل الدواب و العلوج و الخرفان " أو " ركبو على البهيم مدّ يدّو لزنبيل " أو "خنّار و عقّار في مزلس الأخيار " و " إذا ما لقيت بيها وين، سمّيه بيت الشعب الغلبان " و لك كلّ الحريّة في اختيار الاسم الذي يناسب فهمك و يحقق هدفك و يشبع نهمك، فكلّ شيء مباح و الدستور كرّس الحرية و لا خوف بعد اليوم من الدكتاتورية. و"الديمغراطية" أو من لجم اللسان و لو نطق بما يخدش الحياء ليضفي على الأجواء جوّ المهرجان. و الخّنار و تحيا الثورة و الثورية؟ فقط لا تسأل من أين هذه البلية لأنّك لا و لن تجد جوابا لما يجري بمجلس الأخيار من خنّار و من ضرب تحت الحزام ومن الدمار... هذه هي الأجواء " في سيرك عمّار " عفوا في " مزلس النّواب " الأشاوس حيث يلتقي فيه " زعيط و معيط و نقّاز الحيط " و البعض منهم " يمشي على شريط " و البعض منهم يضرب بالخنيفري و دز غريمو للحيط " و البعض الأخر ينطر في الهواتف الجوّالة و ينعت في النساء بأرذل الكلام و يحاول يغنيلها " ننطرك و نضربك بالكفّ لعلّك من الكلام تعّف " و هكاكة الجو العام في المزلس صبح مقرف ؟ هذه أحوال الديمقراطية عندنا و هذه أحوال الحرّية أين تاهت شعارات الثورة " لا شغل و لا حرية و لا كرامة وطنية " و الشعب فقروه و قريب يهبلوه ويبعوه في رزق بوه و حوت ياكل حوت و قليل الجهد يموت و الدنيا ولاّت صعيبة ما تضحكشي للزوالي و وخّر وخّر ظهر البهيم وفى.." والغريب أنّه ،أمام كلّ ما يحدث، فإن الكلّ يتفرّج و يشاهد بأمّ عينيه ما يحصل في مؤسسة البرلمان التي ضحّى من أجلها الرّجال و النّساء الذين آمنوا بقيمة " برلمان تونسي " و لكن رغم الحراك في الشارع و رغم الأصوات العالية هنا و هنالك لما آلت إليه الأوضاع في بلادنا على كلّ المستويات ، يبدو أنّنا اليوم أمام مشهد سريالي و أمام رهط لا يؤمن لا بالبرلمان و لا بمؤسسات الدولة الدستورية و لا بالدستور و لا بالسلط و لا يحترم القانون و لا يعير وزنا للأخر بل في مواجهة و تحدّي للجميع؟ السؤال هنا يقول ماذا يجري في وطننا العزيز؟ ماذا يخطط بعض " أبالسة " هذا العصر المجنون لبلادنا و بمباركة من البعض؟ و لماذا نكتفي بالمشاهدة؟ و ماذا تعني " الحصانة البرلمانية أمام وطن ينهار يوميا أمام أعيننا؟ هل هذه الحصانة تبيح لصاحبها أن يصهل كالحصان و يزأر كالأسد و يصك كالبغل و يفترس كالوغد ؟ هل نحن في دولة القانون أم في غابة نعيش أين اختلط صالح و طالح و بائع الحشيش؟ الكلّ يشحذ أنيابه و يكشر عليها؟ هل ستتواصل كثيرا هذه المهزلة و نحن بنيام و لسنا بنيام؟ و إلى أين نسير و تسير البلاد برمتها؟ هل باسم الحصانة و باسم الحرّية المتعنتة نترك الحبل على الغارب ؟ و حين نستيقظ نجد الوطن قد راح و نحن بصمتنا و خمولنا و تقاعسنا نكون قد ساهمنا في انهيار أركانه و انهيار سقفه علينا؟ هل المنطق و العقل يسمحان بحدوث ذلك أمام أعيننا و نحن نتفرج عن المأساة الملهاة؟ أ لا يوجد منّا من سأل نفسه بأنّنا بصدد قص غصن الشجرة الذي نركبه؟ أين شرفاء هذا الوطن و نخبته، أمام أكثرية خذلته و باعته بأبخس الأثمان؟ أيّها الصامتون، أيّها الخانعون، أيّها التائهون، أيّها الغائبون، أيّها المغيّبون، تأكدوا لو تواصل الحال على ما هو عليه ستستيقظون يوما و لن تجدوا لا وطنا و لا مؤسسات و لا قانونا و لا عدلا و لا شغلا و كرامة و لا شهامة سوى بقايا لوطن يترنّح و قد شاخ و هرم و أصبح مستباحا لكل من هبّ و دبّ و لم يعد قادرا على إعالة أبنائه و حمايتهم من غوائل الدّهر وقتها يكون قد فات الأوان و بالتالي " ناموا و لا تستيقظوا // فما فاز إلاّ النّوم، كما قالها في يوم ما أحمد شوقي. و أنا بدوري أقول " في هذا الزمن اللاّ زمن الذي نعيش // اختلط صالح و طالح و بائع الحشيش / إنّه يا صاح الزمن القذر الذي نعيش ....