إن الاصل في أفعال الاباحة والقيد والمنع يبقى استثناء كذلك الاصل في الانسان انه حرّ بمقنضى القانون الطبيعي، حرّ في أفعاله، حر في أقواله، حر في تصرفاته وهو ما يعبر عنه قانونيا بالأهلية والتي أقرّها الفصل 3 من مجلة الالتزامات والعقود «كل شخص اهل للالزام والالتزام ما لم يصرح القانون بخلافه». والأهلية نوعان، أهلية الوجوب وهي قدرة الشخص على التمتع بالحقوق وعلى تحمل الالتزامات وتنشأ هذه الأهلية مع ولادة الشخص وتنتهي بانتهاء شخصيته القانونية. أما أهلية الاداء فهي قدرة الفرد على ممارسة الحق وانعدامها لا يفقد الشخص حقه ولا شخصيته، وانعدام أهلية الاداء أو تقييدها تتعلق بسن الشخص أو بحالة مداركه أو بكيفية تصرفه في امواله أو لاسباب متصله» بجزاء كالافلاس أو السجن. ونظرا للعواقب الوخيمة نتيجة لبعض التصرفات والأقوال أورد المشرّع قيودا وموانع على هذه الأهلية قصد حماية الشخص والمجتمع من التّعسف في استعمال هذه الأهلية، وذلك عن طريق القيام بدعوى الحجر أمام قاضي التقاديم، حيث مكَن المشرّع كل من يهمه الأمر القيام بالحجر على منعدمي ومقيَّدي الأهلية. وقد تولى المشرّع مأسسة الأهلية من الفصل 3 الى الفصل 17 من مجلة الأحوال الشخصية لسنة 1957 ومن الفصل 150 الى الفصل 170 من مجلة الالتزامات والعقود لسنة 1906. منعدمو الأهلية يُقصد بانعدام الأهلية، انعدام أهلية الاداء، وهي عدم القدرة على التمييز ويقصد هنا بالتمييز التفريق بين الخطأ والصواب، وهو شأن القاصر غير المميز والمجنون. اما القاصر غير المميز فقد عرّفه المشرّع التونسي بكونه الصغير الذي لم يُتم 13 سنة من عمره، حيث اعتبر سن التمييز هو سن 13 سنة كاملة. وتعتبر جميع تصرفات القاصر غير المميّز باطلة حسب مقتضيات الفصل 156 من مجلة الاحوال الشخصية، والبطلان يشمل ابرام العقود وذلك لانعدام توفّر احد اركان ابرام العقود وهو الأهلية وهو ما شدّد عليه الفصلان 2 و325 من مجلة الالتزامات والعقود، حيث انه لا يمكنه البيع أو الشراء الا بموافقة حاكم التقاديم. وقد أكد المشرّع على أن ولي القاصر غير المميّز هو والده، فان توفي أو فقد اهليته فتكون الأمّ فإن توفيت أو فقدت أهليتها يتولاه احد الموصيين عليه، والاّ يكون الحاكم وليّه. اما المجنون، فيعتبر محجورا عليه وذلك لانه فاقد للتمييز شأنه شأن القاصر غير المميز وتطبق عليه احكام القاصر غير المميز. وقد عرّف المشرّع المجنون صلب الفصل 160 من مجلة الاحوال الشخصية ب«الشخص الذي فقد عقله سواء كان جنونه مُطَبقا يستغرق جميع أوقاته أو متقطعا تعتريه فترات يثوب اليه عقله فيها»، ولقد اعتبر فقه القضاء الجنون عارضا استثنائيا لا يترتب عنه فقدان الأهلية الاّ اذا اثبت وجوده فعلا، ولقد اقر المشرّع في الفصل 161 من مجلة الاحوال الشخصية ان الحجر لا يقع على المجنون الا عن طريق حكم وذلك ان أثبت الجنون وذلك بالعودة الى اهل الرأي والخبراء، كما أن رفع الحجر الواقع بحكم من الحاكم لا يرفع الا بحكم حسب مقتضيات الفصل 167 من مجلة الاحوال الشخصية. وتعتبر جميع تصرفات المجنون باطلة ولا مسؤولة مدنية أو جزائية عليه. الأهلية المقيّدة إن الأهلية المقيدة تعني تقييد أهلية الأداء وهو شأن القاصر المميز وضعيف العقل والسفيه. ويعتبر قاصرا مميزا ، كل من تجاوز سن 13 عاما كاملة ولكنه لم يتجاوز 20 سنة، ولهذا فأهليته مقيّدة، ورفع الحجر عن القاصر المميز يكون بطريقتين، إما ببلوغه سن الرشد أو عن طريق الترشيد. والترشيد نوعان إما قضائي أو قانوني. أما الترشيد القانوني فيتجسم في الترشيد بالزواج، ولقد قام القانون عدد 74 لسنة 1995 بتعديل الفصل 153 من مجلة الاحوال الشخصية الذي ينص على انه «يعتبر محجورا للصغر من لم يبلغ سن الرشد وهي 20 سنة كاملة وزواج القاصر يرشده اذا تجاوز 17 سنة من عمره في ما يخص حالته الشخصية ومعاملاته المدنية والتجارية»، ولكن هذا الترشيد لا يمتد الى الامور الادارية والسياسية، كما ان حصول الطلاق لا يلغي الترشيد بالزواج. أما الترشيد القضائي فهو نوعان، ترشيد مطلق وترشيد مقيّد، فبالنسبة للترشيد المطلق، يمنحه القاضي لمن تجاوز سن 18 سنة كاملة وذلك حتى يتمكن من ادارة اعماله وشؤونه العقارية وهو ما نص عليه الفصل 158 من مجلة الاحوال الشخصية، اما الترشيد المقيد فيمنحه القاضي لمن تجاوز سن 15 سنة كاملة وذلك تطبيقا لاحكام الفصلين 158 و159 من مجلة الاحوال الشخصية وذلك لادارة اعماله، ولكن هذا النوع من الترشيد مقيد حيث أن القاضي يستطيع ان يتراجع في ترشيده متى رأى ذلك ملائما. اما ضعيف العقل، فيعرّفه المشرّع في فقرته 2 من الفصل 160 من مجلة الاحوال الشخصية بكونه «الشخص غير كامل الوعي، السيء التدبير والذي لا يهتدي الى التصرفات الرائجة ويغبن في المعاملات»، وقد فرقت محكمة التعقيب بين ضعيف العقل وبين المجنون «سواء كان جنونه مطبقا يستغرق جميع أوقاته أو متقطّعا يثوب اليه عقله فيها». وتعتبر جميع تصرفات ضعيف العقل صحيحة ونافذة قبل الحجر عليه، ولكن بعد الحجر تصبح جميع تصرفاته باطلة ويمكن أن تصبح جميع تصرفاته باطلة قبل الحجر اذا عرف بضعف عقله عند ابرام العقد وضعيف العقل يتحمل مسؤوليته مدنيا وجزائيا. أمّا بالنسبة للسفيه، فقد عرّفه المشرّع التونسي صلب الفصل 164 من مجلة الاحوال الشخصية بكونه «الشخص الذي لا يحسن التصرف في ماله ويعمل فيه بالتبذير والاسراف»، ولقد اقر المشرّع بان جميع تصرفات السفيه تعتبر صحيحة ونافذة قبل الحجر، ولكن بعد وقوع الحجر تعتبر باطلة، ولكن يمكن ان تصبح جميع تصرفاته باطلة اذا عرف وقت ابرامه العقد بسفهه، ويحاسب السفيه على جميع تصرفاته مدنيا وجزئيا. الاجراءات لدى قاضي التقاديم اعتبارا لخطورة القيام بعملية الحجر نص الفصل 161 من مجلة الاحوال الشخصية على ضرورة تدخل القضاء لقيام الحجر، ويقصد من هذا التدخل القضائي فرض مراقبة على صفة ومصلحة طالب الحجر، ثم وبعد التحقق من هذه المسألة الشكلية، التأكد من وجود سبب الحجر أي التثبت من وجود ضعف في العقل أو الجنون أو السفه، فالحجر من اجل ذلك لا يتم الا بحكم من الحاكم ويعتمد القاضي في حكمه على اهل الخبرة والمعرفة. وينص الحكم نفسه على تعيين مقدم يتولى تحت رقابة القضاء ادارة اموال المحجور عليهم. وترفع دعوى الحجر في المحكمة الابتدائية حيث يقع المعني بالحجر، والحكم الصادر عن قاضي التقاديم ابتدائي الدرجة وهو قابل للاستئناف، وترفع القضية بعريضة (مطلب) يقدمه من يهمه الأمر لكتابة المحكمة (كتابة التقاديم) حيث يتم تقييد القضية بالدفتر المعد لقضايا الحجر ويتم اعلام العارض بموعد الجلسة، اما بالنسبة لانابة المحامي فهي غير وجوبية. الجلسات تكون مكتبية اي تنعقد بمكتب القاضي وليس بقاعة الجلسة، وفي الجلسة الأولى يصدر القاضي حكما تحضيريا يقضي بتكليف طبيب مختص (اذا كان المحجور عليه مجنونا أو فاقدا للعقل ..)، وفي صورة اتضح لقاضي التقاديم جديّة الدعوى اي طلب التحجير، يصدر حكمه بضرب الحجر وتعيين مقدّم والذين يخضعون بدورهم للمراقبة من طرف وكيل الجمهورية أو من ينوبه حسب مقتضيات الفصل 19من الأمر المؤرخ في 18 جويلية 1957.