الاحتفاظ بمسؤولة بجمعية تعنى بشؤون اللاجئين و'مكافحة العنصرية'    القبض على عنصر تكفيري وبحوزته مواد مخدّرة    الوضع الجوي: رياح قويّة وأمطار رعدية وغزيرة بهذه المناطق    نحو صياغة كراس شروط لتنظيم العربات المتنقلة للأكلات الجاهزة    من الحمام: غادة عبد الرازق تثير الجدل بجلسة تصوير جديدة    دوري أبطال أوروبا : ريال مدريد الإسباني يستضيف بايرن ميونيخ الألماني غدا في إياب الدور نصف النهائي    عاجل : صحيفة مصرية تكشف عن الحكم الذي سيدير مباراة الاهلي و الترجي    وزيرة الأسرة تعلن عن احداث مركز جديد للاصطياف وترفيه الأطفال بطبرقة    هام/ الليلة: انقطاع المياه بهذه المناطق في بنزرت    تالة: ايقاف شخص يُساعد ''المهاجرين الافارقة'' على دخول تونس بمقابل مادّي    هذه الآليات الجديدة التي يتضمنها مشروع مجلة أملاك الدولة    سليانة: السيطرة على حريق نشب بأرض زراعية بأحواز برقو    وزير السياحة : قطاع الصناعات التقليدية مكن من خلق 1378 موطن شغل سنة 2023    قريبا: وحدة لصناعة قوالب ''الفصّة'' في الحامة    أبطال إفريقيا: الكاف يكشف عن طاقم تحكيم مواجهة الإياب بين الترجي الرياضي والأهلي المصري    انقلاب "تاكسي" جماعي في المروج..وهذه حصيلة الجرحى..    حماس: اجتياح الكيان الصهيونى لرفح يهدف لتعطيل جهود الوساطة لوقف إطلاق النار    ليبيا تتجاوز تونس في تدفقات الهجرة غير النظامية إلى إيطاليا في 2023    سليانة: تخصيص عقار بالحي الإداري بسليانة الجنوبيّة لإحداث مسرح للهواء الطلق    يومي 10 و 11 ماي:تونس تحتضن بطولة إفريقيا للجمباز.    منظومة الاستثمار: نحو مناخ أعمال محفز    تونس تسيطر على التداين.. احتياطي النقد يغطي سداد القروض بأكثر من ثلاثة اضعاف    فيديو.. الممثل ستيفن سيغال في استقبال ضيوف حفل تنصيب بوتين    اتصالات تونس تنخرط في مبادرة "سينما تدور" (فيديو)    تونس : 6% من البالغين مصابون ''بالربو''    فتوى تهم التونسيين بمناسبة عيد الاضحى ...ماهي ؟    وزارة التربية تنظم حركة استثنائية لتسديد شغورات بإدارة المدارس الابتدائية    المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك: "أرباح القصابين تتراوح بين 15 و20 دينار وهو أمر غير مقبول"    لاعبة التنس الأمريكية جيسيكا بيغولا تكشف عن امكانية غيابها عن بطولة رولان غاروس    متى موعد عيد الأضحى ؟ وكم عدد أيام العطل في الدول الإسلامية؟    باكالوريا: كل التفاصيل حول دورة المراقبة    حوادث: 13 حالة وفاة خلال يوم واحد فقط..    «فكر أرحب من السماء» شي والثقافة الفرنسية    في قضية رفعها ضده نقابي أمني..تأخير محاكمة الغنوشي    مشروع مصنع ثلاثي الفسفاط الرفيع المظيلة على طاولة الحكومة    الرابطة الأولى: النجم الساحلي يفقد خدمات أبرز ركائزه في مواجهة الترجي الرياضي    الفنان بلقاسم بوقنّة في حوار ل«الشروق» قبل وفاته مشكلتنا تربوية بالأساس    الليلة في أبطال أوروبا ...باريس سان جرمان لقلب الطاولة على دورتموند    الكشف عن وفاق إجرامي قصد اجتياز الحدود البحرية خلسة    رئيسة قسم أمراض صدرية: 10% من الأطفال في تونس مصابون بالربو    البطولة الانقليزية : كريستال بالاس يكتسح مانشستر يونايتد برباعية نظيفة    هزة أرضية بقوة 4.9 درجات تضرب هذه المنطقة..    عاجل- قضية الافارقة غير النظاميين : سعيد يكشف عن مركز تحصل على أكثر من 20 مليار    سيدي حسين: مداهمة "كشك" ليلا والسطو عليه.. الجاني في قبضة الأمن    إشارة جديدة من راصد الزلازل الهولندي.. التفاصيل    عاجل/ هجوم على مستشفى في الصين يخلف قتلى وجرحى..    أولا وأخيرا .. دود الأرض    مشروع لإنتاج الكهرباء بالقيروان    في لقائه بخبراء من البنك الدولي: وزير الصحة يؤكد على أهمية التعاون المشترك لتحسين الخدمات    بمناسبة اليوم العالمي لغسل الأيدي: يوم تحسيسي بمستشفى شارل نيكول حول أهمية غسل الأيدي للتوقي من الأمراض المعدية    فيديو/ تتويج الروائييْن صحبي كرعاني وعزة فيلالي ب"الكومار الذهبي" للجوائز الأدبية..تصريحات..    الفنان محمد عبده يكشف إصابته بالسرطان    نسبة التضخم في تونس تتراجع خلال أفريل 2024 الى 2ر7 بالمائة في ظل ارتفاع مؤشر أسعار الاستهلاك    الفنان محمد عبده يُعلن إصابته بالسرطان    مواطنة من قارة آسيا تُعلن إسلامها أمام سماحة مفتي الجمهورية    خطبة الجمعة ..وقفات إيمانية مع قصة لوط عليه السلام في مقاومة الفواحش    ملف الأسبوع .. النفاق في الإسلام ..أنواعه وعلاماته وعقابه في الآخرة !    العمل شرف وعبادة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحمد المنّاعي (رئيس المعهد التونسي للعلاقات الدوليّة) ل«التونسية»:حكّام ما بعد الثّورة أعادوا «الحماية»
نشر في التونسية يوم 17 - 02 - 2016


تونس بلد مدلّل من الدول الكبرى
الإرهاب آخر أشكال الاستعمار
وراء كل حقّ واجب
سلطات بلادنا تعاملت مع ملفّ الأموال المنهوبة بخفّة
حوار: أسماء وهاجر
ماذا تحقّق بعد النضال من أجل الحريات؟ هل نالت الثورة من دولة الفساد التي كشفت عن قبحها أم أن زواج مافيات الفساد والتهريب يتواصل في وضح النهار وأمام أعين الثورجيين؟ ماذا فعلت النخبة السياسية بالبلاد؟ أيّة حظوظ ل«النداء» بعد تشكل كتلة الحرة؟ ماذا جنى التحالف على كل من «النهضة» و«النداء»؟ ماذا تغيّر في عقيدة «النهضة» وهل تطوّرت حقّا وفصلت بين الدعوي والسياسي؟ أين وصلت حرب تحييد المساجد؟ كانت هذه بعض الإشكالات التي طرحتها «التونسية» في حوارها مع أحمد المناعي رئيس المعهد التونسي للعلاقات الدولية وصاحب العديد من المؤلفات الذي أكد أن النخبة السياسية اليوم تعاني من ضياع في بوصلتها وجروح غائرة في الهوية وأنها لم تفعل سوى إعادة نصب الحماية الأجنبية «بلا جندي أوجندرميّ» على حدّ تعبيره. كنتم «تحاربون» من أجل الحرية.. اليوم تقاعد عديد المناضلين إجباريا بعد رحيل بن علي. ما هي وجهة نظر أحمد المناعي في النضال؟
لم أكن أحارب بل أناضل فقط سلميا وبالوسائل المتاحة لشخص غير منخرط في حزب سياسي وبدون اي غطاء من أي نوع. أما تقاعد عديد المناضلين إجباريا فهذا مجانب للحقيقة.فأكثر من عرفتهم في العقدين الأخيرين لازالوا يناضلون في الأحزاب التي أسسوها أوانخرطوا فيها لاحقا وفيهم من تولى المسؤوليات الأولى في الدولة.أما عن وجهتي الحالية في النضال فهي وجهتي الأولى منذ كنت طفلا اي نضالي من أجل السيادة الوطنية واستقلال القرار التونسي والتصدي لكل المحاولات للهيمنة الأجنبية على وطني.كنت طفلا في العاشرة عندما شاركت في مظاهرة يوم اغتيال فرحات حشاد وقد كان ذلك مأساة شخصية لأني أعرف حشاد وهوالذي حولني من الكتّاب إلى المدرسة سنة 1948. وفي سنة 1953 اقتيد كل تلاميذ قسمي إلى مركز الجندرمة للتحقيق في قضية قطع بعض الأعمدة الكهربائية وكتابة الشعارات.. ثم في سنة 1954 تحصلت على بطاقة انخراطي الأولى في الحزب الحر الدستوري ومن عاش تلك الفترة يعرف أنها لم تكن تُعطى لأيّ كان وخاصة لمن هوفي عمري وحتى لا أطيل أذكر فقط أنّني تطوعت في معركة بنزرت في جويلية 1961 وهي لم تكن نزهة.. هذا النضال من أجل استقلال السيادة الوطنية عدت إليه مع نهاية 2002 عندما ظهر واضحا أن الحرب على العراق وشيكة.
نعم للنضال من أجل الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان عندما تنتهك من قبل نظام مستبد لكن عندما يكون الوطن كله مهددا بالاستعمار الجديد فالنضال الأول يكون من اجل الوطن.
يقول الطاهر لبيب إن «المبدأ هوانه لا وجود لقوة خارجية تساند ثورة لا تخدم مصالحها» وأنّ ما يقال حولها هومجرد بلاغة ديبلوماسية. ما رأيكم في ذلك؟
ما قاله الطاهر لبيب صحيح بخصوص الثّورات الحقيقية التي تسعى في ما تسعى إليه إلى وضع حد للامتيازات الطبقية والفئوية في المجتمع وتستهدف المصالح غير المشروعة للدول المهيمنة. مثل هذه الثورات لا تجد دعما من قبل الدول الكبرى كما قال الطاهر لبيب. بل على العكس تماما هي تلاقي الصدّ وفي بعض الأحيان تتعرض للمقاطعة وأحيانا تحارب. تذكروا ما حدث في ايران عندما أمّم مصدّق البترول وفي مصر عندما أمّم جمال عبد الناصر شركة قناة السويس وما حدث في كوبا عندما انتصرت الثورة وفي ايران ثانية عند انتصار الثورة الإسلامية. وعلى العكس من ذلك فان ما حدث في تونس ولا أسمّيه ثورة لاقى كل الدعم والمساندة من الدول الكبرى ومن المؤسسات المالية العالمية وحسب المسؤولين في الاتحاد الأوروبي تتصدر تونس قائمة البلدان المنتفعة بالمساعدات والمنح والقروض الأوروبية وكذلك الأمر مع المؤسسات المالية العالمية. خلاصة القول إن تونس بلد مدلل من الدول الكبرى لأن ما حدث فيها يخدم مصالح هذه الدول.
كعليم بكواليس السياسة لماذا تواصل الدول الغربية الداعمة للثورات الاحتفاظ بأموال البلاد التي هرّبها بعض رموز النظام السابق؟
لابدّ من التنبيه إلى أن ملف الأموال المنهوبة تونسية كانت أوغيرها هومن أعقد الملفات في العلاقات الدولية فهويثير إشكالات قانونية كثيرة على غاية من الصعوبة وأحيانا يستحيل تفكيكها خاصة في بلدان الملاذ حيث تضمن سرية المعاملات البنكية بالقانون وقد استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية وهي القوّة الكبرى في العالم أن تفرض على سويسرا رفع السرية عن حسابات المواطنين والشركات الأمريكية المتهربة من الضرائب. ماذا لتونس أن تفعل؟ الحقيقة أن السلطات المالية والقضائية التونسية تعاملت مع هذا الملف بكثير من الخفة وبعفوية. منظمات المجتمع المدني قالت: ها نحن عملنا ثورة وأسقطنا مستبدا وانخرطنا في مسار ديمقراطي ويجب أن تكشفوا على حسابات الناهبين وتردّوا لنا أموالهم ومع شيء من الشوشرة الإعلامية ولوائح التنديد والاعتصامات أمام السفارات تصورنا أن الأمر سيفض في بضعة أشهر أوعلى الأكثر في سنوات قليلة.. لم نتصوّر أن الأمر يحتاج إلى عمل دؤوب وتفرغ كامل لفرق من الخبراء في المعاملات المالية والبنكية وفي القانون الدولي والقوانين الوطنية لكل بلد نتصور أنّ به أموالا تونسيّة مهرّبة.. لم نتّعظ بدروس وتجارب أخرى في العالم ولم نتساءل مثلا إذا كانت الفلبين قد استرجعت أموال ماركوس وإن كانت هايتي قد استرجعت الأموال التي نهبها دوفاليي وماذا عن أموال شاه ايران بعد أربعة عقود؟ لا شيء. ثمة مثل كان بإمكاننا أن نتعظ به وهومثل وزير جزائري لا حاجة لذكره أودع الميزانية الاحتياطية لجبهة التحرير في احد البنوك السويسرية غداة الاستقلال وظلت الجزائر تطالب بها بلا جدوى ثم حاكمت هذا الوزير وأصدرت ضده أحكاما دون جدوى وانتهت الجزائر إلى التفاوض معه وهكذا استرجعت جزءا من المبلغ. حاليا هناك 3 شركات أمريكية كبرى من بينها «غوقل» تملك ألفي مليار دولار خارج الولايات المتحدة وهي تتفاوض مع الإدارة الأمريكية حول تخفيف العقوبات عليها كي يتسنى لها إدخال هذه الأموال. كلمة أخيرة حول هذا الموضوع يبدوأن عمليات تهريب الأموال إلى الخارج في السنوات الأخيرة قد تجاوزت كل المستويات المعروفة والأولى بالسلطات القضائية والسياسية والمالية أن تعمل على إيقاف ذلك وأن تتفاوض مع الناهبين في النظام السابق لاسترجاع بعض ما نهبوا.
أحد المحللين السياسيين اعتبر أن الإرهاب هو ذروة استهداف مسار التحرّر وأنّه بلغ أوجه مع الثّورات لتدمير العالم العربي وثرواته وأنّه شكل جديد من الاستعمار؟
ظاهرة الاستعمار الأوروبي عرفت ثلاث محطات كبرى عبر التاريخ.بدأت الأولى مع نهاية القرن الخامس عشر مع الرحلات الأولى لاكتشاف طريق التوابل وتم اكتشاف القارة الأمريكية وتقاسمتها الإمبراطوريات الأوروبية الكبرى بريطانيا والبرتغال وفرنسا واسبانيا وتم ذلك لتصفية الشعوب الأصلية تصفية عرقيّة (الهنود الحمر) وقد نجا العالم العربي والإسلامي من هذه الحملة الأولى لأنه كان ضمن الإمبراطورية العثمانية التي كانت قوة كبرى في ذلك الوقت ولكن ما إن دبّ الضعف في هذه الإمبراطورية حتى انقضّ المستعمرون على بعض أجزائها فكانت حملة نابليون على مصر والحملة الفرنسية على الجزائر وكانت هذه الحرب مكلفة جدا للجزائريين وأيضا للغزاة. لهذا فكر منظروا الاستعمار في شكل آخر من الاحتلال يكون أقل خسائر في العتاد والعباد فكانت المرحلة الثانية من الاستعمار في شكل حماية وهوالذي طبق في تونس والمغرب.المرحلة الثالثة من الاستعمار هي التي تلت نشأة «عُصبة الأمم» فقد أعطت هذه المنظمة حق الوصاية لبعض الدول على بعض الشعوب فكانت الوصاية الفرنسية على الشام الذي قسّم إلى سوريا ولبنان والوصاية البريطانية على العراق وفلسطين وشرق الأردن وهذا استعمار بشرعية دولية سمحت لبريطانيا بالتنازل عن فلسطين لليهود. نحن الآن في المرحلة الرابعة من الاستعمار وهي المرحلة الأكثر شيطنة وخبثا عن طريق الهيمنة على بلد ما والتحكم في موارده وفي حاضره ومستقبله دون أن تضحي بجندي أوتدفع مليما وتفتعل الدولة الاستعمارية صراعا داخليا يفكك المجتمع ويدمر الدولة الوطنية ......الخ....الخ.....
البشرية عرفت في تاريخها الطويل ظاهرتين مدمرتين: العبودية والاستعمار وإن كانت الأولى قد تراجعت نسبيا فإن الثانية لا تزال تدمر وتخرّب وتنهب.
من يصنع السياسة في تونس ؟هناك من اعتبر أن السياسة في تونس تصنعها أوهام السياسيين وأنها أساسا سياسة تطبخ في السفارات الأجنبية؟
حسنا إن تحدثتما عن صناعة السياسة أقول إن السياسة حقيقة صناعة وصناعة راقية.ثمة كتاب لحنى ارندت يحمل عنوان «ما هي السياسة؟» لو قرأه السياسيّون لانسحب كثير منهم من كل عمل سياسي لأنهم سيكتشفون أنهم يعيشون على الأوهام.
في الفيزياء هناك ما يسمى بالحركة البراونية وهي الحركة الفوضوية للجسيمات المترسبة في سائل ما في إناء ما وما إن يسخن السائل حتّى تبدأ الجسيمات في التحرك في كل الاتجاهات وإذا ما ارتفعت حرارة السائل تتصارع حركة الجسيمات ويجن جنونها وهي إلى حد ما حالة السياسيين .السياسة هي قبل أن تكون حركة وتجاذبا وتنافسا وصراعا هي فكر وتصورات واستشراف وبرامج ومشاريع في خدمة المجتمع. هذه السياسة وما ينتج عنها من برامج ومشاريع لا تطبخ عندنا وإنما في مراكز البحوث والدراسات الأجنبية وتتولى الجهات المختصة تسويقها لنا ونتولى نحن تطبيقها.أعتقد أنه كان للتونسيين نصيب من السياسة في مرحلتي التحرير وبناء الدولة ثم تضاءل بعد ذلك حتى انتفى نهائيا في السنوات الأخيرة. تصور أن كل الانتخابات التي تمت إلى حد الآن لم تستند إلى برامج وإنما إلى شعارات تكاد تكون موحدة بالنسبة لكل المتنافسين وأن هؤلاء جميعا أوفي اغلبهم منخرطون عن وعي أولا وعي في مشروع واحد جاءنا من وراء البحار.
هناك من يقول إن الفاعلين السياسيين في تونس يعانون من جروح الهوية وغياب البوصلة ولا يستبعد أن يستفيقوا على14جانفي جديد.. ما تعليقكم على ذلك وكيف تقرؤون مسار السياسيّين في تونس منذ خمس سنوات؟
جروح الهوية غائرة عند الفاعليين السياسيين وضياع بوصلتهم واضح للعيان ويطول شرح ذلك. أما بخصوص احتمال استفاقتهم على 14 جانفي جديد فلا أعتقد أنهم يجهلون ذلك ولوتجنبوا خطاب الثورجية وانتهجوا سبيل الصدق في التعامل مع مواطنيهم ومع الأحداث لكانت النتائج أفضل بكثير.
أما عن مسارات السياسيين فمن الصعب الحكم عليها خاصة أن الكثير منهم مازال يكمل المسيرة واعتقد انه من المهم للسياسي أن يصل للحكم أويشارك فيه ولكن الأهم هوما يقدمه لوطنه ولشعبه. سيذكر بورقيبة على الدوام انه قاد حركة تحريرية أوصلت البلاد إلى الاستقلال وبنى مؤسسات دولة أما الذين تولوا أمور الحكم بعده فسيذكرون بأنهم أعادوا الحماية الأجنبية بلا جندي أوجندرمي ولكنها حماية مع ذلك.
لماذا في اعتقادكم يتمّ اتّهام لوبيات المال الفاسد وشبكات التهريب في حين أن الحكومات المتعاقبة تعجز عن التصدي لهم؟ هل ذلك أحد عناوين غياب أو انهيار الدولة؟
في مارس 1997 كتبت مقالا في توصيف النظام آنذاك وذكرت انه نظام يستند إلى المافيا وشبهته بنظام «باتيستا». كان هناك تعتيم كامل على ما يحاك ويدبر وراء الحجب ونتذكر ما حدث بعد أن رفع الستار عن أسرار النظام وظهرت دولة الفساد بكل قبحها. حاليا كل شيء يتم في واضحة النهار ولا يكاد يخفى شيء عن علاقات المال الفاسد وشبكات التهريب والإرهاب مع بعض أصحاب السياسة والقرار. لابدّ بداية من التأكيد انه ليس للمال رائحة وفساده هوفي كونه يأتي من مصادر مشبوهة من الداخل والخارج ويصرف في سرية كاملة ولا يظهر في حسابات الحزب أورجل السياسة وهو بعيد عن كل مراقبة وفي خرق كامل للقانون. هناك تداخل بين مصالح الطرفين فالسياسي يحتاج إلى المال لحملاته الانتخابية ونفقات آلته الحزبية ويجده لدى الرأسمالي الفاسد المتهرب من الضرائب وكذلك لدى هذه الدولة أوتلك في الخارج.
من يعطّل عمل هيئة مقاومة الفساد ولجنة المصادرة؟
ما سمعته مؤخرا من رئيس هيئة مقاومة الفساد أنه يتصرف في ميزانية لا تفي بالحاجة وأنه ليس لديه العدد الكافي من الموظفين ولا حتى التجهيزات المكتبية الضرورية. أما عن لجنة المصادرة فاني لم اسمع عنها خيرا.
على ضوء الأحداث الأخيرة هل يكون الشباب وقود الفوضى مثلما كان وقود الثورة؟ هل يكون ذلك مؤشرا إلى العودة إلى مربع 2011؟
من المستبعد جدا العودة إلى سنة 2011 فالظروف السياسية تغيرت كثيرا. في تلك الفترة كان العدو واحدا وكان تلاحم الشعب في مقاومته كبيرا. وقتها كانت دولة الفساد مختزلة في شخص والآن دولة الفساد والعجز متعدّدة الرؤوس وهؤلاء لن يفرطوا بسهولة في مصالحهم وامتيازاتهم المكتسبة. أعتقد أنه هناك أعمالا وحركات رمزية يمكن أن تساهم في تهدئة الخواطر وفي إعادة الثقة للدولة والسياسيين وبناء على ما اعترف به عبد الفتاح مورو من أن كل السياسيين بما فيهم النهضويون يكذبون ادعوهم لتجنب الكذب والتسلح بالشجاعة ومصارحة الناس بحقيقة واقعنا وأولى هذه الحقائق أن الاقتصاد التونسي بقطاعيه العمومي والخاص عاجز عن حلّ معضلة البطالة وانه يمكن فقط التخفيف منها في المدى المتوسط والبعيد ضمن شروط معقولة. ثانيا بالنسبة لأصحاب الشهائد يجب مصارحتهم بأن الشهادة مهما كانت ليست جواز سفر ديبلوماسي وأنها تخضع للقوانين الاقتصادية القاسية وأن الأهم هوالشغل مهما كان للعيش وحفظ الكرامة.. ثالثا كان شعار الجميع في السنوات الأخيرة هوالمطالبة بالحقوق وجاء الوقت لنقتنع بأنّ وراء كل حقّ واجب.. رابعا في ظل الأزمة الخانقة الذي يعيشها مجتمعنا لا بد أن تكون المعاناة والتضحيات موزعة بأكبر ما يمكن من العدل فلا يمكن لمجتمع أن يعرف السلم الاجتماعي والمحظوظون فيه يتنافسون على تكديس الامتيازات ومن أوكد واجبات الدولة أن تخفض من مستوى عيشها وأن تضع حدا للنهب المقنّن.
ماذا بعد «انتهاء» «نداء تونس»؟
في شهر أفريل 2014 قلت ل«التونسية» إنّ «نداء تونس» هوحزب في طور التكوين وانه قد ينتصر في الانتخابات لكنه لا يرتقي مع ذلك إلى مستوى حزب وهذا ما حصل بل أكثر من ذلك فلقد تشقق وتفكك والخطير أن هذا يأتي في ظرف تراجع فيه اهتمام التونسيين بالسياسة والسياسيين والأحزاب. هناك حوالي80 مواطنا من 100 على هذا الموقف.. ما هي حظوظ «النداء» في المستقبل؟ هويملك كتلة نيابية وسيبقى شريكا في الحكم وهويملك المال وسيبقى حاضرا في المشهد السياسي والإعلامي لكنه شق حزب لا يملك زعامات أووجوه سياسية مرموقة قادرة على اكتساح الساحة الوطنية ولا نتحدث عن الرؤيا أوحتى البرنامج السياسي. هذا الشقّ من «النداء» سيجرّ وراءه تبعات غدره بالناخبين ومحاولة تأصيل مرجعيته في فكر الشيخ الثعالبي ومغازلته التيار الاخواني واستقوائه بالخليفة اردوغان لن تزيد الذين انتخبوه بالأمس إلا نفورا منه وأخشى أن يعرف المصير الذي عرفه الحزب الدستوري للشيخ الثعالبي الذي مات موتة طبيعية سنة 1966 أومصير حزب «التكتل» لمصطفى بن جعفر.
أية مسؤولية للباجي قائد السبسي في تشقق الحزب الفائز في الانتخابات وفي انخرام الموازين داخل المجلس وفي المشهد السياسي ككل؟
مسؤولية الباجي في ما حدث لحزبه وفي داخل المجلس وفي المشهد السياسي ككل مسؤولية كاملة وإن حاول التملص منها أوتبريرها. فلقد انتخب هووحزبه ليس على برنامج ولكن لإبعاد «النهضة» فإذا به يتحالف معها وهويبرر ذلك بالضغوط الأمريكية وهو عذر أقبح من ذنب وقد أغضب ناخبيه واكبر مموليه إضافة لذلك سعى لتوريث ابنه الحزب كمدخل للرئاسة.
ما هي حظوظ «كتلة الحرة» ومحسن مرزوق في التموقع وإحداث توازن حقيقي مع «النهضة»؟
التموقع حاليا هوتموقع افتراضي لأنّ التموقع الحقيقي يأتي بعد انتخابات تشريعية سابقة لأوانها وهي مستبعدة في الوقت الراهن. محسن مرزوق يملك الآن كتلة نيابية وهي جزء من الائتلاف الحاكم بل هوصرح انه في حالة وقوع انتخابات تشريعية تفضي إلى النتائج التي أفرزتها انتخابات 2014 فإنه لا يمانع من التحالف مع «النهضة» وأعتقد أنه محق في ذلك فهو يشترك معها في الرؤية الاقتصادية وفي انخراطه في المشروع الإقليمي الأمريكي ولا أحد ينسى توقيعه على وثيقة الحماية الأمريكية. أما ما عدا ذلك من تعلق بالمرجعيّة البورقيبية وبالحداثة فتلك شعارات يلتقي حولها الجميع في ما عدا السلفيين.. الخارطة الانتخابية لتونس لن تستقر بعد ولنتذكر أن «النهضة» مثلا خسرت ثلثي ناخبيها بين 2011 و2014 وأن كتلتي المرزوقي وبن جعفر تبخّرتا تماما.
هل تخلّي «النهضة» عن الجانب الدعوي من باب التعامل مع المعطيات الإقليمية أم هي حقيقة؟
أولى المعارك التي خاضتها «النهضة» عند نشأتها والتي تستمر إلى حدّ اليوم هي معركة المساجد واحتلال المنابر والتحكم في الخطاب الديني وحتى التفرّد به. قد يقررون الفصل ولكن عمليا ستبقى عيونهم على المساجد وأيمّتها وكلّما استعصى عليهم الأمر في السياسة سيصيحون بان الإسلام في خطر ذلك هوراس مالهم وسيظل كذلك ما لم ينجزوا نجاحا سياسيا واجتماعيا يثبتهم كحزب مؤهل لحكم البلاد.
هل نجحت تونس ديبلوماسيا في التعامل مع الأزمة الليبية؟
الحقيقة أن الديبلوماسية التونسيّة فشلت في أغلب الملفات الكبرى التي طرحت منذ 2011. فقبل كارثة قطع العلاقات الديبلوماسية مع سوريا تورطت حكومة السبسي في إدخال الأسلحة والقوات الخاصة الأجنبية إلى ليبيا عبر التراب التونسي ومعنى ذلك أننا ساهمنا في تدمير ليبيا وثمة من يتباهى بذلك. إضافة لذلك تدفق الآلاف من الإرهابيين التونسيين إلى هذا البلد بإيعاز من أطراف سياسية كانت في صلب الدولة أوعلى أطرافها. كل هذا أدى إلى تعدد الأطراف التونسية المتعاملة مع الملف الليبي ويبقى رمز فشل الديبلوماسية التونسية استمرار احتجاز الصّحافيين نذير وسفيان وتواصل احتجاز العديد من التونسيين من قبل الجماعات المسلحة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.