كان مناضلا، عرفناه يدافع عن حقوق الإنسان مستميتا في إرساء دولة الحق والقانون لم يتنازل ولم يقبل المساومة، حتى الهدنة كان يرفضها، لقد كان واضح الرؤية ثاقب البصيرة، لا يساوم في موضوع الحريات، ولا يقبل بأنصاف الحلول. ثم جاءت الثورة لتتوج مسيرته بمنصب لم يرض به أنصاره، في حين قبله وفرح به وكأنه عانق الحلم المستحيل، لقد رأى أنصاره أنه يستحق أكثر بكثير من منصب رئيس الجمهورية المؤقت خاصة وأن المنصب بلا صلاحيات تذكر. ومع هذا قيل ربما يكون الرجل المناسب في المكان المناسب، فالرجل بماضيه المشرف ومواقفه الراسخة يمكن أن يكون ضامنا للحريات مدافعا عن حقوق الإنسان، كما بإمكانه أن يكون صمام الأمان في فترة صعبة ومتحركة الكل فيها يحاول إعادة التموقع وكسب معركة رسم الحدود. من كان يتصور أن المرزوقي سيتنكر لماضيه الحقوقي دون سبب أو تبرير يذكر؟؟ فهل كان مضطرا للمصادقة علي سياسة «النهضة» والقبول بالأمر الواقع؟؟؟ حتما لا «النهضة» لم تعد قادرة على أن تضيف للمرزوقي أي شيء، حتى التحالف معها استهلك ولم يعد في حاجة لدعمها السياسي. فما الذي يدفع الرئيس إلى هذا التغير؟؟؟ ومن كان يتصور أن المرزوقي سيقبل بممارسة العنف ضد المتظاهرين؟ خاصة وأن حجم العنف ارتقى إلى مرتبة القمع المنظم، لم يفهم موقفه فقد كان حساسا في الماضي لا يقبل بإهانة المواطن التونسي ولا يرضى أن يخدش خدشا بسيطا، فكيف صار اليوم يبرر العنف واضطهاد المتظاهرين متبنيا نظرية المندسين ونظرية الاعتداء المتبادل بين المتظاهرين وقوات الأمن، في حين أنه عاش طول حياته يسخر من مثل هذه النظريات ويزدريها؟ ماذا تغير؟ بمنطق النفعية والبرغماتية السياسية خسر الرئيس خسارة فادحة بهذا الموقف قد لا يعوضها، بل قد تجعله يخسر مستقبله السياسي، فمن سيثق به مستقبلا وبمواقفه؟؟؟ لقد فوت الرئيس على نفسه فرصة تاريخية ليعيد الأمور لنصابها ويستعيد بريقه كرجل مناضل منحاز لقضايا الحق والحريات، لكنه خيّر بلا سبب مقنع أو حتى تفسير منطقي أن يساير منطق حركة «النهضة» وأن يصادق على تصرفاتها، ولم يكن مضطرا لذلك بل من مصلحته السياسية أن لا يسايرها وأن يخالفها الموقف وهو ما كان سيجلب له الأصوات الانتخابية مستقبلا فالأصوات لا تجمع في الحملة الانتخابية بل تجمع عبر المواقف المتراكمة فحزب المرزوقي ما كان ليحصل على المرتبة الثانية في انتخابات المجلس التأسيسي لو لم يكن لأعضاء الحزب ماض نضالي ومواقف فوق الشبهات. لقد خسرناه كحقوقيين ولم نربحه كرجل سياسة أو رجل دولة، كما أن الصدمة كبيرة تجعل الناخب محتارا، في من يثق مستقبلا؟ فإن كان من له ماض مجيد في الدفاع عن حقوق الإنسان وصمد في سنوات الجمر ولم يتزحزح قيد أنملة عن مبادئه، يتغير اليوم وهو في السلطة، ويتنازل حين لم يكن مضطرا للتنازل بمن نثق مستقبلا؟؟؟ أخشى أننا سنضطر مستقبلا إلى الوثوق في من لا ماضي له.