انتقد سامي الرمادي رئيس الجمعية التونسية للشفافية المالية تصريحات محمد عبو الوزير المكلف بالإصلاح الإداري سابقا والتي قال فيها «الإدارة التونسية في حاجة الى التغيير باعتبارها مليئة بالفساد ... حجم الفساد الموجود في الإدارة التونسية يتجاوز الإمكانيات البشرية واللوجستية حاليا... هناك ملفات كبرى لا يمكن فتحها» وقال عبو ايضا إن اسباب الاستقالة تعود إلى محدودية الصلاحيات المسندة إليه في إطار مقاومة الفساد الإداري والمالي ورفض الجبالي لطلبه إحداث لجنة لمراقبة الأداء الإداري ومقاومة الفساد. ورأى سامي الرمادي في حديث ل«التونسية» ان محمد عبّو لم يأت بالجديد قائلا: «هذه المواضيع نعرفها وهي امور بديهية وكان الأجدر به التثبت من صلاحيته قبل تسلم المنصب لأن تلك التصريحات لا تعفيه من المسؤولية فهناك كراس شروط يحدد الصلاحيات المسندة للوزير وللاسف انجزنا الانتخابات ثم جاء النقاش على الصلاحيات وهذه «قمة الفوضى» . وأضاف: «نحن غير متعودين على إدارة الموارد البشرية التي تحدد «الصلاحيات»وتضبط آليات العمل وللأسف لا زلنا الى الآن نعمل بنفس طريقة النظام السابق ...فالصلاحيات وآليات العمل تكون مكتوبة وممضى عليها من رئيس الحكومة ويتم ذلك قبل التعيين وليس بعد التعيين فهل يعقل ان يتم الآن الحديث عن «صلاحيات»وغياب اليات العمل؟». ويرى الرمادي ان هذه التصريحات وردت في اطار مليء «بالتجاذبات» «وأنها لو كانت في اجواء عادية لقبلناها ولكن السياسي «يخفي» دائما اشياء ويحاول الخروج من المعركة «منتصرا» وبالتالي لا يجب ان نأخذ الأسباب المعلنة بطريقة مسلمة لأن هناك دائما وفي كل موضوع جوانب «خفية». وقال الرمادي : «كوزير عليه الدفاع عن صلاحيته مهما تطلب الأمر وكان عليه تحديد ما يلزمه من ميزانية وموارد بشرية لو أراد فعلا فتح ملفات الفساد ومعالجة الملفات الكبرى.» واضاف: «بالرغم من أني أحترمه كشخص وأحترم نضاله وسبق وتقابلنا في برنامج تلفزي وكان ساعتها «عبو» يدافع عن الحكومة فإنه من خلال هذه التصريحات يعود لكلامي الذي ذكرته منذ عدة اشهر ولكلام الجمعية حول انتشار الفساد وضرورة وجود اليات لمقاومته.» وفي ما يتعلق بالأمور «اللوجستية» والتي اعتبرها «عبو» منقوصة خاصة ان حجم الفساد يتجاوز الإمكانيات الحالية قال الرمادي : «هي ضرورية ولن تذهب هباء لأن أكثر من 20 و25 في المائة من الموارد تذهب في الفساد وبالتالي تخصيص الموارد اللازمة لمقاومة الفساد يصب في مصلحة الدولة ويربحنا اموالا مهدورة . ..» وأكد سامي «ان الحكومة الحالية لديها مشكل يتعلق بالنجاعة وهو ربما ما يفسر تأخر مقاومة الفساد إلى حد الآن واشار إلى ان هناك عدة مظاهر في الفساد تتجسد حتى من خلال اهدار المال العام ففي الظروف الحالية هناك عدد كبير من الوزراء إذ كيف يتم تخصيص 70 مليارا لوزارة المرأة و60 مليارا لوزارة الشؤون الدينية في حين تم تخصيص 100 مليار فقط لوزارة البحث العلمي والتي تعد من أهم الوزارات التي كان يجب الترفيع في ميزانيتها؟». كما اعتبر الرمادي بعض الوزارات كوزارة الحوكمة ووزارة العدالة الانتقالية غير ضرورية في مثل هذه الظروف التي تمر بها البلاد. وحول ملفات الفساد قال الرمادي: «تشير الأرقام الى وجود أكثر من 420 ملفا في الفساد تضم نحو 1200 شخص كانت رفعتها لجنة تقصي الحقائق إلى القضاء لكن إلى الآن لا نعرف مآلها ؟. وقال : «لكي نضع إصبعنا على الداء ولكي نقاوم فعلا الفساد هناك طريقتان: إمّا طريقة ثورية والتي نريد الابتعاد عنها لأنها تولّد الفوضى وهناك طرق قانونية تقوم على المنظومة القانونية وفق مقاربة علمية ولكن الى الآن لم نقم بإنشاء الهيئة الوقتية التي ستحل محل المجلس الأعلى للقضاء» . واضاف الرمادي «انه لا يمكن حل مشاكل الفساد في تونس دون استقلالية القضاء واستقلالية النيابة العمومية اللذين لا يمكنهما العمل تحت طائلة الخوف. فإيطاليا حاربت المافيا عن طريق قضاة مستقلين بعد ان وفرت لهم الحماية ساعتها يمكن الحديث عن محاسبة ولا بد من تطهير القضاء لأنه اذا كان هناك إنسان نافذ فبإمكانه إرشاء القضاء ولا يمكن ان يهرب القضاء من سلطة السياسة ليقع تحت طائلة المال، وبالتالي لا بد من تطهير القضاء قبل الحديث عن المحاسبة ولا بد من القيام بإجراءات إصلاحية على مستوى المحكمة والنيابة العمومية والتي عليها ان تبادر بفتح الملفات بنفسها». واعتبر انه لا يمكن الحديث عن مصالحة مع رجال اعمال والعفو عنهم مقابل قيامهم بمشاريع تنمية قبل المحاسبة لأن ذلك يخلق شعورا بأن من قام بالفساد وبعمليات مشبوهة لا يحاسب وبالتالي تكون «القدوة غائبة». وأكد الرمادي «انه من المستحيل حل مشاكل الفساد دون وجود هيئات مستقلة لمكافحة الفساد تعمل بسرية وتحفظ الهويات لتجنب رد الفعل كما يجب الفصل بين القرار العلمي والقرار السياسي فعند الحديث عن مشروع تتخذه الدولة و مهما كان نوعه لا بد من لجان مختصة تبحث في الموضوع ليكون القرار مستقلا عن السلطة السياسية وهي الوحيدة التي تقرر ان كان هذا المشروع له مردودية ام لا ولقطع مجال الرشوة بين السياسي ورجل الأعمال. ودعا محدثنا الى «ضرورة تكوين لجان سرية ومراقبين تكون بمثابة «شرطة الشرطة» ولجان مختصة تراقب فساد رجال الشرطة والديوانة و السيارات الإدارية وتنظر في سير الصفقات العمومية خاصة ان التجاوزات التي تتم في هذا المجال كبيرة جدا ولا بد من مزيد الشفافية في الصفقات العمومية و ذلك بالإعلان عنها ثم تسجيل مختلف العروض والشراءات وبعد تجميع ما تحتاجه كل وزارة مثلا تقدم العروض ويقع الكشف عن جميع العروض المقدمة وحتى الأسعار لتتم المقارنة في اطار الشفافية وليفهم صاحب الصفقة لماذا قبل العرض الفلاني دون سواه». واضاف : «نحن في غنى عن عديد الوزارات والعدد الكبير من الوزراء والمستشارين في الحكومة والرئاسة يندرج ضمن تبديد المال العام ولا يعطي القدوة الحسنة كما ان التسميات والتعيينات التي تتم عن طريق القرابة والولاءات لا تقطع مع الماضي» وتساءل محدثنا «كيف يمكن اضافة 25 ألف موظف ليصبح العدد 581 ألف موظف في المستقبل اي ان نسبة الموظفين 5٫7 بالمائة من جملة التونسيين وفي البلدان المتقدمة لا يتعدى العدد 2٫5 بالمائة فقط؟».