بين الاستعدادات الرسميّة للحكومة وبين إعلان المقاطعة النشيطة والاحتجاجية انطلقت فعاليات الذكرى الثانية لتفجّر ثورة 17 ديسمبر 2010 بمدينة سيدي بوزيد. وبين اعتبارها ذكرى ومهرجانا احتفاليا وبين وإعلانها مناسبة للاحتجاج وجرد الحساب اختلفت زوايا النظر فتخالفت وانتهت إلى ما يشبه الحدث الفارق الذي لا شكّ سيضاف إلى ذاكرة الثورة التونسيّة. كيف لا وقد كان الافتراق بائنا بين رأس الثورة وجسدها، بين الرئاسات الثلاثة وإن تخلّف منها رأس الحكومة لزكام مفاجئ المّ به ليلة الذكرى وإن حضر من ينوبه من الوزراء وبين جسد الثورة بكل ما يمثله من مواطنين وأحزاب سياسية ومنظمات وجمعيات مدنيّة وشخصيات وطنيّة وفعاليات شبابيّة باستثناء أحزاب الترويكا والجمعيات التي تدور في فلكها التي لم تستطع النجاح في إضفاء الاحتفاليّة على زيارة الوفد الرسمي. حضور للقوى السياسية واعتداء مرّ بسلام انطلقت الفعاليات منذ الخامس عشر من ديسمبر في شكل ندوات واجتماعات جماهيرية وتظاهرات شبابيّة لتتواصل يوم السادس عشر من خلال الحراك الذي شهده الشارع الرئيسي في سيدي بوزيد الذي احتضن الشرارة الأولى لانطلاق انتفاضة 17 ديسمبر. حيث انتصبت عديد الخيام التي مثلت الطيف السياسي والجمعياتي بالجهة وتسابقت لافتكاك الأماكن الأكثر قربا من النصب التذكاري لعربة الشهيد محمد البوعزيزي، وبين الاحتفال والمقاطعة كان تدور حلقات النقاش الجماهيرية وسط الساحة ولم تخل في بعض الأحيان من التوتر خاصة عندما تمّ الاعتداء على خيمة الجبهة الشعبية واستهداف أحد ممثليها في الجهة بطعنة مرت والحمد لله بسلام وخلفت أضرار طفيفة ولكنها ساهمت في توتير الأجواء المحتقنة أصلا. حزب التحرير في الموعد صبيحة يوم 17 ديسمبر اكتمل المشهد وتزايدت الحشود وانتصبت خيام جديدة كان الحاضر البارز فيها أنصار حزب التحرير بإعلامهم السوداء المميزة الذين يبدوا إنهم استجمعوا كل قواهم وحشدوا الأنصار من كل الجهات خاصة مع حضور رئيس حزبهم السيّد رضا بالحاج بينهم وقد وزعوا العديد من المطويات التي تعرف بدستور الخلافة وبأهداف الحزب، أنصار الشريعة كانت لهم أيضا خيمة ومنشورات طالبوا من خلالها بإطلاق سراح معتقليهم في السجون اثر حادثة السفارة الأمريكية. نجا المرزوقي ووقع بن جعفر مع الساعة الحادية عشر والنصف حلّ موكب رئيس الجمهوريّة ورئيس المجلس التأسيسي والوفد الحكومي المرافق لهما وسط حراسة أمنيّة مكثفة، زادت في توتير الأجواء وبعد تلاوة الفاتحة والنشيد الوطني على شهداء الثورة واطلاق 17 طلقة تخليدا لأرواحهم. كانت كلمة رئيس الجمهوريّة التي وان لم تستقبل بالتصفيق فإنّها لاقت بعض الاهتمام من قبل المواطنين في الصفوف الأماميّة وتخللتها بعض الشعارات المطالبة بالتنمية والتشغيل والحرية والكرامة ولم تخل من رفع شعار «ديقاج» في بعض الأوقات رغم حرص الرئيس على ارتجال كلمته واختصارها الى أقصى ما يمكن وتقديم ما يشبه الاعتذار وتعبيره عن تفهمه لقلق أهالي سيدي بوزيد على تأخر التنمية التي وعدوا بها. حظّ السيّد مصطفى بن جعفر رئيس المجلس التأسيسي لم يكن كحظّ رئيس الدولة فبمجرد أخذه الكلمة أخطأ في تقدير الكلمات ولم يحسن تجاوز اللغز الذي برع الرئيس في القفز عليه وهو تاريخ الثورة وبمجرد أن نطق عبارة ثورة 14 جانفي المجيدة حتى تعالت الأصوات والشعارات وتأكسد الجوّ ليصل أقصى درجات التوتر فارتفعت الشعارات المطالبة برحيله مما دفعه لقطع كلمته، ومن ثمّة الانسحاب من المنصة ومن معه تحت تهاطل بعض المقذوفات من حجارة وطماطم وتجاوز بعض المحتجين للحاجز الذي يفصلهم عن المنصة وتدخل قوات الأمن لتامين انسحاب الرئيسين والوفد المرافق لهما إلى داخل الولاية. وعلى خلاف ما روجه البعض لم توجد محاولة لاقتحام الولاية، كما ان المقذوفات لم تتجاوز حواجز المنصة الأمامية رغم ما بدا في الصورة من حالة الهلع وسط الطاقم الرسمي ما دفع الحماية إلى فتح حقائب الوقاية. عروض موسيقية لفرق ملتزمة حالة الاحتجاج لم تدم أكثر من بعض الدقائق انسحب على إثرها الوفد الرسمي وتفرقت الحشود من الأهالي التي لم تكن كبيرة منذ البداية ولا يمكن مقارنتها بالآلاف التي حضرت الذكرى الأولى من كل معتمديات ولاية سيدي بوزيد ومن كل المدن التونسية وبعض الدول الأجنبية، لتتواصل الأمسية بعرض موسيقي للفنان لزهر الضاوي تفاعل معه شباب سيدي بوزيد غنّى خلاله باقة من أغانيه الملتزمة الثورية مثل أغنية « يا شهيد « و»بنت البي» وبعرض ليلي لفرقة جيل جيلالة المغربيّة. احتفالية لا تعكس أهمية الحدث المتابعة الاعلاميّة لم تكن في نفس حجم السنة الفارطة، وسجلت غياب عديد وسائل الاعلام الوطنية والعربية والدولية وقد يكون ذلك عائد الى غياب التنسيق من قبل الحكومة واعتمادها الارتجال وحصرها لجان التنظيم في المقربين منها من احزاب الترويكا والمنظمات والجمعيات. وتهميش القوى والشخصيات الجهوية التي كان لها الفضل في إنجاح الذكرى الأولى وهو ما عبرت عنه هذه القوى التي التقيناها بدعوتها للمقاطعة، بالإضافة إلى ما لمسناه من حالة عدم رضا والاحتقان الذي تعيشه الجهة على خلفية تأخر انجاز ما وعد بها الرؤساء الثلاثة في التنمية ويأس الشباب المناضل بالجهة نتيجة غياب التشغيل وتكرر المحاكمات والتتبعات التي لحقت بأغلبهم نتيجة التحركات الأخيرة في بوزيان وقرية العمران. قد يكون احد المشاهد الأكثر تعبيرا عن انعدام الثقة بين المسؤولين الحكوميين والأهالي تمثّل في مواصلة أغلب المواطنين لأعمالهم بصفة منتظمة و ملازمة الكثير من الشباب للمقهى القريبة من الولاية وعدم اهتمامهم بالوفد الحكومي وبخطاب الرئيس واكتفائهم بالتعليق «مللنا الوعود والخطب نريد انجازات على ارض الواقع».