غوغل تسرح 28 موظفا احتجّوا على عقد مع الكيان الصهيوني    حراك 25 جويلية يناشد رئيس الجمهورية الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة    عاجل/ بعد منع عائلات الموقوفين من الوصول الى المرناقية: دليلة مصدق تفجرها..    برج السدرية: انزلاق حافلة تقل سياحا من جنسيات مختلفة    في اجتماعات الربيع: وزيرة الاقتصاد تواصل سلسلة لقاءاتها مع خبراء ومسؤولي مؤسسات تمويل دولية    اليوم: انعقاد الجلسة العامة الافتتاحية للمجلس الوطني للجهات والأقاليم    وزير السياحة يلتقي رئيس الغرفة الوطنية للنقل السياحي    طيران الإمارات تعلق إنجاز إجراءات السفر للرحلات عبر دبي..    بعد فيضانات الإمارات وعُمان.. خبيرة أرصاد تكشف سراً خطيراً لم يحدث منذ 75 عاما    عاجل/ زلزال بقوة 5.6 درجات يضرب هذه الولاية التركية..    الوكالة الفنية للنقل البري تصدر هذا البلاغ    التوقعات الجوية لهذا اليوم..سحب كثيفة مع الأمطار..    عاجل : هجوم إسرائيلي على أهداف في العمق الإيراني    فرنسا: إصابة فتاتين في عملية طعن أمام مدرسة شرقي البلاد    الأندية المتأهلة إلى نصف نهائي الدوري الأوروبي    سلطنة عمان: ارتفاع عدد الوفيات جراء الطقس السيء إلى 21 حالة    اللجان الدائمة بالبرلمان العربي تناقش جملة من المواضيع تحضيرا للجلسة العامة الثالثة للبرلمان    منبر الجمعة .. الطفولة في الإسلام    خطبة الجمعة..الإسلام دين الرحمة والسماحة.. خيركم خيركم لأهله !    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    خلال الثلاثي الأول من 2024 .. ارتفاع عدد المشاريع الاستثمارية المصرّح بها    جوهر لعذار يؤكدّ : النادي الصفاقسي يستأنف قرار الرابطة بخصوص الويكلو    تم جلبها من الموقع الأثري بسبيطلة: عرض قطع أثرية لأول مرّة في متحف الجهة    ضروري ان نكسر حلقة العنف والكره…الفة يوسف    ارتفاع عائدات صادرات زيت الزيتون بنسبة 82.7 بالمائة    عاجل/ هيئة الدفاع عن الموقوفين السياسيين: اللّيلة تنقضي مدّة الإيقاف التحفّظي    عاجل/ بعد "أمير كتيبة أجناد الخلافة": القبض على إرهابي ثاني بجبال القصرين    وزير الصحة يشدّد على ضرورة التسريع في تركيز الوكالة الوطنية للصحة العموميّة    سوسة: الاستعداد لتنظيم الدورة 61 لمهرجان استعراض أوسو    أنس جابر خارج دورة شتوتغارت للتنس    طبربة: إيقاف 3 أشخاص يشتبه في ترويجهم لمواد مخدرة في صفوف الشباب والتلاميذ    تخصيص حافلة لتأمين النقل إلى معرض الكتاب: توقيت السفرات والتعريفة    سيدي بوزيد.. تتويج اعدادية المزونة في الملتقى الجهوي للمسرح    توزر.. افتتاح الاحتفال الجهوي لشهر التراث بدار الثقافة حامة الجريد    محمود قصيعة لإدارة مباراة الكأس بين النادي الصفاقسي ومستقبل المرسى    كأس تونس لكرة القدم: تعيينات حكام مقابلات الدور السادس عشر    بعد حلقة "الوحش بروماكس": مختار التليلي يواجه القضاء    حملات توعوية بالمؤسسات التربوية حول الاقتصاد في الماء    جلسة عمل مع وفد من البنك الإفريقي    شاهدت رئيس الجمهورية…يضحك    انخفاض متوسط في هطول الأمطار في تونس بنسبة 20 بالمئة في هذه الفترة    حيرة الاصحاب من دعوات معرض الكتاب    أبطال أوروبا: تعيينات مواجهات الدور نصف النهائي    عاجل/ تلميذ يطعن أستاذه من خلف أثناء الدرس..    بوركينا فاسو تطرد 3 دبلوماسيين فرنسيين لهذه الأسباب    عاجل : نفاد تذاكر مباراة الترجي وماميلودي صانداونز    هام/ تطوّرات حالة الطقس خلال الأيام القادمة..#خبر_عاجل    ضربة إسرائيل الانتقامية لايران لن تتم قبل هذا الموعد..    الحماية المدنية: 9 حالات وفاة خلال ال24 ساعة الأخيرة    غادة عبد الرازق: شقيقي كان سببا في وفاة والدي    البنك المركزي : ضرورة مراجعة آليات التمويل المتاحة لدعم البلدان التي تتعرض لصعوبات اقتصادية    مصر: رياح الخماسين تجتاح البلاد محملة بالذباب الصحراوي..    وزير الصحة يشدد في لقائه بمدير الوكالة المصرية للدواء على ضرورة العمل المشترك من أجل إنشاء مخابر لصناعة المواد الأولية    توزر: المؤسسات الاستشفائية بالجهة تسجّل حالات إسهال معوي فيروسي خلال الفترة الأخيرة (المدير الجهوي للصحة)    الكاف: تلقيح اكثر من 80 بالمائة من الأبقار و25 بالمائة من المجترات ضد الأمراض المعدية (دائرة الإنتاج الحيواني)    "سينما تدور": اطلاق أول تجربة للسينما المتجولة في تونس    جراحة فريدة في الأردن.. فتحوا رأسه وهو يهاتف عائلته    موعد أول أيام عيد الاضحى فلكيا..#خبر_عاجل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إفلات كبار الفاسدين الحقيقيين والقائمة «السوداء» مجرّد تمويه
القاضي المنصف زغاب يوضح:
نشر في الشعب يوم 08 - 06 - 2013

«إن القرار الصادر عن وزير العدل السابق والقاضي بإعفاء 82 قاضيا من مهامهم وشطبهم من الإطار القضائي جاء مشوبا بغموض ولبس كبيرين وبعيدا عن الشفافية وبمنأى عمّا يقتضيه مسار العدالة الانتقالية من كشف للحقيقة, وقد أكّد الحقوقيون والهيئات الحقوقية الوطنية والدولية أن عملية الإعفاءات التي أتمّها وزير العدل السّابق نور الدين البحيري باعتماد آلية القائمة السوداء فضلا عما تستنبطه من مقوّمات الفكر الفاشي قد استندت إلى منهجيّة معيّنة في معالجة ملف الفساد في القضاء أسفرت عن إفلات كبار الفاسدين من المحاسبة والزجّ بأشرف القضاة وأكثرهم نزاهة في القائمة «السوداء» بغير وجه حق فكانت النتيجة أن جاءت قرارات الإعفاء منتهكة لأبسط حقوق الإنسان وتشوبها عديد الإخلالات القانونية والخروقات الواقعية التي يختزلها أحد القضاة المعنيين بالإعفاء الجماعي السيد «المنصف زغاب» في النقاط التالية, وقد التقيناه وكلّه أسى ومرارة لما آلت إليه الثورة من انحرافات وصلت حدّ التعسّف الصارخ في حقّ القضاة الذين يفترض أن يكونوا الدرع الواقي للحرّيات وصمّام الأمان للحقوق الفردية والجماعية, هؤلاء الذين يقضون في أموال الناس ودمائهم وأعراضهم وأنفسهم ويصدرون أحكامهم باسم الشعب فإذا بهم يحرمون من أدنى ضمانات المحاسبة العادلة المكفولة لأيّ إنسان حتى وإن كان مجرم حرب.
وفيما يلي بعض الخواطر التي أدلى بها السيد المنصف زغاب:
خرق واضح لمبدأ الفصل بين السلط وانتهاك واضح للسلطة القضائية, إذ صدرت أوامر الإعفاء عن السلطة التنفيذية مع أنها تسلّطت على أعضاء السلطة القضائية خلافا لما توجبه جميع المعايير الدولية لاستقلال القضاء.
الاستناد إلى أصل قانوني أمّنه النظام الدكتاتوري البائد سنة 1967 وتمّ إلغاء العمل به بموجب أحكام الفصل 27 من القانون التأسيسي عدد 6 لسنة 2011 المؤلاخ في 16 ديسمبر 2011 المتعلّق بالتنظيم المؤقت للسلط العمومية لتعارض مقتضياته صراحة مع أحكام الفصل 22 من نفس القانون التأسيسي.
صدور أوامر الإعفاء في غير ذي صفة باعتبارها صادرة عن رئيس الحكومة والحال أن قانون 1967 المشار إليه يمنح صلاحية تسمية القضاة وقبول استقالاتهم وبالتبعية إلغاء مهامهم لرئيس الجمهورية دون سواه وذلك باقتراح من المجلس الأعلى للقضاء وهو ما تأكد من خلال قيام وزير العدل نفسه حينها بإحالة الحركة الوزارية الأخيرة للقضاة على السيد رئيس الجمهورية المنصف المرزوقي لإمضائها بما تكون معه تلك الأوامر باطلة لأنّها مشوبة بعيب الاختصاص.
+ تجاوز السّلطة من قبل وزير العدل السّابق نور الدّين البحيري, الذي اتخذ قرارات الإعفاء مع أنّه لا يملك البتة الصلاحيات القانونية التي تخوّل له اتّخاذها باعتبار أن الفصل 31 من قانون 14جويلية1967, كان قد منح في صيغته الأصليّة سلطة إعفاء «القاضي النّائب للمجلس الأعلى للقضاء دون سواه ولم يمنحها إطلاقا لوزير العدل أو غيره من أعضاء السلطة التنفيدية, كما أن سائر التعديلات المدخلة على قانون 197 التي بلغ عددها 12 تعديلات لم تأتي ولو بمقتضى واحد يجيز صراحة أو دلالة لوزير العدل اتخاد قرار إعفاء القاضي من مهامه لتعارض ذلك الأمر مع مبدأ الفصل بين السلط و كع مقتضيات استقلالية السلطة القضائية تجاه السلطة التنفيذية بل إنّ تنقيح11 أوت 1985 حذف نهائيا إمكانية إفاء القاضب النائب باعتبار أن الملحق القضائي النحرز على شهادة المعهد الأعلى للقضاء تقع تسميته قاضيا من قبل رئيس الجمهورية ويعيّن في درجة البداية من الرتبة الأولى ويخضع لمدّة تأهيل تدومسنة ابتداء من تاريخ الممارسة الفعلية لمهنة القضاء يقع إثرها ترسيمه بعد أخذ رأي المجلس الأعلى للقضاء..
انحراف صارخ بالسّلطة والإجراءات الأساسيّة, لكون وزير العدل استخدم آليّة «الإعفاء» في غير موضعها القانوني وفي غير الحالات القانونية التي يسوغ فيها استعمال تلك الآليّة وهي صور مخصوصة محدّدة على وجه الدقّة والتّفصيل إذ بالرّجوع إلى القواعد العامّة للوظيفة العمومية وخاصّة الفصول 69 و76 و81 من القانون عدد 112 لسنة 1983 والّتي أحال عليها الفصل 42 من القانون عدد 29 لسنة 1967، يتّضح أنّ الحالتين الوحيدتين الّتين يجوز فيهما استخدام آليّة الإعفاء هما حالتي المرض و«القصور المهني».
والجدير بالذّكر أنّ بقاء عبارة «الإعفاء» بالفصل 44 من من القانون عدد 29 لسنة 1967 هو نتيجة سهو المشرّع عن تعديل صياغة الفصل المذكور عقب تنقيح الفصل 31 من نفس القانون بموجب القانون عدد 79 لسنة 1985 المؤرّخ في 11أوت1985 الذي ألغى نهائيا إمكانية استخدام آلية الإعفاء لا سيّما وأن الفقرة الثانية من الفصل الأوّل من القانون عدد 112 لسنة 1983 المتعلق بالنظام الأساسي للوظيفة العمومية نص على عدم انطباق ذلك النظام على رجال القضاء.
وباعتبار أن قانون الوظيفة العمومية لسنة 1982 أحدث في التاريخ مقارنة بالقانون الأساسي للقضاة لسنة 1967, فإن المنطق القانوني السّليم يوجب استبعاد تطبيق ما ورد بالقانون الأوّل في الذكر من أحكام تتصل بالإعفاء على عموم القضاة.
هضم الحقّ في الدّفاع: من خلال استبعاد مسار الإجراءات التّأديبية خلافا لما يوجبه الفصل 50 من قانون 14/07/1967 وتفرضه أحكام المادّة التّاسعة من «القانون الأساسي العالمي للقاضي» المعتمد من قبل الإتحاد العالمي للقضاة خلال سنة 1999 في دورته المنعقدة بمدينة «تايوان» التي نصّت على أن «القاضي لا يمكن نقلته أو إيقافه أو عزله من وظائفه إلاّ في الحالات المنصوص عليها في القانون مع مراعاة الإجراءات التّأديبيّة».
الغياب التام لأدنى ضمانات المحاسبة العادلة, إذ لم تقم وزارة العدل قبل صدور القرار المشتكى منه، بتوجيه مآخذ محدّدة للقضاة المعفيّين وسماعهم بشأنها. ولم تتولّى تمكين أيّ منهم من ممارسة حقّه في الاطّلاع على الوثائق والحجج التي قد يكون احتواها ملف الاتّهام وهو أمر غير مستساغ بالمرّة، فليس من العدل ولا الإنصاف أن يُحرم القاضي الّذي يقضي في أموال النّاس ودمائهم وأعراضهم وأنفسهم ويصدر بإسم الشّعب أحكاما منها ما تقضي بالإعدام, من أدنى ضمانات المحاسبة العادلة المكفولة لأيّ إنسان حتّى وإن كان مجرم حرب. كما لم تقم وزارة العدل بتحديد مدلول الفساد الذي تروّج أنها ستقوم بمكافحته ولا بيان أوجه الفساد التي تُنسب إلى كلّ قاض تمّ إدراج إسمه ضمن القائمة التي أعدّها وزير العدل ولم تضع مقاييس شفافة وموضوعية تحدّد على وجه التّدقيق معنى الفساد ومظاهره رّغم أنّ عبارة الفساد الّتي كثر استعمالها من قبل وزير العدل «نور الدين البحيري» ومستشاريه ولا سما المكلف بملف القضاء «فاضل السارحي» في المنابر الإعلاميّة ليست مفردة فلسفيّة أو أخلاقية فضفاضة, بل هي مصطلح قانوني يرمز إلى جريمة لها مدلول وطني أوضحته الفصول 83 وما بعده من المجلّة الجزائيّة ولها مدلول كوني محدّد ضبطته اتّفاقية الأمم المتّحدة لمكافحة الفساد المعتمدة بنيويورك في 31 أكتوبر 2003 بموجب قرار الجمعية العامة عدد 58/4, والتي وقّعت عليها الجمهوريّة التّونسيّة بتاريخ 30 مارس 200 وصادقت عليها بموجب القانون عدد 16 لسنة 2008 الصادر في 25فيفري2008.
استهتار غير مسبوق بهيبة السّلطة القضائية, وإمعان في إهانة القضاة بغير وجه حقّ, ذلك أنه وردت عليهم مكالمات هاتفية من رؤساء المحاكم التي يعملون بها مساء يوم 28ماي2012, تضمّنت إعلامهم أنّهم تلقّوا برقيات من وزارة العدل مفادها أنّه تمّ إعفائهم من مهامهم والتّشطيب عليهم من الإطار القضائي ولم يعد من حقهم مباشرة عملهم والإلتحاق بمكاتبهم بمقولة أنّ أسمائهم وردت ضمن قائمة أعدتها وزارة العدل بصفة سرية في مكاتبها المغلقة وصرّح وزير العدل السابق «نور الدين البحيري» أن هناك قائمتين ثانية وثالثة ستصدران في القريب العاجل ولم يصدر أيّ منها إلى يوم النّاس هذا بما يجعله في حكم المتستّر على الفاسدين إن صحّ زعمه.
هتك شرف القضاة والعبث بسمعتهم: إذ أمعن وزير العدل السابق «نور الدين البحيري» ومستشاره المكلف بملف القضاء « فاضل السايحي» في التّشهير بكلّ من ورد إسمه بالقائمة التي روّج لها على أساس أنها تضمّ القضاة الفاسدين عبر الصّحافة المكتوبة وفي مختلف وسائل الإعلام السمعيّة والبصريّة إلى حدّ بلغ به وصف القضاة المعفيين «بمرض السّرطان الخبيث» أمام نوّاب الشّعب وذلك في رحاب المجلس الوطني التّأسيسي خلال الجلسة العامّة التي خُصّصت للتّداول في مشروع الهيئة الوقتيّة للقضاء العدلي, كما أعاد ثلبهم في رحاب المجلس ثانية أثناء ردّه على تدخلات بعض السادة النوّاب بمناسبة الجلسة التي خصصت لمساءلته, عندما قال بالحرف الواحد «ياخي تحبّوا نرجعلكم هاك المناظر؟», الأمر الذي شكّل معه قرار الإعفاء وما رافقه من تشهير مسترسل وممنهج من قبل وزير العدل السابق «حكما بالإعدام الاجتماعي» في حقّ جميع القضاة المعفيّين.
تجاهل البعدين الإنساني والأخلاقي: إذ تمّ قطع مورد رزق كل قاض ورد إسمه بالقائمة بغير وجه حقّ ودون أيّ سند قانوني مدة شهرين قبل صدور أوامر الإعفاء وذلك بمجرّد تعليمات شفاهية موجّهة إلى المكلّف بالشؤون الماليّة بالوزارة من قبل الوزير «نور الدّين البحيري», الّذي تعمّد تجاهل الصّبغة المعاشيّة لرواتب هؤلاء القضاة, مع أنها تمثّل مصدر قوت أسرهم والوسيلة الوحيدة الّتي تؤمّن قدرتهم على خلاص أقساط القروض البنكيّة الّتي تثقل ميزانيّاتهم, ممّا آل إلى تشريد أبنائهم ومن هم في كفالتهم وأضحى الكثير منهم عاجزا في الوقت الرّاهن حتّى عن توفير رغيف خبز لصغاره, وبات التّهديد بالتّنفيذ على مساكن الكثير منهم لاستخلاص أقساط القروض المتخلّدة أمرا وشيكا بعد أن أصبحوا معطّلين عن العمل بجرّة قلم من وزير العدل.
الاستخفاف بالهياكل التمثيليّة للقضاة: إذ تمّ تجاهل جميع اللّوائح والبيانات الصّادرة عن جمعيّة القضاة التّونسييّن ونقابة القضاة التّونسيّين وسائر تحرّكاتهما النضاليّة الرّامية إلى منع الوزارة من استعمال آليّة الإعفاء تجاه القضاء, باعتبارها أداة ابتكرها النّظام الدّكتاتوري السّابق منذ أكثر من نصف قرن, لفرض وصاية السّلطة التنفيذية على السّلطة القضائيّة والاستعاضة عن تلك الآليّة بالإجراءات التّأديبيّة الّتي تسمح بكشف الحقيقة وتتيح للقاضي ضمانات المساءلة العادلة.
قرارات الإعفاء تشكّل كسرا لإرادة المجلس الوطني التّأسيسي: إنّ إرادة أعضاء المجلس الوطني التأسيسي قد انصرفت بجلاء إلى التأسيس لسلطة قضائيّة مستقلّة والقطع مع الموروث التشريعي المتخلّف الذي كان يحكم تنظيم القضاء العدلي من جهة وإلى استبعاد سائر النّصوص القانونية الّتي جعلت من القضاء جهازا تابعا وطيّعا استعمله النظام السّياسي البائد لقمع الحرّيات وانتهاك الحرمات وانتزاع الممتلكات وتصفية خصومه السياسيّين من جهة أخرى، وقد تجسّمت تلك الإرادة بكلّ وضوح من خلال أحكام الفصل 22 من القانون التأسيسي عدد 06 لسنة 2011 المتعلّق بالتّنظيم المؤقّت للسّلط العموميّة «الدستور الصّغير» الّذي تكفّل بموجبه المجلس الوطني التّأسيسي بتفادي حالة الفراغ الهيكلي الّتي يعيشها القضاء التّونسي عقب حلّ المجلس الأعلى للقضاء وذلك بسنّ قانون أساسي يحدث هيئة وقتيّة للإشراف على القضاء العدلي تحلّ محلّ المجلس الأعلى للقضاء المذكور كما آل المجلس على نفسه إعلان القطع التام والجذري مع الموروث القانوني القديم المنظّم للقضاء وتعهّد بإصدار قوانين أساسيّة يتولّى بمقتضاها إعادة تنظيم القضاء وإعادة هيكلة المجالس القضائية العليا العدليّة والإداريّة والماليّة كما تعهّد ضمن نفس الفصل بضبط أسس إصلاح المنظومة القضائيّة طبق المعايير الدوليّة لاستقلال القضاء».
وتأكيدا على صدق تلك الإرادة التّائقة إلى استبعاد النّصوص القانونيّة البالية التي لا تستجيب لمطلب إرساء دعائم سلطة قضائية مستقلّة أقرّ الفصل 27 من «الدستور الصّغير» إنهاء العمل بكلّ القوانين التي تتعارض مع هذا القانون التّأسيسي ونصّ على أن تبقى النّصوص القانونيّة التي لا تتعارض معه سارية المفعول.
ويتّضح ممّا تقدّم بسطه أنّ المجلس الوطني التّأسيسي ألغى العمل بجميع النّصوص القانونية الّتي تتعارض مع مقتضيات القانون المتعلّق بالتّنظيم المؤقّت للسّلط العموميّة، ولا ريب في أنّ القانون عدد 29 لسنة 1967 الّذي جاء بآليّة الإعفاء الّتي اعتمدها وزير العدل ثم رئيس الحكومة مع أنهما لا يملكان أصلا صلاحية استعمالها يتجافي تماما مع جميع المعايير الدّولية لاستقلال القضاء، ومنها ما أقرّته المادّة 9 من القانون الأساسي العالمي للقاضي المصادق عليه من الإتّحاد العالمي للقضاة في دورته المنعقدة في تايوان سنة 1999 في خصوص حماية الوظيفة القضائية من أنّ «القاضي لا يمكن نقلته أو إيقافه أو عزله من وظائفه إلاّ في الحالات المنصوص عليها في القانون مع مراعاة الإجراءات التّأديبيّة» يتعارض بصفة صارخة مع القانون التّأسيسي المتعلّق بالتّنظيم المؤقّت للسّلط العموميّة ولا سيّما أحكام الفصل 22 منه الأمر الّذي يكون معه القانون الأساسي للقضاة لسنة 1967 الّذي جاء بآليّة الإعفاء من بين أولى النّصوص القانونيّة البالية الّتي تمّ إنهاء العمل بها مطلقا منذ يوم 16ديسمبر2011 تاريخ صدور القانون التأسيسي عدد 6 لسنة 2011.
وبناء على كلّ ما سلف بيانه يكون قرار الإعفاء الجماعي الصّادر عن وزير العدل السابق «نور الدين البحيري» بتاريخ 28ماي2012 قد تأسّس على نصّ قانوني مُلغى تمّ إنهاء العمل به صراحة منذ يوم 16ديسمبر2011 وجاء في إطار خطوة استباقيّة ترمي إلى مصادرة صلاحيّات الهيئة الوقتيّة للقضاء العدلي المزمع إحداثها من قبل المجلس الوطني التأسيسي وإفراغها من كلّ جدوى عمليّة لا سيّما أنّ إحداث تلك الهيئة قد تأخّر كثيرا ولم تر النور بعد مع أنّه لم يتبقّ من عمرها المفترض سوى بضعة أشهر لا غير وهو ما ساعد وزير العدل «نور الدين البحيري» على تمرير قراره الجائر القاضي بتسليط عقاب جماعي ضد مجموعة من القضاة دون توفير أدنى ضمانات المحاسبة العادلة وذلك في غياب تام لمبدأ المواجهة الذي يكفل ممارسة الحق في الدّفاع وبعيدا عن أيّة مقاييس موضوعية وشفافة توضّح معنى الفساد المراد مقاومته وتضبط الأسس التي قامت عليها عمليّة إعداد قائمة القضاة المشمولين بذلك القرار الظّالم.
واستنادا إلى مجمل تلك الحقائق الثابتة يكون قرار الإعفاء الجماعي الصّادر عن وزير العدل السّابق «نور الدين البحيري» والأوامر على المؤسسة عليه الصادرة عن رئيس الحكومة «حمادي الجبالي» بمثابة الانحراف الخطير بالإجراءات والتّجاوز الصّارخ للسّلطة بما يشكّل خرقا واضحا ومتعمّدا لأحكام الدستور الصّغير من قبل الحكومة ويمثّل بالتالي كسرا لإرادة المجلس الوطني التّأسيسي الرّامية إلى إصلاح المنظومة القضائيّة وفق مرتكزات ومناهج مضبوطة تستند إلى المعايير الدّولية لاستقلال القضاء، فكأنّ الحكومة أرادت بقرارات الإعفاء أن توجّه رسالة واضحة لرئيس وأعضاء السّلطة التّأسيسيّة في البلاد مفادها أنّ العصمة بيدها دون سواها وأنّ النّصوص القانونيّة التي يضعها نوّاب الشّعب لا قيمة لها لديها ولا تتوان لحظة عن تجاهلها وازدرائها عندما يتعلّق الأمر بتنفيذ أجنداتها السّياسيّة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.