الكاف: تطوير القطاع الصحي بتدعيم طب الاختصاص وتوفير تجهيزات متطورة (المدير الجهوي للصحة)    تونس ترشح صبري باش طبجي لمنصب المدير العام لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية    عاجل/ الصين تدعو مواطنيها إلى مغادرة إيران في أسرع وقت..    عاجل/ بعد انذار بوجود قنبلة..طائرة تابعة لهذه الخطوط تغير مسارها..    تونس تتصدّر جدول الميداليات في الملتقى الدولي للبارا ألعاب القوى    المائدة التونسية في رأس السنة الهجرية: أطباق البركة والخير    عاجل : ''طيران الإمارات'' تمدد تعليق رحلاتها إلى 4 دول    الحرس الثوري: استهدفنا مقر الموساد في تل أبيب وهو يحترق الآن (فيديو)    افهم الحرب بالخريطة: أين تقع إيران وإسرائيل؟ ومن يحيط بهما؟    بعد التهام 120 هكتارًا من الحبوب: السيطرة على حرائق باجة وتحذيرات للفلاحين    انطلاق التسجيل بداية من يوم الخميس 19 جوان الجاري في خدمة الإرساليات القصيرة للحصول على نتائج البكالوريا    بشرى للمسافرين: أجهزة ذكية لمكافحة تزوير''البطاقة البرتقالية'' في المعابر مع الجزائر وليبيا    تعرفش علاش الدلاع مهم بعد ''Sport''؟    منوبة: الانطلاق في تزويد المناطق السقوية العمومية بمياه الري بعد تخصيص حصّة للموسم الصيفي ب7,3 مليون متر مكعب    الدورة 12 من الملتقى الوطني للأدب التجريبي يومي 21 و 22 جوان بالنفيضة    افتتاح مركز موسمي للحماية المدنية بفرنانة تزامنا مع انطلاق موسم الحصاد    عاجل/ رئيس الدولة يفجرها: "لا أحد فوق المساءلة والقانون..ولا مجال للتردّد في إبعاد هؤلاء.."    6 سنوات سجنا لنائب سابق من أجل الإثراء غير المشروع    أبرز ما جاء في لقاء رئيس الدولة بوزيري الشؤون الاجتماعية والاتصال..    فرصة عمل للتونسيين في السعودية: إليك التفاصيل    قائد عسكري إيراني: شرعنا باستخدام أسلحة جديدة ومتطورة    عاجل/ آخر مستجدات أخبار قافلة الصمود لفك الحصار على غزة..    الحماية المدنية : إطفاء 192 حريقا خلال ال 24 ساعة الماضية    بعد السقوط أمام فلامنجو... الترجي في مواجهة هذا الفريق بهذا الموعد    لا تفوتها : تعرف على مواعيد مباريات كأس العالم للأندية لليوم والقنوات الناقلة    لاتسيو الإيطالي يجدد عقد مهاجمه الإسباني بيدرو رودريغيز حتى 2026    هيونداي 9 STARIA مقاعد .. تجربة فريدة من نوعها    الطقس اليوم: حرارة مرتفعة..وأمطار مرتقبة بهذه الجهات..    موعد إعلان نتائج البكالوريا 2025 تونس: كل ما تحتاج معرفته بسهولة    مطار طبرقة عين دراهم الدولي يستأنف نشاطه الجوي..    تحويلات التونسيين والسياحة تغطي أكثر من 80٪ من الديون الخارجية    121 حريق تسبّبت في تضرّر أكثر من 200 هك منذ بداية جوان: إقرار لجان تحقيق مشتركة للبحث في ملابسات اندلاع الحرائق    سر جديد في القهوة والأرز... مادة قد تحميك أكثر من الأدوية!    عدد ساعات من النوم خطر على قلبك..دراسة تفجرها وتحذر..    كيف سيكون طقس اليوم الثلاثاء ؟    كأس العالم للأندية: الترجي الرياضي ينهزم أمام نادي فلامينغو البرازيلي    ‌الجيش الإسرائيلي: قتلنا رئيس أركان الحرب الجديد في إيران علي شادماني    عاجل: أمر مفاجئ من ترامب: على الجميع إخلاء طهران فورا    كأس العالم للأندية: تعادل مثير بين البوكا وبنفيكا    كأس العالم للأندية: التشكيلة الأساسية للترجي الرياضي في مواجهة فلامينغو    الكوتش وليد زليلة يكتب .. طفلي لا يهدأ... هل هو مفرط الحركة أم عبقري صغير؟    يهم اختصاصات اللغات والرياضيات والكيمياء والفيزياء والفنون التشكيلية والتربية الموسيقية..لجنة من سلطنة عُمان في تونس لانتداب مُدرّسين    المندوبية الجهوية للتربية بمنوبةالمجلة الالكترونية «رواق»... تحتفي بالمتوّجين في الملتقيات الجهوية    في اصدار جديد للكاتب والصحفي محمود حرشاني .. مجموعة من القصص الجديدة الموجهة للاطفال واليافعين    تونس تحتضن من 16 الى 18 جوان المنتدى الإقليمي لتنظيم الشراء في المجال الصحي بمشاركة خبراء وشركاء من شمال إفريقيا والمنطقة العربية    تجديد انتخاب ممثل تونس بالمجلس الاستشاري لاتفاقية حماية التراث الثقافي المغمور بالمياه لليونسكو    تونس تدعو إلى شراكة صحّية إفريقية قائمة على التمويل الذاتي والتصنيع المحلي    "مذكّرات تُسهم في التعريف بتاريخ تونس منذ سنة 1684": إصدار جديد لمجمع بيت الحكمة    عاجل : عطلة رأس السنة الهجرية 2025 رسميًا للتونسيين (الموعد والتفاصيل)    ابن أحمد السقا يتعرض لأزمة صحية مفاجئة    القيروان: 2619 مترشحا ومترشحة يشرعون في اجتياز مناظرة "السيزيام" ب 15 مركزا    دورة المنستير للتنس: معز الشرقي يفوز على عزيز دوقاز ويحر اللقب    خبر سارّ: تراجع حرارة الطقس مع عودة الامطار في هذا الموعد    10 سنوات سجناً لمروّجي مخدرات تورّطا في استهداف الوسط المدرسي بحلق الوادي    صفاقس : الهيئة الجديدة ل"جمعية حرفيون بلا حدود تعتزم كسب رهان الحرف، وتثمين الحرف الجديدة والمعاصرة (رئيس الجمعية)    قافلة الصمود فعل رمزي أربك الاحتلال وكشف هشاشة الأنظمة    ملف الأسبوع .. أحبُّ الناس إلى الله أنفعُهم للناس    طواف الوداع: وداعٌ مهيب للحجيج في ختام مناسك الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إفلات كبار الفاسدين الحقيقيين والقائمة «السوداء» مجرّد تمويه
القاضي المنصف زغاب يوضح:
نشر في الشعب يوم 08 - 06 - 2013

«إن القرار الصادر عن وزير العدل السابق والقاضي بإعفاء 82 قاضيا من مهامهم وشطبهم من الإطار القضائي جاء مشوبا بغموض ولبس كبيرين وبعيدا عن الشفافية وبمنأى عمّا يقتضيه مسار العدالة الانتقالية من كشف للحقيقة, وقد أكّد الحقوقيون والهيئات الحقوقية الوطنية والدولية أن عملية الإعفاءات التي أتمّها وزير العدل السّابق نور الدين البحيري باعتماد آلية القائمة السوداء فضلا عما تستنبطه من مقوّمات الفكر الفاشي قد استندت إلى منهجيّة معيّنة في معالجة ملف الفساد في القضاء أسفرت عن إفلات كبار الفاسدين من المحاسبة والزجّ بأشرف القضاة وأكثرهم نزاهة في القائمة «السوداء» بغير وجه حق فكانت النتيجة أن جاءت قرارات الإعفاء منتهكة لأبسط حقوق الإنسان وتشوبها عديد الإخلالات القانونية والخروقات الواقعية التي يختزلها أحد القضاة المعنيين بالإعفاء الجماعي السيد «المنصف زغاب» في النقاط التالية, وقد التقيناه وكلّه أسى ومرارة لما آلت إليه الثورة من انحرافات وصلت حدّ التعسّف الصارخ في حقّ القضاة الذين يفترض أن يكونوا الدرع الواقي للحرّيات وصمّام الأمان للحقوق الفردية والجماعية, هؤلاء الذين يقضون في أموال الناس ودمائهم وأعراضهم وأنفسهم ويصدرون أحكامهم باسم الشعب فإذا بهم يحرمون من أدنى ضمانات المحاسبة العادلة المكفولة لأيّ إنسان حتى وإن كان مجرم حرب.
وفيما يلي بعض الخواطر التي أدلى بها السيد المنصف زغاب:
خرق واضح لمبدأ الفصل بين السلط وانتهاك واضح للسلطة القضائية, إذ صدرت أوامر الإعفاء عن السلطة التنفيذية مع أنها تسلّطت على أعضاء السلطة القضائية خلافا لما توجبه جميع المعايير الدولية لاستقلال القضاء.
الاستناد إلى أصل قانوني أمّنه النظام الدكتاتوري البائد سنة 1967 وتمّ إلغاء العمل به بموجب أحكام الفصل 27 من القانون التأسيسي عدد 6 لسنة 2011 المؤلاخ في 16 ديسمبر 2011 المتعلّق بالتنظيم المؤقت للسلط العمومية لتعارض مقتضياته صراحة مع أحكام الفصل 22 من نفس القانون التأسيسي.
صدور أوامر الإعفاء في غير ذي صفة باعتبارها صادرة عن رئيس الحكومة والحال أن قانون 1967 المشار إليه يمنح صلاحية تسمية القضاة وقبول استقالاتهم وبالتبعية إلغاء مهامهم لرئيس الجمهورية دون سواه وذلك باقتراح من المجلس الأعلى للقضاء وهو ما تأكد من خلال قيام وزير العدل نفسه حينها بإحالة الحركة الوزارية الأخيرة للقضاة على السيد رئيس الجمهورية المنصف المرزوقي لإمضائها بما تكون معه تلك الأوامر باطلة لأنّها مشوبة بعيب الاختصاص.
+ تجاوز السّلطة من قبل وزير العدل السّابق نور الدّين البحيري, الذي اتخذ قرارات الإعفاء مع أنّه لا يملك البتة الصلاحيات القانونية التي تخوّل له اتّخاذها باعتبار أن الفصل 31 من قانون 14جويلية1967, كان قد منح في صيغته الأصليّة سلطة إعفاء «القاضي النّائب للمجلس الأعلى للقضاء دون سواه ولم يمنحها إطلاقا لوزير العدل أو غيره من أعضاء السلطة التنفيدية, كما أن سائر التعديلات المدخلة على قانون 197 التي بلغ عددها 12 تعديلات لم تأتي ولو بمقتضى واحد يجيز صراحة أو دلالة لوزير العدل اتخاد قرار إعفاء القاضي من مهامه لتعارض ذلك الأمر مع مبدأ الفصل بين السلط و كع مقتضيات استقلالية السلطة القضائية تجاه السلطة التنفيذية بل إنّ تنقيح11 أوت 1985 حذف نهائيا إمكانية إفاء القاضب النائب باعتبار أن الملحق القضائي النحرز على شهادة المعهد الأعلى للقضاء تقع تسميته قاضيا من قبل رئيس الجمهورية ويعيّن في درجة البداية من الرتبة الأولى ويخضع لمدّة تأهيل تدومسنة ابتداء من تاريخ الممارسة الفعلية لمهنة القضاء يقع إثرها ترسيمه بعد أخذ رأي المجلس الأعلى للقضاء..
انحراف صارخ بالسّلطة والإجراءات الأساسيّة, لكون وزير العدل استخدم آليّة «الإعفاء» في غير موضعها القانوني وفي غير الحالات القانونية التي يسوغ فيها استعمال تلك الآليّة وهي صور مخصوصة محدّدة على وجه الدقّة والتّفصيل إذ بالرّجوع إلى القواعد العامّة للوظيفة العمومية وخاصّة الفصول 69 و76 و81 من القانون عدد 112 لسنة 1983 والّتي أحال عليها الفصل 42 من القانون عدد 29 لسنة 1967، يتّضح أنّ الحالتين الوحيدتين الّتين يجوز فيهما استخدام آليّة الإعفاء هما حالتي المرض و«القصور المهني».
والجدير بالذّكر أنّ بقاء عبارة «الإعفاء» بالفصل 44 من من القانون عدد 29 لسنة 1967 هو نتيجة سهو المشرّع عن تعديل صياغة الفصل المذكور عقب تنقيح الفصل 31 من نفس القانون بموجب القانون عدد 79 لسنة 1985 المؤرّخ في 11أوت1985 الذي ألغى نهائيا إمكانية استخدام آلية الإعفاء لا سيّما وأن الفقرة الثانية من الفصل الأوّل من القانون عدد 112 لسنة 1983 المتعلق بالنظام الأساسي للوظيفة العمومية نص على عدم انطباق ذلك النظام على رجال القضاء.
وباعتبار أن قانون الوظيفة العمومية لسنة 1982 أحدث في التاريخ مقارنة بالقانون الأساسي للقضاة لسنة 1967, فإن المنطق القانوني السّليم يوجب استبعاد تطبيق ما ورد بالقانون الأوّل في الذكر من أحكام تتصل بالإعفاء على عموم القضاة.
هضم الحقّ في الدّفاع: من خلال استبعاد مسار الإجراءات التّأديبية خلافا لما يوجبه الفصل 50 من قانون 14/07/1967 وتفرضه أحكام المادّة التّاسعة من «القانون الأساسي العالمي للقاضي» المعتمد من قبل الإتحاد العالمي للقضاة خلال سنة 1999 في دورته المنعقدة بمدينة «تايوان» التي نصّت على أن «القاضي لا يمكن نقلته أو إيقافه أو عزله من وظائفه إلاّ في الحالات المنصوص عليها في القانون مع مراعاة الإجراءات التّأديبيّة».
الغياب التام لأدنى ضمانات المحاسبة العادلة, إذ لم تقم وزارة العدل قبل صدور القرار المشتكى منه، بتوجيه مآخذ محدّدة للقضاة المعفيّين وسماعهم بشأنها. ولم تتولّى تمكين أيّ منهم من ممارسة حقّه في الاطّلاع على الوثائق والحجج التي قد يكون احتواها ملف الاتّهام وهو أمر غير مستساغ بالمرّة، فليس من العدل ولا الإنصاف أن يُحرم القاضي الّذي يقضي في أموال النّاس ودمائهم وأعراضهم وأنفسهم ويصدر بإسم الشّعب أحكاما منها ما تقضي بالإعدام, من أدنى ضمانات المحاسبة العادلة المكفولة لأيّ إنسان حتّى وإن كان مجرم حرب. كما لم تقم وزارة العدل بتحديد مدلول الفساد الذي تروّج أنها ستقوم بمكافحته ولا بيان أوجه الفساد التي تُنسب إلى كلّ قاض تمّ إدراج إسمه ضمن القائمة التي أعدّها وزير العدل ولم تضع مقاييس شفافة وموضوعية تحدّد على وجه التّدقيق معنى الفساد ومظاهره رّغم أنّ عبارة الفساد الّتي كثر استعمالها من قبل وزير العدل «نور الدين البحيري» ومستشاريه ولا سما المكلف بملف القضاء «فاضل السارحي» في المنابر الإعلاميّة ليست مفردة فلسفيّة أو أخلاقية فضفاضة, بل هي مصطلح قانوني يرمز إلى جريمة لها مدلول وطني أوضحته الفصول 83 وما بعده من المجلّة الجزائيّة ولها مدلول كوني محدّد ضبطته اتّفاقية الأمم المتّحدة لمكافحة الفساد المعتمدة بنيويورك في 31 أكتوبر 2003 بموجب قرار الجمعية العامة عدد 58/4, والتي وقّعت عليها الجمهوريّة التّونسيّة بتاريخ 30 مارس 200 وصادقت عليها بموجب القانون عدد 16 لسنة 2008 الصادر في 25فيفري2008.
استهتار غير مسبوق بهيبة السّلطة القضائية, وإمعان في إهانة القضاة بغير وجه حقّ, ذلك أنه وردت عليهم مكالمات هاتفية من رؤساء المحاكم التي يعملون بها مساء يوم 28ماي2012, تضمّنت إعلامهم أنّهم تلقّوا برقيات من وزارة العدل مفادها أنّه تمّ إعفائهم من مهامهم والتّشطيب عليهم من الإطار القضائي ولم يعد من حقهم مباشرة عملهم والإلتحاق بمكاتبهم بمقولة أنّ أسمائهم وردت ضمن قائمة أعدتها وزارة العدل بصفة سرية في مكاتبها المغلقة وصرّح وزير العدل السابق «نور الدين البحيري» أن هناك قائمتين ثانية وثالثة ستصدران في القريب العاجل ولم يصدر أيّ منها إلى يوم النّاس هذا بما يجعله في حكم المتستّر على الفاسدين إن صحّ زعمه.
هتك شرف القضاة والعبث بسمعتهم: إذ أمعن وزير العدل السابق «نور الدين البحيري» ومستشاره المكلف بملف القضاء « فاضل السايحي» في التّشهير بكلّ من ورد إسمه بالقائمة التي روّج لها على أساس أنها تضمّ القضاة الفاسدين عبر الصّحافة المكتوبة وفي مختلف وسائل الإعلام السمعيّة والبصريّة إلى حدّ بلغ به وصف القضاة المعفيين «بمرض السّرطان الخبيث» أمام نوّاب الشّعب وذلك في رحاب المجلس الوطني التّأسيسي خلال الجلسة العامّة التي خُصّصت للتّداول في مشروع الهيئة الوقتيّة للقضاء العدلي, كما أعاد ثلبهم في رحاب المجلس ثانية أثناء ردّه على تدخلات بعض السادة النوّاب بمناسبة الجلسة التي خصصت لمساءلته, عندما قال بالحرف الواحد «ياخي تحبّوا نرجعلكم هاك المناظر؟», الأمر الذي شكّل معه قرار الإعفاء وما رافقه من تشهير مسترسل وممنهج من قبل وزير العدل السابق «حكما بالإعدام الاجتماعي» في حقّ جميع القضاة المعفيّين.
تجاهل البعدين الإنساني والأخلاقي: إذ تمّ قطع مورد رزق كل قاض ورد إسمه بالقائمة بغير وجه حقّ ودون أيّ سند قانوني مدة شهرين قبل صدور أوامر الإعفاء وذلك بمجرّد تعليمات شفاهية موجّهة إلى المكلّف بالشؤون الماليّة بالوزارة من قبل الوزير «نور الدّين البحيري», الّذي تعمّد تجاهل الصّبغة المعاشيّة لرواتب هؤلاء القضاة, مع أنها تمثّل مصدر قوت أسرهم والوسيلة الوحيدة الّتي تؤمّن قدرتهم على خلاص أقساط القروض البنكيّة الّتي تثقل ميزانيّاتهم, ممّا آل إلى تشريد أبنائهم ومن هم في كفالتهم وأضحى الكثير منهم عاجزا في الوقت الرّاهن حتّى عن توفير رغيف خبز لصغاره, وبات التّهديد بالتّنفيذ على مساكن الكثير منهم لاستخلاص أقساط القروض المتخلّدة أمرا وشيكا بعد أن أصبحوا معطّلين عن العمل بجرّة قلم من وزير العدل.
الاستخفاف بالهياكل التمثيليّة للقضاة: إذ تمّ تجاهل جميع اللّوائح والبيانات الصّادرة عن جمعيّة القضاة التّونسييّن ونقابة القضاة التّونسيّين وسائر تحرّكاتهما النضاليّة الرّامية إلى منع الوزارة من استعمال آليّة الإعفاء تجاه القضاء, باعتبارها أداة ابتكرها النّظام الدّكتاتوري السّابق منذ أكثر من نصف قرن, لفرض وصاية السّلطة التنفيذية على السّلطة القضائيّة والاستعاضة عن تلك الآليّة بالإجراءات التّأديبيّة الّتي تسمح بكشف الحقيقة وتتيح للقاضي ضمانات المساءلة العادلة.
قرارات الإعفاء تشكّل كسرا لإرادة المجلس الوطني التّأسيسي: إنّ إرادة أعضاء المجلس الوطني التأسيسي قد انصرفت بجلاء إلى التأسيس لسلطة قضائيّة مستقلّة والقطع مع الموروث التشريعي المتخلّف الذي كان يحكم تنظيم القضاء العدلي من جهة وإلى استبعاد سائر النّصوص القانونية الّتي جعلت من القضاء جهازا تابعا وطيّعا استعمله النظام السّياسي البائد لقمع الحرّيات وانتهاك الحرمات وانتزاع الممتلكات وتصفية خصومه السياسيّين من جهة أخرى، وقد تجسّمت تلك الإرادة بكلّ وضوح من خلال أحكام الفصل 22 من القانون التأسيسي عدد 06 لسنة 2011 المتعلّق بالتّنظيم المؤقّت للسّلط العموميّة «الدستور الصّغير» الّذي تكفّل بموجبه المجلس الوطني التّأسيسي بتفادي حالة الفراغ الهيكلي الّتي يعيشها القضاء التّونسي عقب حلّ المجلس الأعلى للقضاء وذلك بسنّ قانون أساسي يحدث هيئة وقتيّة للإشراف على القضاء العدلي تحلّ محلّ المجلس الأعلى للقضاء المذكور كما آل المجلس على نفسه إعلان القطع التام والجذري مع الموروث القانوني القديم المنظّم للقضاء وتعهّد بإصدار قوانين أساسيّة يتولّى بمقتضاها إعادة تنظيم القضاء وإعادة هيكلة المجالس القضائية العليا العدليّة والإداريّة والماليّة كما تعهّد ضمن نفس الفصل بضبط أسس إصلاح المنظومة القضائيّة طبق المعايير الدوليّة لاستقلال القضاء».
وتأكيدا على صدق تلك الإرادة التّائقة إلى استبعاد النّصوص القانونيّة البالية التي لا تستجيب لمطلب إرساء دعائم سلطة قضائية مستقلّة أقرّ الفصل 27 من «الدستور الصّغير» إنهاء العمل بكلّ القوانين التي تتعارض مع هذا القانون التّأسيسي ونصّ على أن تبقى النّصوص القانونيّة التي لا تتعارض معه سارية المفعول.
ويتّضح ممّا تقدّم بسطه أنّ المجلس الوطني التّأسيسي ألغى العمل بجميع النّصوص القانونية الّتي تتعارض مع مقتضيات القانون المتعلّق بالتّنظيم المؤقّت للسّلط العموميّة، ولا ريب في أنّ القانون عدد 29 لسنة 1967 الّذي جاء بآليّة الإعفاء الّتي اعتمدها وزير العدل ثم رئيس الحكومة مع أنهما لا يملكان أصلا صلاحية استعمالها يتجافي تماما مع جميع المعايير الدّولية لاستقلال القضاء، ومنها ما أقرّته المادّة 9 من القانون الأساسي العالمي للقاضي المصادق عليه من الإتّحاد العالمي للقضاة في دورته المنعقدة في تايوان سنة 1999 في خصوص حماية الوظيفة القضائية من أنّ «القاضي لا يمكن نقلته أو إيقافه أو عزله من وظائفه إلاّ في الحالات المنصوص عليها في القانون مع مراعاة الإجراءات التّأديبيّة» يتعارض بصفة صارخة مع القانون التّأسيسي المتعلّق بالتّنظيم المؤقّت للسّلط العموميّة ولا سيّما أحكام الفصل 22 منه الأمر الّذي يكون معه القانون الأساسي للقضاة لسنة 1967 الّذي جاء بآليّة الإعفاء من بين أولى النّصوص القانونيّة البالية الّتي تمّ إنهاء العمل بها مطلقا منذ يوم 16ديسمبر2011 تاريخ صدور القانون التأسيسي عدد 6 لسنة 2011.
وبناء على كلّ ما سلف بيانه يكون قرار الإعفاء الجماعي الصّادر عن وزير العدل السابق «نور الدين البحيري» بتاريخ 28ماي2012 قد تأسّس على نصّ قانوني مُلغى تمّ إنهاء العمل به صراحة منذ يوم 16ديسمبر2011 وجاء في إطار خطوة استباقيّة ترمي إلى مصادرة صلاحيّات الهيئة الوقتيّة للقضاء العدلي المزمع إحداثها من قبل المجلس الوطني التأسيسي وإفراغها من كلّ جدوى عمليّة لا سيّما أنّ إحداث تلك الهيئة قد تأخّر كثيرا ولم تر النور بعد مع أنّه لم يتبقّ من عمرها المفترض سوى بضعة أشهر لا غير وهو ما ساعد وزير العدل «نور الدين البحيري» على تمرير قراره الجائر القاضي بتسليط عقاب جماعي ضد مجموعة من القضاة دون توفير أدنى ضمانات المحاسبة العادلة وذلك في غياب تام لمبدأ المواجهة الذي يكفل ممارسة الحق في الدّفاع وبعيدا عن أيّة مقاييس موضوعية وشفافة توضّح معنى الفساد المراد مقاومته وتضبط الأسس التي قامت عليها عمليّة إعداد قائمة القضاة المشمولين بذلك القرار الظّالم.
واستنادا إلى مجمل تلك الحقائق الثابتة يكون قرار الإعفاء الجماعي الصّادر عن وزير العدل السّابق «نور الدين البحيري» والأوامر على المؤسسة عليه الصادرة عن رئيس الحكومة «حمادي الجبالي» بمثابة الانحراف الخطير بالإجراءات والتّجاوز الصّارخ للسّلطة بما يشكّل خرقا واضحا ومتعمّدا لأحكام الدستور الصّغير من قبل الحكومة ويمثّل بالتالي كسرا لإرادة المجلس الوطني التّأسيسي الرّامية إلى إصلاح المنظومة القضائيّة وفق مرتكزات ومناهج مضبوطة تستند إلى المعايير الدّولية لاستقلال القضاء، فكأنّ الحكومة أرادت بقرارات الإعفاء أن توجّه رسالة واضحة لرئيس وأعضاء السّلطة التّأسيسيّة في البلاد مفادها أنّ العصمة بيدها دون سواها وأنّ النّصوص القانونيّة التي يضعها نوّاب الشّعب لا قيمة لها لديها ولا تتوان لحظة عن تجاهلها وازدرائها عندما يتعلّق الأمر بتنفيذ أجنداتها السّياسيّة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.