تونس تحتفل بعيد الشغل العالمي وسط آمال عمالية بإصلاحات تشريعية جذرية    دوري ابطال اوروبا.. التعادل يحسم مباراة مجنونة بين البرسا وانتر    شهر مارس 2025 يُصنف ثاني الأشد حرارة منذ سنة 1950    يظلُّ «عليًّا» وإن لم ينجُ، فقد كان «حنظلة»...    الاتحاد يتلقى دعوة للمفاوضات    تُوّج بالبطولة عدد 37 في تاريخه: الترجي بطل تونس في كرة اليد    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    قضية مقتل منجية المناعي: إيداع ابن المحامية وطليقها والطرف الثالث السجن    رحل رائد المسرح التجريبي: وداعا أنور الشعافي    القيروان: مهرجان ربيع الفنون الدولي.. ندوة صحفية لتسليط الضوء على برنامج الدورة 27    الحرائق تزحف بسرعة على الكيان المحتل و تقترب من تل أبيب    منير بن صالحة حول جريمة قتل المحامية بمنوبة: الملف كبير ومعقد والمطلوب من عائلة الضحية يرزنو ويتجنبو التصريحات الجزافية    الليلة: سحب مع أمطار متفرقة والحرارة تتراوح بين 15 و28 درجة    عاجل/ الإفراج عن 714 سجينا    عاجل/ جريمة قتل المحامية منجية المناعي: تفاصيل جديدة وصادمة تُكشف لأول مرة    ترامب: نأمل أن نتوصل إلى اتفاق مع الصين    عاجل/ حرائق القدس: الاحتلال يعلن حالة الطوارئ    الدورة 39 من معرض الكتاب: تدعيم النقل في اتجاه قصر المعارض بالكرم    قريبا.. إطلاق البوابة الموحدة للخدمات الإدارية    وزير الإقتصاد يكشف عن عراقيل تُعيق الإستثمار في تونس.. #خبر_عاجل    المنستير: إجماع خلال ورشة تكوينية على أهمية دور الذكاء الاصطناعي في تطوير قطاع الصناعات التقليدية وديمومته    عاجل-الهند : حريق هائل في فندق يودي بحياة 14 شخصا    الكاف... اليوم افتتاح فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان سيكا جاز    السبت القادم بقصر المعارض بالكرم: ندوة حوارية حول دور وكالة تونس إفريقيا للأنباء في نشر ثقافة الكتاب    عاجل/ سوريا: اشتباكات داخلية وغارات اسرائيلية وموجة نزوح..    وفاة فنانة سورية رغم انتصارها على مرض السرطان    بمناسبة عيد الإضحى: وصول شحنة أغنام من رومانيا إلى الجزائر    أبرز مباريات اليوم الإربعاء.    عملية تحيّل كبيرة في منوبة: سلب 500 ألف دينار عبر السحر والشعوذة    تفاديا لتسجيل حالات ضياع: وزير الشؤون الدينية يُطمئن الحجيج.. #خبر_عاجل    الجلسة العامة للشركة التونسية للبنك: المسيّرون يقترحون عدم توزيع حقوق المساهمين    قابس: انتعاشة ملحوظة للقطاع السياحي واستثمارات جديدة في القطاع    نقابة الفنانين تكرّم لطيفة العرفاوي تقديرًا لمسيرتها الفنية    زيارات وهمية وتعليمات زائفة: إيقاف شخص انتحل صفة مدير ديوان رئاسة الحكومة    إيكونوميست": زيلينسكي توسل إلى ترامب أن لا ينسحب من عملية التسوية الأوكرانية    رئيس الوزراء الباكستاني يحذر الهند ويحث الأمم المتحدة على التدخل    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    ابراهيم النّفزاوي: 'الإستقرار الحالي في قطاع الدواجن تام لكنّه مبطّن'    القيّمون والقيّمون العامّون يحتجون لهذه الأسباب    بطولة إفريقيا للمصارعة – تونس تحصد 9 ميداليات في اليوم الأول منها ذهبيتان    تامر حسني يكشف الوجه الآخر ل ''التيك توك''    معرض تكريمي للرسام والنحات، جابر المحجوب، بدار الفنون بالبلفيدير    أمطار بكميات ضعيفة اليوم بهذه المناطق..    علم النفس: خلال المآزق.. 5 ردود فعل أساسية للسيطرة على زمام الأمور    بشراكة بين تونس و جمهورية كوريا: تدشين وحدة متخصصة للأطفال المصابين بالثلاسيميا في صفاقس    اغتال ضابطا بالحرس الثوري.. إيران تعدم جاسوسا كبيرا للموساد الإسرائيلي    نهائي البطولة الوطنية بين النجم و الترجي : التوقيت    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    في جلسة ماراتونية دامت أكثر من 15 ساعة... هذا ما تقرر في ملف التسفير    ديوكوفيتش ينسحب من بطولة إيطاليا المفتوحة للتنس    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    شحنة الدواء العراقي لعلاج السرطان تواصل إثارة الجدل في ليبيا    الميكروبات في ''ديارنا''... أماكن غير متوقعة وخطر غير مرئي    غرة ذي القعدة تُطلق العد التنازلي لعيد الأضحى: 39 يومًا فقط    تونس والدنمارك تبحثان سبل تعزيز التعاون في الصحة والصناعات الدوائية    اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إفلات كبار الفاسدين الحقيقيين والقائمة «السوداء» مجرّد تمويه
القاضي المنصف زغاب يوضح:
نشر في الشعب يوم 08 - 06 - 2013

«إن القرار الصادر عن وزير العدل السابق والقاضي بإعفاء 82 قاضيا من مهامهم وشطبهم من الإطار القضائي جاء مشوبا بغموض ولبس كبيرين وبعيدا عن الشفافية وبمنأى عمّا يقتضيه مسار العدالة الانتقالية من كشف للحقيقة, وقد أكّد الحقوقيون والهيئات الحقوقية الوطنية والدولية أن عملية الإعفاءات التي أتمّها وزير العدل السّابق نور الدين البحيري باعتماد آلية القائمة السوداء فضلا عما تستنبطه من مقوّمات الفكر الفاشي قد استندت إلى منهجيّة معيّنة في معالجة ملف الفساد في القضاء أسفرت عن إفلات كبار الفاسدين من المحاسبة والزجّ بأشرف القضاة وأكثرهم نزاهة في القائمة «السوداء» بغير وجه حق فكانت النتيجة أن جاءت قرارات الإعفاء منتهكة لأبسط حقوق الإنسان وتشوبها عديد الإخلالات القانونية والخروقات الواقعية التي يختزلها أحد القضاة المعنيين بالإعفاء الجماعي السيد «المنصف زغاب» في النقاط التالية, وقد التقيناه وكلّه أسى ومرارة لما آلت إليه الثورة من انحرافات وصلت حدّ التعسّف الصارخ في حقّ القضاة الذين يفترض أن يكونوا الدرع الواقي للحرّيات وصمّام الأمان للحقوق الفردية والجماعية, هؤلاء الذين يقضون في أموال الناس ودمائهم وأعراضهم وأنفسهم ويصدرون أحكامهم باسم الشعب فإذا بهم يحرمون من أدنى ضمانات المحاسبة العادلة المكفولة لأيّ إنسان حتى وإن كان مجرم حرب.
وفيما يلي بعض الخواطر التي أدلى بها السيد المنصف زغاب:
خرق واضح لمبدأ الفصل بين السلط وانتهاك واضح للسلطة القضائية, إذ صدرت أوامر الإعفاء عن السلطة التنفيذية مع أنها تسلّطت على أعضاء السلطة القضائية خلافا لما توجبه جميع المعايير الدولية لاستقلال القضاء.
الاستناد إلى أصل قانوني أمّنه النظام الدكتاتوري البائد سنة 1967 وتمّ إلغاء العمل به بموجب أحكام الفصل 27 من القانون التأسيسي عدد 6 لسنة 2011 المؤلاخ في 16 ديسمبر 2011 المتعلّق بالتنظيم المؤقت للسلط العمومية لتعارض مقتضياته صراحة مع أحكام الفصل 22 من نفس القانون التأسيسي.
صدور أوامر الإعفاء في غير ذي صفة باعتبارها صادرة عن رئيس الحكومة والحال أن قانون 1967 المشار إليه يمنح صلاحية تسمية القضاة وقبول استقالاتهم وبالتبعية إلغاء مهامهم لرئيس الجمهورية دون سواه وذلك باقتراح من المجلس الأعلى للقضاء وهو ما تأكد من خلال قيام وزير العدل نفسه حينها بإحالة الحركة الوزارية الأخيرة للقضاة على السيد رئيس الجمهورية المنصف المرزوقي لإمضائها بما تكون معه تلك الأوامر باطلة لأنّها مشوبة بعيب الاختصاص.
+ تجاوز السّلطة من قبل وزير العدل السّابق نور الدّين البحيري, الذي اتخذ قرارات الإعفاء مع أنّه لا يملك البتة الصلاحيات القانونية التي تخوّل له اتّخاذها باعتبار أن الفصل 31 من قانون 14جويلية1967, كان قد منح في صيغته الأصليّة سلطة إعفاء «القاضي النّائب للمجلس الأعلى للقضاء دون سواه ولم يمنحها إطلاقا لوزير العدل أو غيره من أعضاء السلطة التنفيدية, كما أن سائر التعديلات المدخلة على قانون 197 التي بلغ عددها 12 تعديلات لم تأتي ولو بمقتضى واحد يجيز صراحة أو دلالة لوزير العدل اتخاد قرار إعفاء القاضي من مهامه لتعارض ذلك الأمر مع مبدأ الفصل بين السلط و كع مقتضيات استقلالية السلطة القضائية تجاه السلطة التنفيذية بل إنّ تنقيح11 أوت 1985 حذف نهائيا إمكانية إفاء القاضب النائب باعتبار أن الملحق القضائي النحرز على شهادة المعهد الأعلى للقضاء تقع تسميته قاضيا من قبل رئيس الجمهورية ويعيّن في درجة البداية من الرتبة الأولى ويخضع لمدّة تأهيل تدومسنة ابتداء من تاريخ الممارسة الفعلية لمهنة القضاء يقع إثرها ترسيمه بعد أخذ رأي المجلس الأعلى للقضاء..
انحراف صارخ بالسّلطة والإجراءات الأساسيّة, لكون وزير العدل استخدم آليّة «الإعفاء» في غير موضعها القانوني وفي غير الحالات القانونية التي يسوغ فيها استعمال تلك الآليّة وهي صور مخصوصة محدّدة على وجه الدقّة والتّفصيل إذ بالرّجوع إلى القواعد العامّة للوظيفة العمومية وخاصّة الفصول 69 و76 و81 من القانون عدد 112 لسنة 1983 والّتي أحال عليها الفصل 42 من القانون عدد 29 لسنة 1967، يتّضح أنّ الحالتين الوحيدتين الّتين يجوز فيهما استخدام آليّة الإعفاء هما حالتي المرض و«القصور المهني».
والجدير بالذّكر أنّ بقاء عبارة «الإعفاء» بالفصل 44 من من القانون عدد 29 لسنة 1967 هو نتيجة سهو المشرّع عن تعديل صياغة الفصل المذكور عقب تنقيح الفصل 31 من نفس القانون بموجب القانون عدد 79 لسنة 1985 المؤرّخ في 11أوت1985 الذي ألغى نهائيا إمكانية استخدام آلية الإعفاء لا سيّما وأن الفقرة الثانية من الفصل الأوّل من القانون عدد 112 لسنة 1983 المتعلق بالنظام الأساسي للوظيفة العمومية نص على عدم انطباق ذلك النظام على رجال القضاء.
وباعتبار أن قانون الوظيفة العمومية لسنة 1982 أحدث في التاريخ مقارنة بالقانون الأساسي للقضاة لسنة 1967, فإن المنطق القانوني السّليم يوجب استبعاد تطبيق ما ورد بالقانون الأوّل في الذكر من أحكام تتصل بالإعفاء على عموم القضاة.
هضم الحقّ في الدّفاع: من خلال استبعاد مسار الإجراءات التّأديبية خلافا لما يوجبه الفصل 50 من قانون 14/07/1967 وتفرضه أحكام المادّة التّاسعة من «القانون الأساسي العالمي للقاضي» المعتمد من قبل الإتحاد العالمي للقضاة خلال سنة 1999 في دورته المنعقدة بمدينة «تايوان» التي نصّت على أن «القاضي لا يمكن نقلته أو إيقافه أو عزله من وظائفه إلاّ في الحالات المنصوص عليها في القانون مع مراعاة الإجراءات التّأديبيّة».
الغياب التام لأدنى ضمانات المحاسبة العادلة, إذ لم تقم وزارة العدل قبل صدور القرار المشتكى منه، بتوجيه مآخذ محدّدة للقضاة المعفيّين وسماعهم بشأنها. ولم تتولّى تمكين أيّ منهم من ممارسة حقّه في الاطّلاع على الوثائق والحجج التي قد يكون احتواها ملف الاتّهام وهو أمر غير مستساغ بالمرّة، فليس من العدل ولا الإنصاف أن يُحرم القاضي الّذي يقضي في أموال النّاس ودمائهم وأعراضهم وأنفسهم ويصدر بإسم الشّعب أحكاما منها ما تقضي بالإعدام, من أدنى ضمانات المحاسبة العادلة المكفولة لأيّ إنسان حتّى وإن كان مجرم حرب. كما لم تقم وزارة العدل بتحديد مدلول الفساد الذي تروّج أنها ستقوم بمكافحته ولا بيان أوجه الفساد التي تُنسب إلى كلّ قاض تمّ إدراج إسمه ضمن القائمة التي أعدّها وزير العدل ولم تضع مقاييس شفافة وموضوعية تحدّد على وجه التّدقيق معنى الفساد ومظاهره رّغم أنّ عبارة الفساد الّتي كثر استعمالها من قبل وزير العدل «نور الدين البحيري» ومستشاريه ولا سما المكلف بملف القضاء «فاضل السارحي» في المنابر الإعلاميّة ليست مفردة فلسفيّة أو أخلاقية فضفاضة, بل هي مصطلح قانوني يرمز إلى جريمة لها مدلول وطني أوضحته الفصول 83 وما بعده من المجلّة الجزائيّة ولها مدلول كوني محدّد ضبطته اتّفاقية الأمم المتّحدة لمكافحة الفساد المعتمدة بنيويورك في 31 أكتوبر 2003 بموجب قرار الجمعية العامة عدد 58/4, والتي وقّعت عليها الجمهوريّة التّونسيّة بتاريخ 30 مارس 200 وصادقت عليها بموجب القانون عدد 16 لسنة 2008 الصادر في 25فيفري2008.
استهتار غير مسبوق بهيبة السّلطة القضائية, وإمعان في إهانة القضاة بغير وجه حقّ, ذلك أنه وردت عليهم مكالمات هاتفية من رؤساء المحاكم التي يعملون بها مساء يوم 28ماي2012, تضمّنت إعلامهم أنّهم تلقّوا برقيات من وزارة العدل مفادها أنّه تمّ إعفائهم من مهامهم والتّشطيب عليهم من الإطار القضائي ولم يعد من حقهم مباشرة عملهم والإلتحاق بمكاتبهم بمقولة أنّ أسمائهم وردت ضمن قائمة أعدتها وزارة العدل بصفة سرية في مكاتبها المغلقة وصرّح وزير العدل السابق «نور الدين البحيري» أن هناك قائمتين ثانية وثالثة ستصدران في القريب العاجل ولم يصدر أيّ منها إلى يوم النّاس هذا بما يجعله في حكم المتستّر على الفاسدين إن صحّ زعمه.
هتك شرف القضاة والعبث بسمعتهم: إذ أمعن وزير العدل السابق «نور الدين البحيري» ومستشاره المكلف بملف القضاء « فاضل السايحي» في التّشهير بكلّ من ورد إسمه بالقائمة التي روّج لها على أساس أنها تضمّ القضاة الفاسدين عبر الصّحافة المكتوبة وفي مختلف وسائل الإعلام السمعيّة والبصريّة إلى حدّ بلغ به وصف القضاة المعفيين «بمرض السّرطان الخبيث» أمام نوّاب الشّعب وذلك في رحاب المجلس الوطني التّأسيسي خلال الجلسة العامّة التي خُصّصت للتّداول في مشروع الهيئة الوقتيّة للقضاء العدلي, كما أعاد ثلبهم في رحاب المجلس ثانية أثناء ردّه على تدخلات بعض السادة النوّاب بمناسبة الجلسة التي خصصت لمساءلته, عندما قال بالحرف الواحد «ياخي تحبّوا نرجعلكم هاك المناظر؟», الأمر الذي شكّل معه قرار الإعفاء وما رافقه من تشهير مسترسل وممنهج من قبل وزير العدل السابق «حكما بالإعدام الاجتماعي» في حقّ جميع القضاة المعفيّين.
تجاهل البعدين الإنساني والأخلاقي: إذ تمّ قطع مورد رزق كل قاض ورد إسمه بالقائمة بغير وجه حقّ ودون أيّ سند قانوني مدة شهرين قبل صدور أوامر الإعفاء وذلك بمجرّد تعليمات شفاهية موجّهة إلى المكلّف بالشؤون الماليّة بالوزارة من قبل الوزير «نور الدّين البحيري», الّذي تعمّد تجاهل الصّبغة المعاشيّة لرواتب هؤلاء القضاة, مع أنها تمثّل مصدر قوت أسرهم والوسيلة الوحيدة الّتي تؤمّن قدرتهم على خلاص أقساط القروض البنكيّة الّتي تثقل ميزانيّاتهم, ممّا آل إلى تشريد أبنائهم ومن هم في كفالتهم وأضحى الكثير منهم عاجزا في الوقت الرّاهن حتّى عن توفير رغيف خبز لصغاره, وبات التّهديد بالتّنفيذ على مساكن الكثير منهم لاستخلاص أقساط القروض المتخلّدة أمرا وشيكا بعد أن أصبحوا معطّلين عن العمل بجرّة قلم من وزير العدل.
الاستخفاف بالهياكل التمثيليّة للقضاة: إذ تمّ تجاهل جميع اللّوائح والبيانات الصّادرة عن جمعيّة القضاة التّونسييّن ونقابة القضاة التّونسيّين وسائر تحرّكاتهما النضاليّة الرّامية إلى منع الوزارة من استعمال آليّة الإعفاء تجاه القضاء, باعتبارها أداة ابتكرها النّظام الدّكتاتوري السّابق منذ أكثر من نصف قرن, لفرض وصاية السّلطة التنفيذية على السّلطة القضائيّة والاستعاضة عن تلك الآليّة بالإجراءات التّأديبيّة الّتي تسمح بكشف الحقيقة وتتيح للقاضي ضمانات المساءلة العادلة.
قرارات الإعفاء تشكّل كسرا لإرادة المجلس الوطني التّأسيسي: إنّ إرادة أعضاء المجلس الوطني التأسيسي قد انصرفت بجلاء إلى التأسيس لسلطة قضائيّة مستقلّة والقطع مع الموروث التشريعي المتخلّف الذي كان يحكم تنظيم القضاء العدلي من جهة وإلى استبعاد سائر النّصوص القانونية الّتي جعلت من القضاء جهازا تابعا وطيّعا استعمله النظام السّياسي البائد لقمع الحرّيات وانتهاك الحرمات وانتزاع الممتلكات وتصفية خصومه السياسيّين من جهة أخرى، وقد تجسّمت تلك الإرادة بكلّ وضوح من خلال أحكام الفصل 22 من القانون التأسيسي عدد 06 لسنة 2011 المتعلّق بالتّنظيم المؤقّت للسّلط العموميّة «الدستور الصّغير» الّذي تكفّل بموجبه المجلس الوطني التّأسيسي بتفادي حالة الفراغ الهيكلي الّتي يعيشها القضاء التّونسي عقب حلّ المجلس الأعلى للقضاء وذلك بسنّ قانون أساسي يحدث هيئة وقتيّة للإشراف على القضاء العدلي تحلّ محلّ المجلس الأعلى للقضاء المذكور كما آل المجلس على نفسه إعلان القطع التام والجذري مع الموروث القانوني القديم المنظّم للقضاء وتعهّد بإصدار قوانين أساسيّة يتولّى بمقتضاها إعادة تنظيم القضاء وإعادة هيكلة المجالس القضائية العليا العدليّة والإداريّة والماليّة كما تعهّد ضمن نفس الفصل بضبط أسس إصلاح المنظومة القضائيّة طبق المعايير الدوليّة لاستقلال القضاء».
وتأكيدا على صدق تلك الإرادة التّائقة إلى استبعاد النّصوص القانونيّة البالية التي لا تستجيب لمطلب إرساء دعائم سلطة قضائية مستقلّة أقرّ الفصل 27 من «الدستور الصّغير» إنهاء العمل بكلّ القوانين التي تتعارض مع هذا القانون التّأسيسي ونصّ على أن تبقى النّصوص القانونيّة التي لا تتعارض معه سارية المفعول.
ويتّضح ممّا تقدّم بسطه أنّ المجلس الوطني التّأسيسي ألغى العمل بجميع النّصوص القانونية الّتي تتعارض مع مقتضيات القانون المتعلّق بالتّنظيم المؤقّت للسّلط العموميّة، ولا ريب في أنّ القانون عدد 29 لسنة 1967 الّذي جاء بآليّة الإعفاء الّتي اعتمدها وزير العدل ثم رئيس الحكومة مع أنهما لا يملكان أصلا صلاحية استعمالها يتجافي تماما مع جميع المعايير الدّولية لاستقلال القضاء، ومنها ما أقرّته المادّة 9 من القانون الأساسي العالمي للقاضي المصادق عليه من الإتّحاد العالمي للقضاة في دورته المنعقدة في تايوان سنة 1999 في خصوص حماية الوظيفة القضائية من أنّ «القاضي لا يمكن نقلته أو إيقافه أو عزله من وظائفه إلاّ في الحالات المنصوص عليها في القانون مع مراعاة الإجراءات التّأديبيّة» يتعارض بصفة صارخة مع القانون التّأسيسي المتعلّق بالتّنظيم المؤقّت للسّلط العموميّة ولا سيّما أحكام الفصل 22 منه الأمر الّذي يكون معه القانون الأساسي للقضاة لسنة 1967 الّذي جاء بآليّة الإعفاء من بين أولى النّصوص القانونيّة البالية الّتي تمّ إنهاء العمل بها مطلقا منذ يوم 16ديسمبر2011 تاريخ صدور القانون التأسيسي عدد 6 لسنة 2011.
وبناء على كلّ ما سلف بيانه يكون قرار الإعفاء الجماعي الصّادر عن وزير العدل السابق «نور الدين البحيري» بتاريخ 28ماي2012 قد تأسّس على نصّ قانوني مُلغى تمّ إنهاء العمل به صراحة منذ يوم 16ديسمبر2011 وجاء في إطار خطوة استباقيّة ترمي إلى مصادرة صلاحيّات الهيئة الوقتيّة للقضاء العدلي المزمع إحداثها من قبل المجلس الوطني التأسيسي وإفراغها من كلّ جدوى عمليّة لا سيّما أنّ إحداث تلك الهيئة قد تأخّر كثيرا ولم تر النور بعد مع أنّه لم يتبقّ من عمرها المفترض سوى بضعة أشهر لا غير وهو ما ساعد وزير العدل «نور الدين البحيري» على تمرير قراره الجائر القاضي بتسليط عقاب جماعي ضد مجموعة من القضاة دون توفير أدنى ضمانات المحاسبة العادلة وذلك في غياب تام لمبدأ المواجهة الذي يكفل ممارسة الحق في الدّفاع وبعيدا عن أيّة مقاييس موضوعية وشفافة توضّح معنى الفساد المراد مقاومته وتضبط الأسس التي قامت عليها عمليّة إعداد قائمة القضاة المشمولين بذلك القرار الظّالم.
واستنادا إلى مجمل تلك الحقائق الثابتة يكون قرار الإعفاء الجماعي الصّادر عن وزير العدل السّابق «نور الدين البحيري» والأوامر على المؤسسة عليه الصادرة عن رئيس الحكومة «حمادي الجبالي» بمثابة الانحراف الخطير بالإجراءات والتّجاوز الصّارخ للسّلطة بما يشكّل خرقا واضحا ومتعمّدا لأحكام الدستور الصّغير من قبل الحكومة ويمثّل بالتالي كسرا لإرادة المجلس الوطني التّأسيسي الرّامية إلى إصلاح المنظومة القضائيّة وفق مرتكزات ومناهج مضبوطة تستند إلى المعايير الدّولية لاستقلال القضاء، فكأنّ الحكومة أرادت بقرارات الإعفاء أن توجّه رسالة واضحة لرئيس وأعضاء السّلطة التّأسيسيّة في البلاد مفادها أنّ العصمة بيدها دون سواها وأنّ النّصوص القانونيّة التي يضعها نوّاب الشّعب لا قيمة لها لديها ولا تتوان لحظة عن تجاهلها وازدرائها عندما يتعلّق الأمر بتنفيذ أجنداتها السّياسيّة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.