... ونحن امام بيت الفقيد ننتظر خروج الجنازة لتشييعها الى مثواها الاخير شدني حال شيخ كبير بلغ به التأثر مداه وهو يذكر مناقب عم يونس «جارْ» ومنها موقف وقفه معه في حقبة بعيدة غير مجرى حياته... عرفنا الفقيد في رحاب منظمتنا الاتحاد العام التونسي للشغل ولكن لنترك لزملائه في قطاعه، قطاع المعاش والسياحة وفي المنظمة وللتاريخ التحدث عن سجله الناصع ولنستسمح في قول كلمة في عم يونس الجار، ونعم الجار ولتكن هذه الكلمة عن فترة ما بعد المسؤولية النقابية رغم ان هذه العبارة ليست دائما بهدوئه المعتاد وبانفتاح قلبه على الجميع كنت ترى عم يونس في مقهى الحي يجلس مع ثلة من الاصدقاء وذلك بعد ان يكون قد انهى مشواره في مساعدة العائلة على قضاء شؤونها. وعندما تشعر انك في صحبة نموذج نادر من الرجال وتكتشف الى اي مدى ترسخت في الرجل القيم والمبادئ التي عاش عليها وضحى في سبيلها كما تلمس عمق الارتباط بينه وبين العمل النقابي حتى لتسأل نفسك هل هو مظهر من ايمان العجائز ام ان هناك جينات نقابية يكتسبها المناضل النقابي من فصيلة الفقيد. انه الايمان الذي لا يتزعزع عن المبادئ النقابية تلمسه لدى العم يونس الرجل العصامي الذي اخذ منه العمل النقابي جل العمر. هادئ وصبور، هكذا كان عم يونس الذي تجد في مجالسته متعة وراحة يحدثك عن المعارك النقابية التي كان حاضرا فيها، عن النجاحات التي ساهم فيها عن الامال النقابية التي اصبحت واقعا ولكن دون ان يوهمك بأنه صاحب بطولات. كان العم يونس يحب ان يكون بين الاصدقاء وحتى في الايام الاخيرة وقد بدا الارهاق يوهنه وكان يحرص على مجالستهم لايثنيه عن ذلك ألم المرض او رنين هاتف العائلة وهي تلح عليه في العودة الى البيت. لا يتمنى لزملائه النقابيين وللمنظمة النقابية الا الخير والتوفيق وتحس انه وهو البعيد عن المسؤولية معني بكل تفاصيل الحياة النقابية بنفس الحماس بل الغيرة على هذا الكيان، تكتنف في الفقيد وفاءه لزملائه النقابيين وهم كثر وخاصة الذين رحلوا عن هذه الدنيا وتلمس ذلك من اطلاعه الدائم على احوال عائلاتهم وذويهم... كان كريما وذا نفس كبيرة ربما تعبت في مراده الاجسام ولم تكن لمباهج الدنيا صدى في نفسه، كان يجد سعادته في الالتقاء بأحبابه وكان يجد الدفء في عائلته الصغرى ولذلك كان في قمة السعادة في الصائفة الماضية وهو يحتفل بختان احفاده الذين يقضون عطلة الصيف في صحبته. اينما ترجلت في صحبته في حي الغزالة، أين يقطن، الا ورأيت مظاهر الترحيب والتقدير تجاهه من طرف الجميع كتعبير لحب الناس لهذا الرجل الذي دخل القلوب... لا اذكر اني رأيت في الفقيد بعض علامات الضجر او القلق بل كان بكل أريحية يفتح قلبه لتقرأ فيه ما تشاء وفي كل الاحوال لا يكون هو من يبادر الى فض المجلس... رغم تجربته الكبيرة في الحقل النقابي فان التواضع كان سمته البارزة الا ان هذه الخاصية لا تمنعك من الاقرار بعطاء الاتحاد الذي انتج رجالات من طينة الشهيدي يفخر بهم كل الوطن. رحل عم يونس وهو الرجل الهادئ في صمت ولكنه ترك خلفه سجلا حافلا من الجهد والنضال والنجاحات وترك ايضا ذكرى طيبة لدى اجواره واقاربه وهي مآثر يمكن ان تنير الطريق للمناضلين النقابيين لانها دون مبالغة قصص نجاح. رحم الله عم يونس، لقد كان مؤنسا حقا الطيب الوراري