دخل مذهب الإمام مالك بن أنس ( ت 179 ه / 795 م ) إفريقيّة سنة 150 ه / 767 م، مع مذهب سفيان الثوري ومذهب عبد الرحمان الأوزاعي ومذهب أبي حنيفة النعمان، على أيدي عبدالله بن غانم وعبدالله بن فرّوخ الفارسي. ففي عهدهما تعايش المذهبان المالكي والحنفي، ولكن مع قيام الدولة الأغلبيّة و توليّ أسد بن الفرات قضاء القيروان رجحت كفّة الحنفيّ ، ثمّ حدث العكس في منتصف ق 3 ه / 9 م بقوّة الإمام سحنون بن سعيد وتلاميذه، و فشلت محنة الاعتزال. ولمّا قامت الدولة الفاطميّة تشيّع بعض الحنفيّة وتحالفوا مع الشيعة على امتحان خصومهم أتباع مالك، وهم الأكثرون . لكنّ الحسم كان لصالح هؤلاء لمساندتهم ثورة صاحب الحمار الخارجي ولانتفاضتهم على بني زيري إلى أن اضطرّ هؤلاء إلى إعلان استقلالهم سياسيّا ومذهبيّا عن الفواطم في القاهرة عاصمتهم الجديدة في منتصف ق 5 ه / 11 م . في ذلك الإطار سمح المعزّ بن باديس بتقتيل بقايا الشيعة وملاحقة الإباضيّة من الخوارج و نبذ الأحناف موطّدا بذلك المذهب المالكي في البلاد نهائيّا في مواجهة الموحّدين و خلفائهم الحفصيين بفضل الإمام المازري (ت 536 ه / 1142 م) من قبل والإمام ابن عرفة ( ت 803 ه / 1401 م ) من بعد . وحتّى إن عاد المذهب الحنفي مع الأتراك في حملة سنان باشا سنة 1574 م و ما تلاها من عقود حكم الدايات والبايات فإنّه ظلّ مقصورا على الحكّام والنخبة دونما امتداد في العامّة رغم جهود إعلائه بالمساجد والمدارس وعن طريق الفقهاء. هذا من الناحيّة السياسيّة ، في علاقة المالكيّة بالسلطة . أمّا من الناحية العقائديّة فقد مرّ المذهب بثلاث مراحل ، أولاها اتّسمت بالامتناع عن المسائل الكلاميّة ، وثانيتها اتّسمت باحتشام محاولة الغوض فيها ، وثالثتها انتهت بتبنّي الأشعريّة . مثّل المرحلة الثانية محمد بن سحنون ( ت 256 ه / 870 م ) ، ومثّل المرحلة الثالثة أبو الحسن القابسي ( ت 403 ه / 1012 م) وابن أبي زيد القيرواني ( ت 386 ه / 996 م ) . وأمّا من الناحية الفقهيّة فقد مرّ المذهب بخمسة أدوار . أوّلها دور التأصيل بتأليف مالك « للموطإ « و بيان أصول مذهبه فيه ، دون أن تكون لإفريقيّة مساهمة في ذلك . و ثانيها دور التدوين و التفريع « بأسديّة «أسد بن الفرات و « مدوّنة « الإمام سحنون وذلك من النصف الثاني من ق 2 ه / 8 م إلى منتصف 3 ه / 9 م . وثالثها دور التطبيق و التقليد بتأليف الموسوعات والمختصرات و الشروح تماشيا مع دراسة الفروع دون الأصول ، وذلك من منتصف ق 3 ه / 9 م إلى إلى منتصف ق 5 ه / 11 م . ورابعها دور التنقيح و الاختيار والنقد و الترجيح مع « تبصرة» أبي الحسن اللخمي و « إيضاح المحصول في الأصول « وغيره من مؤّلفات الإمام المازري ، وذلك من منتصف ق 5 ه / 11 م إلى أوائل ق 6 ه / 12 م . وخامسها دور الاختصار خلال ق 7 ه / 13 م ، و لم تكن لإفريقيّة مشاركة فيه، و إنّما اقتدى بعض علمائها بعلماء مصر في تقليدهم لكتاب « الوجيز» لأبي حامد الغزالي ، منهم ابن راشد القفصي ( ت بعد 731 ه / 1331 م ) في كتابه « لباب اللّباب «. ومحصّل ذلك التطوّر الانتهاء إلى تعطيل العقل و تغليب النقل. و قد حاول نجم الدين الهنتاتي بصعوبة تبيّن الملامح الفارقة بين « مدرستين « مالكيّتين في القيروان و تونس على ما بينها من التبعيّة تارة والتنافس طورا والتعاون طورا آخر ( انظر : التشيّع ، المذهب الحنفي ). البشروش ( ت. ) : موسوعة ، ص 417 – 423 ( عن نجم الدين الهنتاتي و مراجعه ). GHRAB (Saad) : Ibn Arafa et le malikisme en Ifriqiya. – Fac.Lettres, la Manouba, 1996.