تعطلت حركة المرور أمس بعدد من المدن التونسية والعاصمة على اثر نزول كميات هامة من الأمطار.. وهو ما أثار من جديد اشكاليات تتعلق بالبنية التحتية في تونس فلماذا تغرق مدننا ولماذا تغيب الحلول الجذرية؟. بالوعات عاجزة عن استيعاب المياه.. ومواطنون يتجاوزون بعض الطرقات في حركات سباحة حرة، حافلات و«متروات» تسير بصعوبة وتتوقف، لتتعطل معها مصالح العمال والمواطنين.. ذلك هو المشهد العام في جل المدن التونسية والعاصمة أمس على اثر نزول كميات هامة من الأمطار. «الشروق» حاولت تسليط الضوء على الاشكاليات المتكررة بسبب الفيضانات والأمطار.. واتصلت بمصالح من وزارة التجهيز وديوان التطهير لتحديد المسؤوليات. سقط حرفاء «المترو» أمس في فخ الانتظار والتأخير بعد ان تعطلت وسائل النقل بسبب تهاطل الأمطار.. مواطنون آخرون وجدوا أنفسهم في حصص اجبارية لممارسة السباحة واجتياز المسالك المائية. برزت نقاط سوداء كثيرة في العاصمة بسبب عجز الأنابيب عن استيعاب سيلان المياه المتهاطلة.. وتحولت بعض البالوعات الى ناقوس خطر يدق في بعض الأنهج والطرقات. وقد عبّر عدد من المواطنين عن تذمرهم من تكرر مشاكل الاكتظاظ والغرق بمياه الأمطار. أصابع الاتهام وجهها المواطنون نحو المقاولين ووزارة التجهيز حيث اعتبر عدد منهم ان «التلاعب» في الصفقات العمومية والحلول «الترقيعية» قد حالت دون انجاز بنية تحتية متكاملة ومستديمة، مفسّرين الفيضانات بوجود خلل في البنية التحتية يعود الى الفساد. تقييم وبرامج حسب مصادر من وزارة التجهيز قامت الوزارة خلال الأمطار الاخيرة وما قبلها بدراسة لتقييم الأضرار التي شملت 14 ولاية، وشمل التقييم 250 نقطة. ونفت مصادرنا ان يكون هناك تلاعب من طرف المقاولين في عملية انجاز الطرقات وفي ابرام الصفقات العمومية فالمراقبة موجودة وعملية إسناد الصفقات تخضع لشروط ومقاييس صارمة ولا سبيل للتلاعب بها. وأشارت مصادرنا الى أن أمطار هذا العام استثنائية وأنه تم تكوين لجنة لتقييم ما تم انجازه سنة 2009 وما سيتواصل انجازه الى اليوم. وحسب الخبراء فإنه لا يمكن مجابهة الأمطار الاستثنائية بل فقط السعي نحو تقليص مخلفاتها فالأمطار والزلازل والعواصف هي كوارث طبيعية لا يمكن التنبؤ بها او قياسها. وتعمل الوزارة على مجابهة وتحسين وضعية النقاط الزرقاء والنقاط السوداء وهناك عمليات حماية قريبة وأخرى بعيدة. وتعتبر المناطق المتاخمة لحوض مجردة مثل مجاز الباب وبوسالم وجندوبة والجديدة وغيرها من المناطق المهددة بفيضانات الأمطار. وقد قامت وزارة الفلاحة بالتعاون مع خبراء يابانيين بوضع برنامج لحماية هذه المناطق المهددة بفيضانات الأمطار، وتقدر تكلفة هذا المشروع ب580 مليارا. من جهتها قامت وزارة التجهيز بوضع برنامج لحماية 165 مدينة وحيا وهناك تسعة مشاريع أخرى في طور الانجاز. جديد وحماية وضعت وزارة التجهيز برنامجا لحماية المدن من الفيضانات، وتتواصل حاليا أشغال بعض المشاريع المدرجة ضمن ميزانية الدولة لسنة 2010 وما قبلها وعدد 9 مشاريع.. اضافة الى 13 مشروعا بميزانية 2011 و8 مشاريع على حساب ميزانية 2012. وقد شهدت أشغال مقاولات عدد من هذه المشاريع عددا من الصعوبات فتعطلت فيما يتم حاليا اعداد ملفات طلب العروض المتعلقة بمشروع ميزانية 2012. من جهة أخرى يتواصل اعداد 15 دراسة تهم عدة مدن موزعة على كامل البلاد وهي حمام الانف وبومهل ورأس الجبل وعين دراهم وبوحجر ومنزل نور ولمطة وصفاقس الغربية وقابس وتمغزة والخرشف (سيدي بوزيد) والسعيدة (سيدي بوزيد) والنفيضة والرديف. وأكدت مصادرنا تطور عدد الدراسات والاستثمارات المتعلقة بحماية المدن والتجمعات السكنية من الفيضانات والموزعة على كامل البلاد. وتقوم الوزارة سنويا بصيانة وترميم مختلف المنشآت المائية التي تتآكل بفعل حدة سيلان المياه وتأثيرات جانبية أخرى تستوجب انجاز الاشغال عن طريق مقاولات مختصة.. كما يتم رفع الترسبات المتأتية من سيلان المياه التي تتراكم على طول القنوات والمنشآت المائية الحامية للمناطق العمرانية من الفيضانات. اضافة الى عملية تقليع الأعشاب وجهر الأودية التي لها صلة بمنشآت الحماية للمناطق العمرانية. وأضافت مصادر من وزارة التجهيز ان هناك مشاريع أخرى تتعلق بحماية تونسالغربية من الفيضانات وتهدف الى حماية مناطق المنيهلة والانطلاقة وحي التضامن وابن سينا وقصر السعيد ودوار هيشر ومنوبة وخزندار والدندان والزهروني والزهور وباردو وسيدي حسين السيجومي والأحياء الأخرى المحيطة بسبخة السيجومي. ونظرا للتكلفة المرتفعة لهذه الأشغال تمت برمجة انجاز قسط وظيفي يهدف الى حماية الأحياء الأكثر عرضة للفيضانات بتونسالغربية وهي محيط سبخة السيجومي وأحياء الزهور وخزندار وقصرالسعيد وابن سينا والدندان. أنابيب التطهير أصابع اتهام أخرى توجهت نحو ديوان التطهير، حيث يتهم بعض المواطنين هذه المؤسسة بالتقصير وتسبب أنابيبه في استفحال الفيضانات. وذكرت مصادر مطلعة من الديوان ان مهام ديوان التطهير تتعلق بتصريف المياه المستعملة لا مياه الأمطار.. وأشارت الى الخلط والالتباس الموجود في ذهن الكثيرين حول مهام الديوان الذي يقتصر دوره في المشاركة ضمن خلايا مع وزارة التجهيز والبلديات لمواجهة الكوارث. ويقوم الديوان بعملية جهر لبعض الأودية والمجاري عبر المدن في ست ولايات بالتعاون مع وزارة الداخلية. كما أشارت مصادرنا من جهة ثانية الى وجود بعض التجاوزات من المواطنين الذين يقومون بربط «الميزاب» الخاص بمنازلهم بأنابيب الديوان وهو ما يتسبب في الفيضانات. ونفت مصادرنا أن يكون الديوان قد «تقاعس» في عملية جهر أنابيبه، وبأن تكون الاوساخ المتراكمة في الأنابيب هي التي تعطّل عملية تصريف المياه، قائلة إن عملية الجهر تتم بطريقة دورية وصحيحة.. كما أكدت أن ديوان التطهير غير مسؤول عن الفيضانات. عموما يبقى ملف غرق العاصمة بالأمطار ملفا تتجاذبه عدة أطراف وتبقى كرة الاتهامات متبادلة بين عدة هياكل ليتحول المواطن الى ضحية لبرك «السباحة» الاجبارية والاكتظاظ المتواصل وتعطل حركة المرور كلما نزلت أمطار يقال عنها: انها استثنائية!! ويتحول الاستثناء الى قاعدة!